ترجمة خليفة بن خياط، ومنهجه في كتابه، والمقارنة بينه وبين ابن سعد
الإمام الحافظ العلامة الإخباري: خليفة بن خياط بن خليفة بن خياط، أبو عمرو العصفري، ويلقب بشباب، صاحب (التاريخ والطبقات).
ومن شيوخه: أبوه، ويزيد بن زريع، وزياد بن عبد الله البكائي، وسفيان بن عيينة، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى غندر، وغيرهم.
وحدّث عنه البخاري في صحيحه، وحدّث عنه بقي بن مخلد، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وموسى بن زكريا التستري، وغيرهم.
من تخصصاته: أنه عالم نسابة، وعالم بالسير؛ بالأيام والرجال.
توفي سنة 240، وهو من أبناء الثمانين، ولد سنة 160 أو نحوها.
قال الحافظ عنه في (التقريب): صدوق، ربما أخطأ، وكان إخباريًّا علامة.
وقال الذهبي في (السير): وثقه بعضهم، وقد روى له البخاري رحمه الله، ووضح الحافظ -رحمه الله- في (هدي الساري) رواية البخاري عنه فقال: وجميع ما أخرجه له البخاري أن قرنه بغيره قال: حدثنا خليفة، وذلك في ثلاثة أحاديث.
ومعنى: أنه “قرنه بغيره” أي: حين يفرده يأتي بالرواية تعليقًا؛ ليبين أنها ليست على شرطه، كما قد يفهم من صنيعه.
يقول ابن حجر رحمه الله تعالى: ومع ذلك فليس فيها شيء من أفراده، إنما ورد من عدة طرق أخرى، مما جعل البخاري يطمئن إلى صحة الحديث فقبله من رواية خليفة، بعد أن اطمأن إلى صحته رحمه الله تعالى.
منهج خليفة -رحمه الله- في (الطبقات):
جعل خليفة الصحابة كلهم طبقة واحدة، ولم يراعِ خليفة فيه أي شروط أخرى، مثل السابقة للإسلام أو الاشتراك في الغزوات، ونحو ذلك.
وبنى خليفة -رحمه الله- طبقاته على محور المكان، فذكر من قام بالمدينة، وتسمية من نزل بالكوفة، ومن نزل بالبصرة.
وقد استغرقت المدينة ثلث كتابه تقريبًا، ولا غرابة في ذلك؛ لأن المدينة لها اعتبارها الأول عند العلماء، وقد نصوا على ذلك في معظم مؤلفاتهم.
وذكر الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وقسمهم إلى طبقات، والعدد عنده يختلف من طبقة لأخرى، بل هناك بعض المدن التي لم يذكر فيها أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ مثل: همدان، وقم، والأنبار، وأيلة، والأندلس.
بينما أضاف مراكز أخرى لم يذكرها ابن سعد.
فابن سعد ذكر مدنًا لم يذكرها خليفة، وخليفة ذكر مدنًا أو مراكز لم يذكرها ابن سعد، فذكر الموصل، وذكر المغرب وتوسع فيها.
وعند ذكر النساء: ذكر خليفة الصحابيات فقط، بينما ابن سعد ذكر الصحابيات وغيرهن. رتب خليفة النساء على أنسابهن، ونستطيع أن نلحظ هذا، وابن سعد رتب النساء على قرابتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيضًا ذكر خليفة الصحابة من أهل المدينة وفرق بينهم وبين تابعي أهل المدينة، وفي المناطق الأخرى لم يفصل بين الصحابة والتابعين إلّا من حيث الطبقة فقط.
اعتبر خليفة أيضًا المكانة العلمية في ترتيب المدن، فبدأ بالمدينة؛ وكان ترتيب المدن عنده بناء على المكانة العلمية للبلد.
رتب خليفة رواة كل بلدة على النسب، وجعله الأساس الأول في ترتيبه للرواة، ولم يضف إليه السابقة إلى الإسلام، أو تقدم سنة الوفاة، أو التفاضل بين الصحابة، وكذلك سار على نفس النسق مع التابعين، ولم يتجاوز ذلك بالنسبة للتابعين إلّا في موضع واحد فقط، عند ذكره للطبقة الثانية من أهل المدينة، فقد قدّم أبناء المهاجرين على غيرهم، فراعى السابقة إلى الإسلام، ثم عاد بعد ذلك إلى الترتيب على وفق النسب.
من معالم منهج خليفة في ذكر المعلومات: أنه يقتصر في تراجمه على ذكر نسب الرجل لأبيه وأمه، ويرجع إلى ما قبل الإسلام بهذا النسب، ولذلك يعتبر من الكتب التي يعتمد عليها العلماء في الأنساب، لكنه يتوقف عند الأب والأم فقط، ولا يسير مع الزوجات، ومع أولادهم… إلى آخره، كما فعل ابن سعد.
أيضًا يقدم خليفة معلومات دقيقة عن خطط البصرة، عند تحديد لموضع دار الرجل منها، فتكلم عن خططها وشوارعها، لكنه لم يفعل ذلك مع بقية المدن.
ويذكر سنوات الوفيات، ويعتبر من المصادر التي اعتمد عليها العلماء في ذلك، وأيضًا نجد نقولًا عنه كثيرة، وأحيانًا يذكر من صلى على الرجل حين وفاته إن كان من ذوي المكانة والشرف.
وبالنسبة للصحابي يذكر له حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا منهج له أهمية في التعريف بالصحابي، يثبت أنه تلقى مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم.
يذكر أيضًا الوظائف الإدارية التي شغلها بعض المترجَمين، لكنه اقتصر على وظائف الولاية والقضاء، وهذا أيضًا فعله ابن سعد باتساع. ولم يهتم بذكر الشيوخ والتلاميذ إلّا نادرًا، وهذا أيضًا- مما يفترق به عن ابن سعد. ولا يذكر صفات الرواة الجسمية والخُلقية، والأحداث التي مرت بهم، كما كان يفعل ابن سعد. كذلك لا يحكم على الرواة بجرح أو تعديل، وهذا مما فرق بينه أيضًا وبين ابن سعد.
ونستطيع أن نقول: إن الأسس الثلاثة لكتابه التي نظم عليها مادة الكتاب: التنظيم على النسب والطبقات، فالمعيار الأول هو النسب، ثم المدن.
ومن خلال ذكرنا لمنهج خليفة قارنا أيضًا بينه وبين ابن سعد رحمهما الله تعالى.
ونذكر أنموذجا من طبقات خليفة؛ يقول: حدثنا هشام بن محمد، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى معد بن عدنان يقول: كذب النسابون، قال الله تعالى: {وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} [الفرقان: 38]”.
فبدأ كتابه بذكر نسب النبي صلى الله عليه وسلم مختصرًا، ثم دخل على المدينة فقال: ” وكان من حُفظ عنه الحديث من أصحابهصلى الله عليه وسلم ممن أقام بالمدينة, ومن شخص عنها من قريش، ثم من بني هاشم بن عبد مناف: العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.
والفضل وعبد الله بن العباس، أمهما أم الفضل، واسمها: لبابة الصغرى بنت الحارث بن حزن… إلى آخره. فيلاحظ أن الترتيب عنده على النسب، وتراجمه مختصرة جدًّا، وتراجم ابن سعد أوسع منها بكثير.