Top
Image Alt

ترجمة لحياة عمر رضي الله عنه ومواصلة الفتوحات في العراق وفارس والشام

  /  ترجمة لحياة عمر رضي الله عنه ومواصلة الفتوحات في العراق وفارس والشام

ترجمة لحياة عمر رضي الله عنه ومواصلة الفتوحات في العراق وفارس والشام

. ترجمة لحياة عمر بن الخطاب رضي الله  عنه:

أ. الاسم واللقب:

عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن كعب بن لؤي القرشي الملقب بالفاروق، يلتقي برسول الله صلى الله عليه  وسلم في الجد السابع.

ب. المولد والنشأة:

كان مولده بمكة بعد مولد النبي صلى الله عليه  وسلم بثلاث عشرة سنة، ونشأ في بيتٍ اشتُهِر بالسيادة والشرف والصدق والأمانة وقول الحق، وكان رضي الله  عنه يحب الجد من الأمور ويكره الهزل، ويأبى الدنايا.

ج. صفاته الشكلية:

عن عبد الله بن عمر قال: “كان عمر أبيض تعلوه حمرة، طويلًا، أصلع، أشيب، وكان يسرع في مشيته ويثبت على فرسه؛ فكأنما خلق على ظهره”، هذه بعض صفاته الشكلية.

د. مكانته في الجاهلية:

تقول المصادر: أنه نظرًا لعلو مكانته في الجاهلية أسندت وظيفة السفارة؛ فكان سفيرًا لقريش في الجاهلية إذا وقعت بينها وبين غيرها من القبائل حرب أو منافرة أو مفاخرة.

هـ. موقفة من الإسلام:

لم يكن الفاروق ممن أسرعوا في الدخول في الإسلام، بل كان في أول أمره حربًا على الإسلام والمسلمين؛ كما كان شديدًا عليهم عنيفًا عليهم. ولما أراد الله -تبارك وتعالى- هدايته؛ شرح صدره للإسلام، كان هذا في السنة السادسة للبعثة النبوية.

و. قصة إسلامه:

قصة إسلام عمر في كتب السيرة معروفة ومتداولة وشهيرة وليست خفية على أحد؛ فبعد لقائه بأخته وزوج أخته، وسماعه للقرآن عندهما وقد شرح الله صدره للإسلام، توجه إلى رسول الله صلى الله عليه  وسلم في بيت الأرقم، وأعلن هناك إسلامه؛ حتى لما وصل إلى بيت الأرقم تخوف الصحابة؛ ولكن الرسول صلى الله عليه  وسلم خرج له وأمسكه من جلبابه، ونهره الرسول صلى الله عليه  وسلم نهرًا شديدًا؛ ولكنه فوجئ بأن عمر إنما جاء ليعلن إسلامه؛ ففرح رسول الله صلى الله عليه  وسلم بذلك فرحًا شديدًا، وكان ذلك فتحًا ونصرًا كبيرًا للإسلام والدعوة الإسلامية؛ كما كان حدثًا عظيمًا اهتزت له قلوب الكفر والكافرين هلعًا وفزعًا وحزنًا على مستقبل موقفهم من الدعوة الإسلامية؛ بل إن إسلام الفاروق عمر روع أئمة الكفر وصدع جبهة الشرك والمشركين.

بهذه الصورة نكون قد لفتنا الأنظار إلى أثر إسلام عمر، سواء على الجبهة المسلمة -جبهة المسلمين- أو الجبهة الكافرة المشركة -وهي جبهة الوثنيين الذين كانوا يعادون رسول الله صلى الله عليه  وسلم والإسلام والمسلمين من القرشيين في مكة.

ز. صحبته وهجرته:

حقيقةً: الفاروق كانت له صحبة عظيمة مع رسول الله صلى الله عليه  وسلم، سواء قبل الهجرة أو بعد الهجرة؛ حيث صحب رسول الله صلى الله عليه  وسلم فأحسن صحبته، وبذل في سبيل هذا في سبيل نصرة رسول الله، صلى الله عليه  وسلم أعز ما يملك، ووقف حياته في سبيل إعزاز الدين ورفعة شأنه.

أما بالنسبة لهجرته؛ فقد كانت هجرة الفاروق نصرًا مؤزرًا؛ فهو الوحيد من المهاجرين الذي خرج من مكة علانية؛ حيث كان يخرج غيره من المسلمين خفية -يتسللون خفية- خوفًا من إيذاء المشركين.

ولكنه صدع بكل صوته في مكة: أنه سيخرج للهجرة ومن أراد أن تثكله زوجته وتعدمه أمه؛ فليقابله خلف هذا الوادي. -يعني: يقاتله… هو مستعد للقتال- فما استطاع أحد من جبهة الشرك والكفر أن يقترب منه أو أن يتطاول عليه.

كان رضي الله  عنه في المدينة مع رسول الله صلى الله عليه  وسلم، كما كان في مكة- حربًا على المخالفين من المنافقين واليهود، ومراقبًا لحركاتهم، فإذا رأى أو ظهر من أحدهم سوء نية أو خروج على حد الأدب -خاصة مع رسول الله، صلى الله عليه  وسلم عنّفه وأغلظ له القول وألقى عليه درسًا في الآداب الاجتماعية.

ح. هيبته:

من مكانة عمر أن رسول الله صلى الله عليه  وسلم تزوج بابنته السيدة حفصة، وحقيقة ظل الفاروق موضع تقدير الرسول صلى الله عليه  وسلم وجميع المسلمين، وكانت هيبة الفاروق تملأ جميع القلوب.

مما يؤكد على ذلك: ما رواه سعد بن أبي وقاص؛ حيث قال: دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه  وسلم وعنده نساء من قريش يكلمنه وكانت أصوات هؤلاء النسوة عالية؛ فعندما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب؛ فأذن له رسول الله صلى الله عليه  وسلم ورسول الله يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنك، يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: ((عجبتُ من هؤلاء اللائي كن عندي لما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب))، فقال عمر: فأنت -يا رسول الله- أحق أن يهبن. ثم قال عمر: أي عدوات أنفسهن، أتهبنني ولا تهبن رسول الله؟! قلن: نعم. قالوا: أنت غليظ وشديد -فيك غلظة وشدة- قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: ((والذي نفسي بيده، ما لقيك الشيطان قط سالكًا فجًّا إلا سلك فجًّا غير فجك)).

ط. موافقة القرآن له:

وكان كثيرًا ما يشير إلى الرسول صلى الله عليه  وسلم بالرأي؛ فينزل القرآن الكريم موافقًا لما أشار به، وهذا هو ما عرف عنه بالإلهام… من إلهامات الفاروق أمور كثيرة جدًّا: تحريم الخمر، وحجاب النساء… أشياء كثيرة كان الفاروق له رأي فيها، ويقترحها على رسول الله صلى الله عليه  وسلم، ويفاجأ رسول الله صلى الله عليه  وسلم بأن الوحي قد نزل مصدقًا لهذا التوجه الذي رآه الفاروق رضي الله  عنه.

يروى عن مسلم، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه  وسلم أنه كان يقول: ((قد يكون في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي منهم أحد؛ فإن عمر بن الخطاب منهم))، ومعنى ((محدثون)): ملهمون.

ي. مكانة الفاروق:

كانت مكانة الفاروق عظيمة: روي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: ((إن الله تعالى باهى بأهل عرفة عامة، وباهى بعمر خاصة))، وقال علي رضي الله  عنه وكان بالكوفة على منبر الكوفة في ملأ من الناس، عندما كان علي خليفة المسلمين-: “خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وخيرها بعد أبي بكر: عمر”. هذه هي مكانة عمر حتى في نفس علي رضي الله  عنه وهذا يكون دليلًا لمن يذهب مذاهب شتى في الشيخين العظيمين أبي بكر وعمر… لعل من يذهب هذه المذاهب يتعظ ويتذكر ويتدبر.

هذا بالإضافة إلى ما قاله ابن مسعود رضي الله  عنه: “إن عمر كان أعلمنا بكتاب الله تعالى، وأفقهنا في دين الله”. وفي رواية عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: ((لو كان نبي بعدي لكان عمر)) .

2. مواصله الفتوحات في العراق وفارس والشام:

حدثت مجموعة من التطورات الخطيرة والمهمة في بداية عصر الفاروق عمر بن الخطاب، حدث تغير كبير جدًّا في تلك المرحلة في منطقة العراق بالأخص؛ حيث إن أهل الذمة في العراق نقضوا عهودهم، وأخرجوا العمال، ونبذوا المواثيق، وآذوا المسلمين، ورفضوا دفع الجزية والخراج وخلافه، ومعنى ذلك: أنه حدث تغير كبير جدًّا في هذه المناطق في تلك المرحلة.

كذلك انتظم شمل الفرس في تلك المرحلة، واجتمع أمرهم على يزدجرد، وأقاموه من بيت الملك، وقد تأثر الفاروق عمر بهذه التطورات، وبناء على ذلك أخذ قرارًا مهمًّا، ألا وهو: أن يخرج بنفسه للعراق وللفرس، وأن يجعل على المدينة واليًا ينيب عنه، وكان هذا الوالي هو علي بن أبي طالب، ولاه على المدينة، وتحرك هو بغرض الذهاب إلى العراق، وكان معه في هذا التحرك سادات الصحابة وقيادات المسلمين في المدينة في تلك المرحلة.

نزل على ماء يقال له: “سرار” وعسكر هناك عازمًا على غزو العراق، واستصحب معه عثمان بن عفان وقممًا من قمم الصحابة؛ ولكنه عقد مجلسًا استشاريًّا عرض فيه وجهة نظرة، واستدعى كبار أهل الحل والعقد، حتى إنه استدعي عليًّا رضي الله  عنه من المدينة لحضور هذا الاجتماع وحضور هذا المجلس، وأخذ القرارات الصائبة التي تكون في مصلحة المسلمين والإسلام، وعرض على جماعة المسلمين ما عزم عليه… استشارهم.

فكلهم وافقوه على الذهاب إلى العراق إلا عبد الرحمن بن عوف، فأنه قال له: إني أخشى إن كسرت أن يضعف المسلمون في سائر أقطار الأرض، وإني أرى أن تبعث رجلًا وترجع أنت إلى المدينة، فوافق عمر على هذا الرأي والناس، واستصوبوا رأي ابن عوف، فقال عمر: فمن ترى أن نبعث إلى العراق؟ فقال: قد وجدته. قالوا: ومن هو؟ قال: الأسد في عرينه، ويقصد بذلك سيدنا سعدًا، وهو خال رسول الله صلى الله عليه  وسلم.

وبالفعل أرسل عمر واستدعى سعدًا، وأوصاه ونبهه إلى هذه النقطة، قال له: “لا يغرنك من الله أن قيل: خال رسول الله صلى الله عليه  وسلم وصاحبه، فإن الله لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن يمحو السيئ بالحسن، وإن الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا بطاعته”. وكانت هذه الوصايا من أعظم ما وصى به الفاروق سعدَ بن أبي وقاص.

وحقيقة تحرك عمر رضي الله  عنه بعد وداع الجيش ووصاية الجيش، وعاد عمر مرة أخرى إلى المدينة بعد هذه التطورات المهمة، وبهذه الصورة صار سعد هو قائد جيوش المسلمين في العراق، واقترب سعد من العراق وكاد أن يصل إلى المثنى بن حارثة؛ ولكن المثنى توفي وهو متأثر بجراحه؛ لأن المعروف أن المثنى كان قد أصيب إصابات بالغة يوم الجسر.

طبعًا التواريخ التي نذكرها هناك خلاف كبير -فيما بينها- بين المؤرخين، وخاصة تواريخ الفتوحات، وأحداث الفتح، أو الصلح، والبلدان، والقرى التي فتحت سواء صلحًا أو عنوة متى تم هذا، هذا الأمر فيه خلاف كبير بين مختلف المؤرخين… ما يذكره ابن كثير سنجده يختلف عن ما يذكره ابن الأثير، يختلف عن ما يذكره الطبري يختلف عن ما يذكره الواقدي… وهكذا، هناك خلاف كبير بين المؤرخين حول السنين، ومتى تمت هذه الأحداث؛ فيجب أن ننتبه لهذا الأمر.

بدأ سعد في تنظيم الجيش، وبالفعل بدأ ينظم الجيش بالطريقة التي وصى بها الفاروق رضي الله  عنه قال عمر: “والله لأرمين ملوك العجم بملوك العرب”، وكتب إلى سعد أن يجعل الأمراء على القبائل، والعرفاء على كل عشرة عريف، وأن يواعدهم إلى القادسية؛ ففعل ذلك سعد عرف العرفاء، وأمَّر على القبائل، وولى على الطلائع والمقدمات والمجنبات والساقات والرجالة والركبان، كما وصى وأمر أمير المؤمنين عمر رضي الله  عنه.

كذلك كان في رسالة الفاروق عمر، التي وجهها إلى سعد كيفية تواجد الجيش ومكان تواجد الجيش سواء في حال النصر أو الهزيمة؛ حيث قال لسعد: “واعمل على أن يكون -جيشك- بين الحجر والمدر، وأن يأخذ الطرق والمسالك على فارس، وأن يبدءوهم بالضرب والشدة، ولا يهولنك كثرة عددهم وعدتهم؛ فإنهم قوم خدعة، وإن أنتم صبرتم وأحسنتم؛ رجوت أن تنصروا عليهم، ثم لم يجتمع لهم شمل أبدًا، إلا أن يجتمعوا وليست معهم قلوبهم، وإن كانت الأخرى -يعني: إن مُنِيَ المسلمون بالهزيمة- فارجعوا إلى ما ورائكم حتى تصلوا إلى الحجر -بدايات الجزيرة العربية- فإنكم عليه أجرأ -هذه منطقتكم وبلادكم- وإنهم عنه أجبن وبه أجهل -لا يعرفون هذه المناطق ولن يتمكنوا من دخول الجزيرة العربية-؛ حتى يأتي الله بالفتح عليكم ويرد لكم الكرة عليهم”.

هكذا وصى الفاروق سعد بن أبي وقاص، وهكذا وضع له خطته العسكرية، وتنظيم جيشه، ومكان تواجد الجيش سواء في حال النصر أو الهزيمة.

وحقيقة، فقد طلب عمر من سعد أن يرسل رسائل غاية في التفصيل؛ حتى يصير الفاروق كأنه يرى الجيش، وبالفعل نفذ سعد كل هذه الوصايا، وكانت هناك مقابلة مع بعض قوات الفرس في منطقة تسمى العُذيب، في هذه المنطقة كتب الله النصر للمسلمين، ومن ثم سادت روح التفاؤل بين المسلمين؛ نظرًا لهذا النصر الذي حققه المسلمون في بدايات هذه اللقاءات مع قوات الفرس في العراق.

error: النص محمي !!