Top
Image Alt

ترجمة الإمامين: مجد الدين ابن تيمية والشوكاني، ومنهج الشوكاني في كتابه

  /  ترجمة الإمامين: مجد الدين ابن تيمية والشوكاني، ومنهج الشوكاني في كتابه

ترجمة الإمامين: مجد الدين ابن تيمية والشوكاني، ومنهج الشوكاني في كتابه

الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيّبًا طاهرًا مباركًا فيه، وصلى الله تعالى وسلم على سيدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فكتاب الإمام الشوكاني: هو شرح لـ(منتقى الأخبار)، و(منتقى الأخبار) هو لمجد الدِّين ابن تيمية، جد أبي العباس أحمد ابن تيمية؛ وهو كتاب في أحاديث الأحكام، وسنقدّم تعريفًا له، ثم نقدِّم تعريفًا للإمام الشوكاني، صاحب كتاب: (نيل الأوطار).

أ. ترجمة موجزة لمجد الدِّين عبد السلام ابن تيمية:

نبدأ به باعتبار أنه أقدم: هو الشيخ الإمام العلامة، فقيه العصر، شيخ الحنابلة، مجْد الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن الخضر بن محمد بن علي الحرّاني ابن تيمية، ولد سنة “590هـ” تقريبًا. وتفقّه على عمّه فخر الدِّين الخطيب.

سار إلى بغداد، وهو لم يبلغ سنّ البلوغ- مع السيف ابن عمه، فسمع من أبي أحمد بن سُكينة، وابن طبرزد يوسف بن كامل، وعدّة… وسمع بحرّان من حنبل المكبّر، وعبد القادر حافظ، وتلا بالعشر على عبد الواحد بن سلطان. وحدّث عنه ولده شهاب الدِّين، والدمياطي، وأمين الدين بن شقير، وعبد الغني بن منصور المؤذِّن، ومحمد بن محمد الكَنجي، والشيخ محمد بن القزاز، والشيخ محمد بن زباطر، والشيخ محمد بن عبد المحسن الخراط، وعدّة… وتفقّه وبرع واشتغل، وصنّف التصانيف، وانتهت إليه الإمامة في الفقه. وكان يدري القراءات، وصنّف فيها أرجوزة. تلا عليه الشيخ القيرواني.

انبهر علماء بغداد به لذكائه وفضائله، والتمس منه أستاذ دار الخلافة محيي الدِّين ابن الجوزي الإقامة عندهم، فتعلّل بالأهل والوطن.

قال الشيخ تقيّ الدِّين: “كان جدّنا عجبًا في سرْد المتون، وحفظ مذاهب الناس وإيرادها بلا كُلفة”.

وقد أقام ببغداد ستّ سنوات مكبًّا على الاشتغال، ورجع. ثم ارتحل إلى بغداد قبل العشرين وستمائة، فتزيّد من العلْم، وصنّف التصانيف، مع الدِّين والتقوى، وحسن الاتّباع، وجلالة العلْم. توفي  بحرّان يوم الفطر سنة “652هـ”.

هذا هو المجد ابن تيمية صاحب كتاب: (المنتقى).

ب.  ترجمة موجزة للإمام محمد بن علي الشّوكاني: 

أمّا الشوكاني صاحب (نيل الأوطار) الذي شرح فيه (المنتقى) فهو: الإمام محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني، ثم الصنعاني.

ولد الشوكاني في يوم الاثنين الثامن والعشرين من شهر ذي القعدة من عام “1172هـ”، وكان مولده بهجرة شوكان.

وكانت نشأته في صنعاء، حيث تربّى في حِجر والده، الذي عوّده على الطهارة والعفاف. وتفرّغ لطلب العلْم من دراسته لكتب العلماء ومصنَّفات الفقهاء.

سمع الشوكاني من العلماء في عصره، فبدأ كعادة طلّاب العلْم بحفظ القرآن الكريم، وقرأه على جماعة مِن مُعلِّمي القرآن، وكان ختامه القرآن على الفقيه حسن بن عبد الله. ثم انتقل إلى تجويد القرآن الكريم على مجموعة مِن معلِّمي ومشايخ القرآن بصنعاء. ثم اتّجه إلى المتون لِحفظها.

 وكان أول أستاذٍ له هو والده، وقد قرأ عليه بعض الكتب. وإبّان قراءته لكتب الفروع على والده وغيره، كان قد شرع في قراءة النحو. وقرأ المنطق على بعض الشيوخ، وكذلك قرأ كتب البلاغة، وكتب التفسير، حتى صار مبرزًا في كثير من العلوم، وخاصّة في علْم التفسير الذي ألّف فيه كتابه المشهور: (فتح القدير)، والفقه الذي ألّف فيه: (السّيْل الجرّار) وغيره…، والحديث الذي ألّف فيه هذا الكتاب الذي نتناول بعض كُتبه بالدراسة. وله مؤلفات كثيرة.

وأخذ الشوكاني الفقه على مذهب الإمام زيد، حتى صار بارعًا فيه، ومؤلِّفًا فيه حتى صار قُدوة. وطلب الحديث وتفوّق فيه على أقرانه وبعض علماء زمانه، ووصل إلى درجة الاجتهاد.

ومِن مؤلَّفاته التي أقامت عليه أهل عصره وزمانه: كتاب (السيل الجرار المتدفّق على حدائق الأزهار). وقد تكلّم فيه على عيون المسائل، وبيّن ما هو صحيح بالدليل، وأظهر زيف ما ليس عليه دليل؛ ولذلك قام أهل عصره مِن المقلِّدين الجامدين، الذين لم يرضَوْا عن اجتهاداته، ودخل معهم في صولات وجولات من النقاش؛ ولذلك ألّف (شرح الأزهار في فقه آل البيت المختار)، نقد فيه بشدّة التقليد الجامد، ودعا إلى الأخذ بالدليل، وطرح ما لمْ يَقم عليه دليل؛ حيث كان يرى تحريم التقليد، كما يتّضح ذلك من رسالته: (القول المفيد في حُكم التقليد).

وقد ثار عليه أعداؤه، واتّهموه بالدعوة إلى هدم مذهب أهل البيت، ولكنّه كان مِن هذه التهمة براء، لأنه كان دائم الحديث عن مناقب أهل البيت، ووضح ذلك مِن مؤلَّفه: (درُّ السّحاب) في محاسن أهل البيت، ومناقبهم، والانتصار لهم. وله مؤلّفات عدّة لن نستطيع في هذه العجالة أن نتعرّض لها، وهي مؤلَّفات مشهورة بين العلماء، يعرفونها.

وبعد حياة حافلة في طلب العلْم وتلقِّيه على أعلام الفقهاء، وكثرة التأليف في كلّ فن وعلْم، ومساجلات ومناظرات مع مفكِّري مذهبه في الاجتهاد، توفي  في ليلة الأربعاء السابع والعشرين من شهر جُمادى الآخرة، في عام “1250” من هجرة رسول الله صلى الله عليه  وسلم. وقد ذكرنا أنه ولد في سنة “1172”، أي: عاش تقريبًا78 عامًا.

جـ. منهج الشّوكاني في الكتاب، ودوافعه إلى تأليفه:

 يقول الإمام الشوكاني في مقدّمة كتاب (نيل الأوطار): “فإنه لمّا كان الكتاب الموسوم بـ(المنتقى مِن الأخبار) في الأحكام، ممّا لم يُنسج على بديع منواله، ولا حضّر على شكله ومثاله أحدٌ من الأئمة الأعلام، قد جمع مِن السُّنّة المطهَّرة ما لم يجتمع في غيره من الأسفار، وبلَغ إلى غاية في الإحاطة بأحاديث الأحكام تتقاصرُ عنه الدفاتر الكبار، وشمِل من دلائل المسائل جملة نافعة تفنى دون النظر ببعضها طوال الأعمار، وصار مرجعًا لجلّة العلماء عند الحاجة إلى طلب الدليل، لا سيما في هذه الديار وهذه الأعصار؛ فإنها تزاحمت على مورده العذب أنظارُ المجتهدين، وتسابقت على الدخول في أبوابه أقدامُ الباحثين من المحقِّقين، وغدا ملجأ للنُّظّار يأوون إليه، ومفزعًا للهاربين من ربْق التقليد يُعوِّلون عليه، وكان كثيرًا ما يتردّد الناظرون في صحة بعض دلائله، ويتشكّك الباحثون في الراجح والمرجوح عند تعارض بعض مستندات مسائله”.

وقال الشوكاني بعد أن بيّن أهمية كتاب: (المنتقى)، في عبارات رائقة قرأناها، قال: “حمَل حسْنُ الظّنِّ بي جماعةً من حمَلة العلْم بعضهم من مشايخي، على أن التمسوا منِّي القيام بشرح هذا الكتاب، وحسّنوا لي السلوك في هذه المسالك الضّيِّقة؛ ولمّا لم ينفعني الإكثار من هذه الأعذار، ولا خلّصني من ذلك المطلب ما قدّمتُه من الموانع الكبار، صمّمت على الشروع في هذا المقصد المحمود، وطمعت أن يكون قد أتيح لي أنّي مِن خدَم السُّنّة المطهَّرة معدود”.

ثم بيّن منهجه في هذا الكتاب، فقال: “وقد سلكتُ في هذا الشرح وطول المشروح مسلكَ الاختصار، وجرّدتُه عن كثير من التعريفات والمباحثات التي تفضي إلى الإكثار، لا سيما في المقامات التي يقلّ فيها الاختلاف، ويكثر بين أئمة المسلمين في مثْلها الائتلاف. وأمّا في مواطن الجدال والخصام، فقد أخذتُ فيها بنصيب مِن إطالة ذيول الكلام، لأنها معارك تبين عندها مقادير الفحول، ومفاوز لا يقطع شعابَها إلا نحارير الأصول، ومقامات تنكسر فيها النِّصال، ومواطن تُلجم عندها أفواه الأبطال بأحجار الجدال”.

ثم قال: “وقد قُمتُ- ولله الحمد- في هذه المقامات مقامًا لا يعرفه إلّا المتأهِّلون، ولا يقف على مقدار كُنهه مِن حمَلة العلم إلّا المُبرَّزون”.

ثم قال: “وقد اقتصرت في ما عدا هذه المقامات الموصوفات على بيان حال الحديث، وتفسير غريبه، وما يُستفاد منه بكلّ الدّلالات، وضممتُ إلى ذلك في غالب الحالات الإشارةَ إلى بقية الأحاديث الواردة في الباب، ممّا لم يُذكر في الكتاب، لعلمي بأنّ هذه من أعظم الفوائد التي يرغب في مثلها أرباب الألباب من الطلاب.

ولم أطوّل ذيل هذا الشرح بذِكْر تراجم رواة الأخبار، لأنّ ذلك مع كونه علْمًا آخَر، يمكن الوقوف عليه في مختصَر من كتب الفنّ من المختصَرات الصغار.

وقد أُشيرُ في النادر إلى ضبط اسم راوٍ، أو بيان حاله على طريق التنبيه، لا سيما في المواطن التي هي مظِنّة تحريف أو تصحيف لا ينجو منه غير النبي. وجعلت ما كان للمصنِّف من الكلام على فقه الأحاديث، وما يستطرده من الأدلة في غضونه، من جملة الشرح في الغالب ونسبت ذلك إليه، وتعقبّت ما ينبغي تعقّبه عليه، وتكلّمت على ما لا يحسن السكوت عليه ممّا لا يستغني عنه الطالب؛ كلّ ذلك لمحبّة رعاية الاختصار، وكراهة الإملال بالتطويل والإكثار، وتقاعد الرغبات وقصور الهمم عن المطوّلات. وسمّيت هذا الشرح، لرعاية التفاؤل الذي كان يعجب المختار: (نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار). والله المسئول أن ينفعني به، ومن رام الانتفاع به من إخواني، وأن يجعله من الأعمال التي لا ينقطع عني نفعُها بعد أن أُدرَج في أكفاني”.

د. مقدّمة كتاب: (المنتقى)، الذي شرحه (نيل الأوطار):

قال الإمام مجد الدين بن تيمية: “الحمد لله الذي لم يتّخذ ولدًا، ولم يكن له شريك في الملك، وخلَق كل شيء فقدّره تقديرًا. وصلى الله على محمد النبي الأمِّيِّ النبي المرسل كافة للناس بشيرًا ونذيرًا، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا.

هذا كتاب يشتمل على جملة من الأحاديث النبوية التي ترجع أصولُ الأحكام إليها، ويعتمد علماء أهل الإسلام عليها؛ انتقيتها من صحيحَيِ البخاري ومسلم، ومسند الإمام أحمد بن حنبل، وجامع أبي عيسى الترمذي، وكتاب السّنن لأبي عبد الرحمن النسائي، وكتاب السّنن لأبي داود السّجستاني، وكتاب السّنن لابن ماجه القزويني. واستغنيت بالعزْو إلى هذه المسانيد عن الإطالة بذكر الأسانيد”.

ثم بيّن الرموز والعلامات التي يذْكرها في الكتاب عقب الأحاديث:

قال: “والعلاَمة لِما رواه البخاري ومسلم: “أخرجاه”. ولِبقيّتهم: “رواه الخمسة” -أي: أصحاب السّنن الأربع والإمام أحمد. ولَهم -سبْعتهم: الكتب السِّتّة ومسند الإمام أحمد.: “رواه الجماعة”. ولأحمد مع البخاري ومسلم: “متّفق عليه”. وفيما سوى ذلك، أسمِّي مَن رواه منهم. ولم أَخرُج فيما عزوْته عن كتبهم إلّا في مواضع يسيرة، وذكرتُ في ظلِّ ذلك شيئًا يسيرًا من آثار الصحابة رضي الله  عنهم”.

ثم قال مجد الدِّين بن تيمية: “ورتّبتُ الأحاديث في هذا الكتاب على ترتيب فقهاء أهل زماننا لتسْهل على مُبتغيها. وترجمتُ لها أبوابًا ببعض ما دلّت عليه من الفوائد. ونسأل الله أن يوفِّقنا للصواب، ويعصمنا من كل خطأ وزلل؛ إنه جواد كريم”.

وبعد هذه المقدّمات، ننتقل إلى الأحاديث، فنقف معها ونقف مع الإمام مجد الدِّين ابن تيمية، ومع الإمام الشوكاني في شرحه لهذه الأحاديث.

error: النص محمي !!