تحول اللهجة إلى لغة
وعن تحول اللهجة إلى لغة: فإن اللهجة لا يفصل بينها وبين اللغة الفصحى سوى بعض الصفات الصوتية، وقليل من التغيير في بعض التراكيب وفي بعض المعاني. هذه الصفات الصوتية لا تبعد اللهجة عن أخواتها، فأنت تقول مثلًا: قال، وغيرك يقول: “جال”، والبعض يقول: “آل” بلهجة القاهرة وكل هذه اللهجات لا تغير المعنى؛ عندما تستمع إلى “آل” كذا أو قال كذا أو جال كذا، الثلاثة بمعنى واحد، هذه هي الانحرافات الصوتيّة؛ إذن لا يفصل بين اللهجة وبين اللغة المشتركة الفصحى سوى بعض الصفات الصوتية.
يعني مثلًا: تفخيم، ترقيق، تحول صوت إلى صوت آخر، عندما نقول هنا في مصر: التفخيم والترقيق قبيلة تفخم وقبيلة ترقق، منطقة تفخم ومنطقة ترقق، منطقة تُميل ومنطقة لا تميل: عائشة أو فاطمة.
أيضًا هناك تغيير في بعض المعاني بين اللهجات العربية، وقليل من التغيير في بعض المعاني، عندنا في بعض المعاني في اللهجات مثلًا في السدفة: السدفة عند قيس بمعنى الضوء، والسدفة عند تميم بمعنى الظلمة، يقول شاعر تميم:
وأقطع الليل إذا ما أسدفا | * | …. …. …. …. |
أي: إذا ما أظلم، وقبيلة قيس تطلق السدفة على الضوء، هذا الضوء وهذه الظلمة بعض المعاني، إنما لو كثرت الاختلافات في المعاني؛ تنقسم اللغة إلى لهجات.
أيضًا هناك اختلاف بين اللهجات العربية في بعض التراكيب، مثلًا الاختلاف في الإعراب موجود أيضًا، ولكنه قليل في بعض المعاني.
أما الاختلافات الصوتية: فلو كثرت أيضًا فلا ضير على اللغة العربية من هذه الاختلافات الصوتية؛ لأن المعنى لا يختلف عندما ينطق السوري، وينطق المصري، وينطق العراقي المعنى واحد. صحيح أن هناك بعض الاختلافات الصوتية؛ ولكن المعنى لا يتغير.
إذن: لتحول اللهجة إلى لغة نقول: إن اللهجات العربية لا يفصل بينها وبين اللغة المشتركة الفصحى سوى بعض الصفات الصوتية، وقليل من التغيير في بعض التراكيب، وفي بعض المعاني. هذه التغييرات لا تغير المعاني، إنما إذا تغيرت المعاني وتغيرت التراكيب أصبحت اللهجة لغة؛ فعندنا مثلًا في شبه الجزيرة العربية، أو في اللغة السامية الأم، اللغة السامية الأم تفرع منها اللهجة الآرمية التي أصبحت فيما بعد اللغة الآرمية، ثم تفرعت اللغة الآرمية إلى اللهجة السريانية، وانفصلت السريانية وأصبحت اللغة السريانية، فإذن إذا انفصلت اللغة، أو إذا كثرت الاختلافات، وقلت الظواهر المشتركة بين المتكلمين بهذه اللغة، فتنفصل اللهجة وتصبح لغة، تنفصل عن أخواتها، ويصبح لها معاجمها الخاصة، ويصبح لها قواعد خاصة بهذه اللهجة، وتنشأ معاجم لهذه اللهجة، وتصبح لغة وتنفصل عن لهجاتها، وبالتالي يتعسر الاتصال بين المتكلمين بهذه اللهجة، وبين المتكلمين بأخواتها من اللهجات العربية الأخرى.
بعد ذلك إذا انفصلت اللهجة عن غيرها من اللهجات المتحدة معها في الانتماء للغة الأم؛ تعسر التفاهم بين أفراد اللغة الواحدة، وبيئة اللهجة، وأيضًا لأن اللهجة عبارة عن جزء من بيئة أوسع -يعني بيئة اللهجة عبارة عن جزء من بيئة أوسع وأشمل، تضم عدة لهجات- لكل لهجة خصائصها، فالعلاقة بين اللغة واللهجة هي علاقة العام والخاص؛ فالعام يعني اللغة التي تشتمل على أكثر من لهجة، والخاص يعنى اللهجة؛ لأن اللهجة جزء من اللغة، فاللغة تشمل أكثر من لهجة.
السمات والخصائص التي تتميز بها اللهجة تكاد تنحصر في الأصوات وطبيعتها وكيفية صدورها.
وتعريف اللهجة: هي عبارة عن مجموعة من الصفات الصوتية في بيئة معينة يتكلم بها أفرادها، أي: تمسك أفراد هذه البيئة. هناك بعض العلماء قال: اللهجة مجموعة من الصفات اللغوية في بيئة معينة يتمسك بها أفراد هذه البيئة، والذين قالوا بأن اللهجة مجموعة من الصفات الصوتية، عرَّفوا اللهجة باعتبار ما ينبغي أن تكون عليه، يعني اللهجة ينبغي ألا تتعدى الصفات الصوتية؛ لأن اللهجة لو تعدت الصفات الصوتية إلى التراكيب وإلى المعاني، وكثرت هذه الاختلافات الخاصة بالتراكيب؛ أصبح للهجة قواعدها الخاصة يعني قواعد الإعراب؛ وما دام الإعراب اختلف اختلفت اللهجة عن أختها، وأصبحت لغة.
وإذا كثرت الاختلافات من حيث الدلالة ومن حيث المعنى أيضًا يصبح للهجة معاجمها الخاصة بها، فانغلقت المعاني وتعسر التفاهم بين الأفراد الناطقين باللهجات المختلفة في اللغة الواحدة؛ تقول مثلًا: المعهد الثانوي بالثاء، وغيرك يقول: السانوي بالسين، أنت مثلًا تقول: قال، وغيرك يقول: “آل”، وغيرهما يقول: جال، المعنى لم يختلف، وهذه خلافات صوتية. وهذه الخلافات الصوتية لا تؤدي إلى أن تصبح اللهجة لغة، أما إذا كثرت الخلافات من حيث المعنى، ومن حيث التراكيب فهذا هو العيب الذي يؤدي إلى أن تصبح اللهجة لغة.
أما الذين عرَّفوا اللهجة: بأنها مجموعة من الصفات اللغوية في بيئةٍ معينة يتمسك بها أفراد هذه البيئة؛ فاللغة أربعة مستويات: مستوى صوتي، ومستوى صرفي، ومستوى نحوي، ومستوى دلالي، أما الخلافات الأخرى مثلًا في البنية، أو الخلافات مثلًا في النواحي التركيبية في النحو، في الإعراب، الانحرافات في المعنى ستؤدي إلى انغلاق المعنى؛ وأن تصبح اللهجة لغة، ويتعسر التفاهم بين أصحاب اللغة الواحدة.
ونحن نعرف اللهجة: بأنها مجموعة من الصفات الصوتية، وهذا تعريف باعتبار ما ينبغي أن تكون عليه اللهجة. واللهجة أيضًا مجموعة من الصفات اللغوية، وهذا باعتبار الواقع؛ لأنه في الخلافات بين اللهجات يوجد خلاف في المعنى، وخلاف في التراكيب، وخلاف أيضًا في الناحية الصرفية، موجود أيضًا خلافات من حيث الأصوات، ولو بحثنا من حيث الواقع؛ نجد أن هناك خلافات من حيث الأصوات ومن حيث الصرف.
من حيث الأصوات: فهناك خلافات صوتية من حيث البنية مثلًا: مدين ومديون بنية الكلمة ونسج الكلمة وحركاتها وسكناتها، فعل وأفعل؛ قبيلة تقول: فتن، وقبيلة تقول: أفتن، قبيلة تقول: حزن، وقبيلة تقول: أحزن؛ كل قبيلة لها لهجة خاصة بها، هذه هي الخلافات في البنية.
كما أن هناك خلافات من حيث المعنى؛ مثلًا السدفة، السدفة بمعنى الضوء وبمعنى الظلمة.
عندنا مثلًا كما قلنا قبل ذلك في المشترك اللفظي والتضاد والترادف؛ ترادف مثلًا كلمة البر والحنطة والقمح؛ القمح لهجة شامية، والبر حجازية، والحنطة كوفية، وكل منطقة لها لفظ خاص بها، وهذا خلاف من حيث الألفاظ، يعني كثرت الألفاظ والمعنى واحد، طبعًا هذه خلافات موجودة بين القبائل وبين المناطق العربية.
إذن إذا عرفنا اللهجة بأنها مجموعة من الظواهر أو الصفات اللغوية، يعني أنها تشمل الصفات اللغوية؛ تشمل الأصوات، وتشمل الصرف، وتشمل النحو، وتشمل الدلالة؛ هذا التعريف باعتبار الواقع فعلًا، فالذين يعرفون اللهجة بأنها مجموعة من الصفات اللغوية يعرفونها باعتبار ما هو واقع اللهجة.
أما الذين قالوا: مجموعة من الصفات الصوتية، فهذا تعريف للهجة باعتبار ما ينبغي أن تكون عليه اللهجة؛ لأن اللهجة لا ينبغي أن تتعدى الخلافات الصوتية إلى غيرها من الخلافات، أيضًا السمات والخصائص التي تتميز بها اللهجة تكاد تنحصر في الأصوات وطبيعتها وكيفية صدورها. وهي لا تنحصر في هذه الأصوات فقط، ولكن هناك خلافات في الدلالة، وهناك خلافات في التراكيب؛ والنحو والإعراب.
وهناك خلافات في الصرف؛ في بنية الكلمة ونسجها، إنما نقول: تكاد، أي: أنها قليلة في اللهجات العربية، إنما إذا كثرت الخلافات غير الخلافات الصوتية انفصلت اللهجة عن لغتها وأصبحت لغة؛ ولذلك لا خوف على اللغة من الخلافات الصوتية، تميم تقول في “أن”: “عن” كما قلنا التي تسمى: العنعنة، وهذيل تقول في “حتى”: “عتى”، تسمى: الفحفحة.
وعقيل تفتح الأصوات الحلقية إذا انفتح ما قبلها في الاسم، فتقول في جَهْرَة: جَهَرَة، وفي زَهْرة: زَهَرة. وهذيل تفتح الياء والواو في مثل بيْضات وجوْزات، يقولون: بيَضات وجوَزات، فهذه خلافات صوتية.
إذن السمات والخصائص التي تتميز بها اللهجة تكاد تنحصر في الأصوات وطبيعتها وكيفية صدورها.