Top
Image Alt

تاريخ التنصير في المنطقة العربية

  /  تاريخ التنصير في المنطقة العربية

تاريخ التنصير في المنطقة العربية

ومن الأمور التي تحتاج إلى إشارة في مثل هذا اللقاء: أن نشير إلى نشاط المبشِّرين في الجزيرة العربية؛ لأن موقف المبشِّرين من الجزيرة العربية وعلاقة هذه الجزيرة بالحرميْن الشريفيْن يقتضي من المسلمين أن يكونوا على وعي تام بما يُدبَّر لهذه المنطقة من سياسة الالتفاف حول الحرميْن الشريفين.

ولك أن تدور بناظريْك الآن يا أخي، حول ما يجري في هذه المنطقة. ففي شمال الجزيرة العربية زُرعت إسرائيل زرعًا شيطانيًّا. وفي شرق الجزيرة العربية الآن توجد أمريكا. وفي جنوب الجزيرة العربية الآن أكبر مخزن سلاح أمريكي في العالم. وبقية المناطق الجغرافية المحيطة بالحرميْن الشريفيْن لا ينبغي أن نغضّ الطرف عما يجري فيها؛ وهذا يدعونا إلى إلقاء بعض الضوء على موقف المبشرين وأيضًا نشاط المستشرقين المتعلّق بالجزيرة العربية بالذات.

فأقدم إرسالية تبشيرية في هذه المنطقة هي: الإرسالية الأمريكية البروتستانتية، ذات الأهداف التبشيرية المتعدِّدة في شبه الجزيرة العربية.

هذه الإرسالية -أيها الإخوة- قام بتأسيسها الدكتور “لانسنج” أستاذ اللغة العربية في معهد اللاهوت في “نيوبرسنج”. هذا المعهد خاص أو أنشئ خصيصًا لتدريب المبشِّرين، والعمل على نشرهم في البلاد الإسلامية؛ فهو خاص بتدريب المبشِّرين وتابع لكنيسة الإصلاح الديني في أمريكا. فلقد ساعد “لانسنج” هذا في تأسيس هذه الإرسالية، وقام بمعاونته ثلاثة من أخص تلاميذه وهم: “جيمس كنتان” و”صموئيل زويمر” و”فيليب فيليبس”: ثلاثة من كبار المبشرين في المنطقة؛ وهم من أصفى تلاميذ الدكتور “لانسنج”. ولا ننسى أن والد “لانسنج” نفسه كان مبشرًا في بلاد الشام وخاصة في سوريا، وظل في سوريا لمدة طويلة جدًّا حتى النصف الأول من القرن التاسع عشر. وقد أطلق “لانسنج” ومساعدوه الثلاثة على هذه الإرسالية الأمريكية هذا اللقب، أسموها باسم: “الإرسالية العربية”، وأسسوها في سنة 1889م، استجابة لطلب رسمي مقدّم إلى هيئة الإرساليات الأجنبية للسماح بالقيام بعمل تبشيري في البلاد الناطقة باللغة العربية. وهذا الطلب مقدم من “لانسنج” إلى زعماء هذه المنطقة، للسماح لهم بتأسيس هذه الإرسالية لنشر تعاليم الإنجيل بين الناطقين باللغة العربية.

وبدأت هذه الإرسالية تباشر نشاطها فعلًا في الجزيرة العربية، وخاصة في المناطق المطلّة على الخليج العربي. الذي يتصوّر جغرافية المنطقة يعلم: أن المناطق المطلّة على الخليج تبدأ من البحرين، الكويت، قطر، الإمارات العربية المتعدّدة، ثم عمان. ولا مانع أن تتوغّل هذه الإرسالية إلى قلب الجزيرة العربية؛ وهذا قد حدث فعلًا. وكانت كنيسة الإصلاح الأمريكية بولاية “نيوجرسي” هي التي تتولّى الإشراف العلمي والتمويل المادي لهذه الإرسالية. وكانت أيضًا تمدّها بالمبشِّرين الجدد، الذين أتمّوا تدريبهم وأصبحوا مؤهَّلين للقيام بالعمل التبشيري في الجزيرة العربية. وكان من أهم أسلحتهم: تعلّم اللغة العربية، وتعلّم العادات والتقاليد الاجتماعية لهذه المنطقة.

وكان من خطّة هذه الإرسالية: العمل على نشر الإنجيل، خاصة الآيات التي تدعو إلى المحبة في هذا المكان بالذات. ولقد أحسّت هذه الإرسالية بصعوبة المهمّة التي كُلِّفوا بها، خاصة في منطقة الجزيرة العربية التي هي المهد الحقيقي للإسلام، والتي يتمتّع جميع أهلها وجميع من يعمل فيها بالولاء الكامل والغيرة الشديدة على الإسلام والمسلمين؛ لذلك فكّروا في وضع خطة مكتوبة يوافق عليها أعضاء الإرسالية لتكون هذه الخطة بمثابة ورقة عمل لهذه الإرسالية في المنطقة وفي غيرها من العالم. لمَ؟ لأنه كان عندما يأتي مبشِّر يقيم فترة زمنية معيّنة ثم لا يجد من إقامته فائدة، ولا أحد يعلن تبرُّؤه من الإسلام ويعتنق المسيحية، ظلوا هكذا فترة طويلة، فأخذوا يغادرون المنطقة واحدًا تلو الآخر. فبدءوا يضعون ورقة عمل، وتقدّم هذه الورقة للمبشِّر المتطوّع الذي أتى للمنطقة، ثم يوقِّع عليها بالموافقة على تحمُّل كلّ ما يواجهه في هذه المنطقة من صعوبات. ولذلك نجد أنه ممّا جاء في هذه الورقة المكتوبة -أنا أسميه عقدًا بين أفراد المبشرين وبين الإرسالية كمؤسسة حكومية أمريكية تقوم بهذه المهمة- جاء في هذه الخطة ما يلي:

نحن الموقِّعين أدناه، قد عقدنا العزم على القيام بنشاط تبشيري رائد في البلاد الناطقة باللغة العربية، وبصفة خاصة من أجل المسلمين والعبيد، مقرِّين منذ البداية بالحقائق التالية:

  1. الحاجة البالغة لهذا العمل التبشيري، وضرورة تشجيعه في العصر الحديث في هذه المنطقة من العالم.
  2. عدم وجود مثل هذا العمل التبشيري في هذه المنطقة، خاصة تحت إشراف مجلس الإرساليات الأجنبية في الوقت الحالي. (هذه العبارة تدلّنا على أنه كان هناك نشاط لكن لم يوجد تحت إشراف إرساليات).
  3. عدم قيام أي مجهود يُذكر حتى الآن في المجالات التبشيرية آنفة الذِّكر.

ولتحقيق هذه الأهداف المرجوّة، فإننا نتقدم من المجلس وبتأييده إلى الكنيسة العامّة بالمقترحات التالية:

  1. الشروع بهذا العمل التبشيري بأسرع وقت ممكن.
  2. أن يكون ميدان العمل هو: الجزيرة العربية وأعالي النيل. -أعالي النيل في عُرفهم يشمل السودان ومصر.

وممّا جاء في المادة الأولى من دستور هذه الإرسالية: أنه سيكون اسم هذه الإرسالية “المنظمة العربية” أو “الإرسالية العربية”.

وفي المادة الثانية: سيكون هدف هذه الإرسالية: القيام بالعمل التبشيري في الجزيرة العربية، والبلاد الناطقة باللغة العربية.

هذا أشبه بالعقد المكتوب بين أفراد المبشِّرين الذين انتشروا في الجزيرة العربية، وبين الإرسالية الأمريكية كمؤسسة حكومية تشرف وتهيمن وتموِّل نشاط هؤلاء المبشرين. ولا شك أنّ اختيار الجزيرة العربية، واختيار هذه الإرسالية كأكبر إرسالية في الشرق، كان يهدف إلى أمور كثيرة، نتناولها، ونتعلّم كيف استطاعت هذه الإرسالية أن تغزو أطراف الجزيرة العربية المطلّة على الخليج العربي غزوًا ثقافيًّا، وأصبح له تأثيره في السلوك العربي في كثير من هذه البلاد.

فهذه الإرسالية التبشيرية الأمريكية التي زُرعت زرعًا في شرق الجزيرة العربية، وبالذات في دولة البحرين، كانت تعمل بنشاط على أطراف الجزيرة العربية المطلّة على الخليج العربي، ولا مانع أن نشاطها كان يمتد أحيانًا إلى قلب الجزيرة العربية تحت أسماء لنشاط اجتماعي أو ثقافي كما سوف نتناوله فيما بعد. وقلنا ونقول: إنّ اختيار الجزيرة العربية كمركز رئيس لهذه الإرسالية بالذات كان له أهدافه البعيدة، التي خطّط لها المبشِّرون -وبمعاونة بعض المستشرقين- ليعملوا على تحقيقها على المدى البعيد.

ومن أهمّ هذه الأسباب التي أعلنوها صراحة -كما جاء في مؤتمراتهم- هو: أنّ الجزيرة العربية كانت في سابق عهدها موطنًا للمسيحية قبل الإسلام، ومحاولة إرجاعها إلى سابق عهدها المسيحي أمر ضروري، أرأيتم؟!!

وقد أكّد أحد رؤساء هذه الإرسالية -وهو: “صموئيل زويمر” أحد المؤسِّسين لها مع “لانسنج”- على هذه الأهداف أكثر من مرّة. فقد أكد عليها في قوله: “إن من بين الدوافع للعمل التبشيري في جزيرة العرب: أنّ لنا فيها تاريخًا. إن للمسيح حقًّا في استرجاع الجزيرة العربية”: هكذا صرّح “زويمر”. “وقد أكّدت الدلائل التي تجمّعت تحت أيدينا في الخمسين سنة الماضية على: أن المسيحية كانت منتشرة في هذه البلاد في سابق عهدها. وهناك دلائل أثريّة واضحة المعالم على وجود الكنيسة المسيحية هناك؛ ولهذا فإنّ من واجبنا أن نُعيد هذه المنطقة إلى أحضان المسيحية”.

هذا الكلام قاله “زويمر” في بعض المؤتمرات، وقاله في كتابه: (العالم الإسلامي اليوم). و”زويمر” هذا هو أحد مؤسِّسي الإرسالية التبشيرية الأمريكية في دول الخليج؛ لا ينبغي أن ننسى هذا.

error: النص محمي !!