Top
Image Alt

تتمة باب: من كظم غيظًا، وباب: ما يقال عند الغضب

  /  تتمة باب: من كظم غيظًا، وباب: ما يقال عند الغضب

تتمة باب: من كظم غيظًا، وباب: ما يقال عند الغضب

الحديث الثاني:

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما تعدُّون الصرعةَ فيكم؟ قالوا: الذي لا يصرعه الرجال. قال: لا، ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب)).

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سائلًا أصحابه: ((ما تعدون الصرعة فيكم؟)) والصرعة بضم الصاد المهملة على وزن همزة ولمزة، هو الذي يصرع الناسَ؛ يعني: ما تعدون الذي يصرع الناسَ فيكم؟ فقال العلقمي -بضم الصاد المهملة وفتح الراء-: الذي يصرع الناس كثيرًا لقوته، والهاء للمبالغة في الصفة، ولذلك قيل: الذي يصرع الناس كثيرًا، والصرعة بضم الصاد وسكون الراء بالعكس؛ يعني: الذي يصرعه غيره كثيرًا، والذي عندنا هو الصرعة الذي يصرع الناس كثيرًا، وبالتالي كما قال الصحابة رضي الله عنهم: “لا يصرعه الرجال”؛ لأنه إذا كان هو الذي يصرعهم، فلا يستطيعون أن يغلبوه.

“فقال صلى الله عليه وسلم”: والاستفهام هنا للتنبيه حتى يتقبلوا بنوع من الشوق ما يريد أن يعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا، ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب)) هذا هو الذي يستحق اسم الصرعة؛ أي: عند غضبه وثورانه يملك نفسه ويقهرها، فلا يجعلها تفلت من زمامها ويكظم ويكتم غضبه، فلا يجعله يتصرف بمقتضاه تصرفًا أهوجَ أو غير عاقل. قال المنذري: “وأخرجه مسلم بأتم”.

باب: ما يقال عند الغضب:

يعني: إذا كان وجههم إلى أن الرجل القوي الذي يملك نفسه عند الغضب، فأرشدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كيفية أن يملك الإنسان نفسَه عند الغضب، وذلك رواه أبو داود في باب ما يقال عند الغضب.

قال أبو داود -رحمه الله تعالى-: حدثنا يوسف قال: أخبرنا جرير بن عبد الحميد عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل قال: “استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فغضب أحدُهما غضبًا شديدًا حتى خُيل إليَّ أن أنفه يتمزع من شدة غضبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد من الغضب! فقال: ما هي يا رسول الله؟ قال يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، قال: فجعل معاذ يأمره فأبى ومحك، وجعل يزداد غضبًا”.

“استب رجلان” يعني: سب أحدهما الآخر، “فغضب أحدهما غضبًا شديدًا حتى خيل” من التخييل، خيل إلي “أن أنفه يتمزع” أي: يتشقق ويتقطع، والمزعة: هي القطعة من الشيء. قاله الخطابي.

“فقال: ما هي” يعني: ما هي هذه الكلمة، والمراد دعاء أو عبارة؛ لأن الكلمة قد تطلق على الجملة من الكلام، كما هنا، ما هي؟ أي: قال معاذ: ما تلك الكلمة يا رسول الله؟ فقال: يقول هذا الذي غضب واشتد غضبه: “اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم”، قال: فجعل معاذ يأمرُه؛ يعني: يأمر الرجل الغضبان أن يقول ما أرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدعاء.  “فأبى ومحك” من باب علم ومنع؛ أي: لج في الخصومة ولم يستجب لما أرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما طلب منه معاذ رضي الله عنه.

وقال المنذري: أخرجه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: هذا حديث مرسل، رواه عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ، ولم يسمع ابن أبي ليلى معاذ بن جبل. مات معاذ في خلافة عمر بن الخطاب، وقتل عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن أبي ليلى غلام ابن ست سنين، معناه أنه لو كان موجودًا في خلافة عمر، ومعاذ موجودًا قبل موته فهو لن يكون مميزًا، فلم يسمع منه.

وما قاله الترمذي ظاهر جدًّا، يعني: ما قاله الترمذي من أن ابن ليلى لم يسمع من معاذ، البخاري أيضًا ذكر ما يدل على أن مولد عبد الرحمن بن أبي ليلى سنة سبع عشرة، وذكر غير واحد أن معاذ بن جبل توفي في الطاعون سنة ثماني عشرة، وقيل: سنة سبع عشرة؛ يعني كان عنده سنة أو أقل.

وقد أخرج النسائي هذا الحديث من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى هذا يكون متصلًا؛ يعني: عبد الرحمن بن أبي ليلى سمع أبي بن كعب، ولم يسمع من معاذ.

error: النص محمي !!