Top
Image Alt

ترجمة للإمام الطبراني، وتعريف بكتابه (المعجم الكبير)

  /  ترجمة للإمام الطبراني، وتعريف بكتابه (المعجم الكبير)

ترجمة للإمام الطبراني، وتعريف بكتابه (المعجم الكبير)

المؤلف هو أبو القاسم الطبراني المتوفى سنة 360 هجرية. وسنترجم له إن شاء الله بعد ما نتحدث عن منهجه في كتابه أي: في معجمه.

أ. منهج الطبراني في معجمه الكبير:

هذا الكتاب مرتب على مسانيد الصحابة مرتبين على حروف المعجم ما عدا مسند سيدنا أبا هريرة رضي الله  عنه فإنه أفرده في مصنف خاص لكبره وعدد أسانيد المعجم الكبير تقترب من ستين ألف حديث يقول ابن دحية عن هذا المعجم هو أكبر معاجم الدنيا وإذا أطلقت كلمة معجم فيراد المعجم الكبير أما إذا أريد المعجم الأوسط أو الصغير فلا بد من التقييد فيقال: (المعجم الأوسط) للطبراني، و(المعجم الأوسط) للطبراني رتب الإمام الطبراني معجمه هذا حسب حروف المعجم، ولكن ليس ترتيبه بناء على الترتيب المعجمي لأسماء الصحابة بمروياتهم، وإنما رتبه ترتيبًا معجميًّا بناء على أسماء شيوخه، وعدد شيوخ الإمام الطبراني المرتبين على حروف المعجم في معجمه الأوسط وصل عددهم إلى ألفي رجل تقريبًا، وهذا المعجم به كم كبير من الأحاديث النبوية وصل عددها إلى ثلاثين ألف حديث.

أما (المعجم الصغير) للطبراني فهو يذكر فيه حديثًا واحدًا لشيخ من شيوخه ورتب شيوخه على حروف المعجم.

وهذه المعاجم إنما تمثل طريقة البحث عن الحديث أو تخريج الحديث بطريقة معرفة الراوي الأعلى، فإذا عرف الراوي الأعلى أي الصحابي أو غيره الذي روى الحديث يُبحث في الطبراني في باب مرويات فلان، حتى نصل إلى هذا الراوي، ثم نقرأ أحاديثه فنصل إلى الحديث إذا كان رواه الإمام الطبراني في معجمه.

وإليكم ترجمة للإمام الطبراني:

أولًا الإمام الطبراني له -كما قلت- (المعجم الكبير) المعجم الكبير في أكثر من خمس وعشرين مجلدًا، طبع ما يقرب من العشرين، والباقي ما زال مفقودًا، وله في نهاية (المعجم الكبير) مجلد كبير ضخم تحت عنوان: الأحاديث الطوال، هذا أفرده وحده وسنتحدث عنه ونذكر نموذجًا منه إن شاء الله.

هذا الكتاب طبع في العراق منذ أكثر من عشرين عامًا، طبعته وَزَارة الأوقاف والشئون الدينية، إحياء التراث الإسلامي ببغداد.

حقق وخرج أحاديث (المعجم الكبير) للطبراني علماء كثيرون، أشهرهم: الشيخ حمدي عبد المجيد السلفي، ومعه مجموعة عاونوه في هذا العمل الضخم الكبير.

والآن سنتحدث عن الإمام الطبراني بترجمة موجزة له، كتبها الشيخ حمدي السلفي في مقدمة تحقيقه لـ(الجامع الكبير) في الجزء الأول. تبدأ الترجمة من صفحة 17 قال الحافظ الذهبي في (الميزان): “سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني الحافظ الثبت المعمر أبو القاسم، لا يُنكر له التفرد في سعة ما روى. ليَّنه الحافظ أبو بكر بن مردويه؛ لكونه غَلِطَ أو نسِيَ، فمِن ذلك أنه وَهِم وحدَّث بالمغازي عن أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن البَرْقي، وإنما أراد عبد الرحيم أخاه، فتوهم أن شيخه عبد الرحيم اسمه أحمد، واستمر على هذا يروي عنه ويسميه أحمد.

وقد مات أحمد قبل دخول الطبراني مصر بعشر سنين أو أكثر، وللطبراني المنتهى في كثرة الحديث وعلوه، فإنه عاش مائة سنة وسمع وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وبقي إلى سنة ستين وثلاثمائة، وبقي صاحبه ابن رَبَذَة إلى سنة أربعين وأربعمائة فلذلك العلو”.

وقال الحاكم في (معرفة علوم الحديث): “وجدت أبا علي الحافظ سيئ الرأي في أبي القاسم اللخمي، فسألته عن السبب فيه فقال: اجتمعنا على باب أبي خليفة، فذكرنا طرق حديث: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء…)) فقلت له: تحفظ عن شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة الزَّرَّاد، عن طاوس، عن ابن عباس؟ فقال: بلى، غَنْدَر وابن أبي عدي، فقلتُ: مَن عنهما؟ فقال: حدثناه عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه عنهما، فاتهمته إذ ذاك، ثم قال أبو علي: ما حدَّث به غير عثمان بن عمر، ثم روى الحاكم الحديث عن أبي علي الحافظ بإسناده إلى عثمان بن عمر به”.

وقال الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان): “وقد عاب عليه إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي جمعه الأحاديث بالإفراد مع ما فيها من النكارة الشديدة والموضوعات، وفي بعضها القدح في كثير من القدماء من الصحابة وغيرهم”.

وقد أجاب الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- عن هذه الطعون الثلاثة في (اللسان) فقال: “ورواية الطبراني عن أحمد بن عبد الرحيم البرقي قد تكلم ابن منده فيه بسببها، واعتذر عنه أحمد بن منصور الشيرازي الحافظ”.

وهكذا رد الإمام ابن حجر الطعون الثلاثة التي وُجهت إلى الإمام الطبراني.

ولنعد إلى الترجمة بالتفصيل، وهذه الترجمة هي في الكتاب المسمى (جزء فيه ذكر أبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، مناقبه ومولده ووفاته وعدد تصانيفه) للشيخ أبي زكريا يحيى بن أبي عبد الله بن منده، وهو ملحق في آخر نسخة كتاب (المعجم الكبير) للطبراني.

قال الشيخ أبو زكريا: “أخبرنا الشيخ الإمام العالِم الحافظ شمس الدين أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي، بقراءتي عليه في يوم الأربعاء، ثالث شعبان من سنة أربع وثلاثين وسِتمائة بحلب. قال لنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن ناصر الصيدلاني قال: أنبأنا الإمام الحافظ أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن الإمام الحافظ أبي عبد الله بن منده -رحمة الله عليه- إجازةً قال: الحمد لله ذي النعم والإحسان والفضل والامتنان، وصلى الله على محمد المبعوث بخير الأديان، وعلى آله الأعيان، وعلى أصحابه ذي الصدق والإيقان، وعلى التابعين بالإحسان، وبعد:

فمما أنعم الله على أهل أصبهان أن قد تفضل وامتن عليهم بقدوم الإمام المبجل، والحافظ المفضل أبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مَطِير اللخمي الطبراني -رحمه الله تعالى- من طبرية بالشام إلى هنا، لفضله ولعلمه وديانته وحفظه وإتقانه وطوله ورزانته وحلمه، وحسن سيرته الجميلة وطريقته القويمة المستقيمة، ونشر ما سمعه من الأحاديث في المدائن والأمصار، وإلحاقه الأصاغر بالأكابر بعلو أسانيد الأخبار، وإيصاله الأبناء بالآباء والأسباط بالأجداد، ومن اشتغاله في الصغر بهذا الشأن -أي: شأن الحديث وعلومه- وتردده في الأقطار والبلدان، فأردنا أن نشرف سيطنا بذكره، وأن نصرف أوقاتنا إلى تحصيل هذا العلم وحصره.

وألفنا هذا الكتاب لذكر بعض مناقبه وفضائله ومولده وأحواله، فلقد سمعت الإمام عمي -رحمه الله- ومحمد بن بديع يقولان: سمعنا أبا بكر أحمد بن موسى بن مردويه يقول: سمعت الإمام أبا القاسم الطبراني يقول: ولدت سنة ستين ومائتين.

روى عن أبي القاسم البَزْدِي قال: سمعت أبا القاسم بن نَصْرَة يقول: سمعت إبراهيم بن يحيى بن منده يقول: قدِم أبو القاسم الطبراني أصبهان أول كَرة، فكنت أماشيه يومًا، فسألته عن سِنه فأخبرني به، ثم غاب وعاد في القَدْمة الثانية بعد أربعة عشر سنة، فكنت أماشيه يومًا إلى المدينة فسألته في ميدان فاخر عن مولده، فقال: يا أبا إسحاق، أخذتُ في مثل هذا، فقلت: إيش عملت؟ فقال: أليس قد سألتني عن مولدي في تلك السنة في قَدْمِتي الأولى بباب دار محمد بن مقرن فأخبرتك به؟!”.

أما وفاتُه فقد اختلف فيها فهناك رأي يقول: أنه توفي في سنة 360 هجرية وهو الراجح، وهناك رواية تقول: إنه مات سنة ست وثمانين ومائتين، ولكن أرجح الروايات أنه توفي في سنة 360 هجرية -رحمه الله تعالى-.

ثم يقول مؤلف مناقب الإمام الطبراني: “رأيت بخط أحمد بن جعفر الفقيه: سمعت أبا بكر بن أبي علي العدل -رحمه الله- يقول: سأل والدي -رحمه الله- الطبراني -رحمه الله- عن كثرة حديثه فقال: كنت أنام على البواري ثلاثين سنة -معناه: أني كنت أجِدُّ وأبحث وأجمع حتى وصلت إلى ذلك- وهو كما قال الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله البَيِّع الحافظ النيسابوري في (مناقب أصحاب الحديث).

قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: ((لا يزال ناس من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة)). قال: سئل أحمد بن محمد بن حنبل الإمام عن معنى هذا الحديث، فقال: إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحاب الحديث فلا أدري مَن هم.

قال الحاكم البيع -رحمه الله-: وفي مثل هذا قيل: مَن أَمَّرَ السنة على نفسه قولًا وفعلًا نطق بالحكمة. ولقد أحسن الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- في تفسير هذا الحديث أن الطائفة المنصورة التي تدفع الخذلان عنهم إلى قيام الساعة هم أصحاب الحديث، ومن أحق بهذا التأويل من قوم سلكوا حجة الصالحين، واتبعوا آثارَ السلف من الماضين، ودمغوا أهل البدع والمخالفين بسنن رسول الله صلى الله عليه  وسلم وعلى آله أجمعين، مِن قوم آثروا قطع المفاوز والقفار على التنعم في الدمن والأوتار، وتنعموا بالبؤس في الأسفار مع مساكنة العلم والأخبار، وقنعوا عند جمع الأحاديث والآثار بوجود الكَسرِ والأطمار.

وقد رفضوا الإلحاد الذي تتوق إليه النفوس الشهوانية، وتوابع ذلك من البدع والأهواء والمقاييس والآراء والزيغ، جعلوا المساجد بيوتهم وأساطينها تِكاهم وبواريها فرشهم. ومِن فضل الله ونعمه على الإمام أبي القاسم الطبراني أراءته ما قد تحير فيه من الرحلة إلى المشايخ؛ لطلب الحديث وإعلامه إياه بمن يبدأ منهم، كان يرى في النوم مَن يبدأ بأن يأخذ الحديث عنه، يلهمه الله سبحانه وتعالى في النوم بشيخ فيرحل إليه.

يقول مؤلف (المناقب) عن الطبراني: رأيت بخط محمد بن أبي بكر البقال مكتوبًا على ظهر جزء الأول من كتاب (التفسير) لأبي محمد بن حيان أبي الشيخ: حدثني أبو العلاء المحسن بن إبراهيم الوزاري قال: سمعت أبا القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني -رحمه الله- يقول: لما عزمت على قصد إسحاق بن إبراهيم الدُّبَري، وعزمت على قصد محمد بن يعقوب الأصم، كنت قد تحيرتُ بأيهما أبدأ، فأُرِيتُ في المنام كأن إنسانًا جاءني فقال لي: ابدأ بإسحاق بن إبراهيم صاحب عبد الرزاق والدبري مات في سنة تسع وأربعين ومائتين، والأصم مات في ربيع الآخر سنة ستة وأربعين وثلاثمائة.

ومَن ينكر هذا فهو ينكر ما أخبرنا محمد بن علي وإبراهيم بن منصور قالَا: ثنا بن المقرئ، أنبأنا أحمد بن علي المُصْلي، حدثنا زهير، ثنا عفان، ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا المختار بن فلفل، ثنا أنس بن مالك رضي الله  عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: ((الرسالة والنبوة قد انقطعت، فلا رسولَ بعدي ولا نبي، فَشَقَّ ذلك على الناس. قال: فقال: ولكن المبشرات. قالوا: يا رسول الله، وما المبشرات؟ قال: رؤيا المسلم هي جزء من أجزاء النبوة)).

وأخبرنا الإمام عمي -رحمه الله- أنبأ أبو بكر بن المغيرة، حدثنا أبو أحمد العسال، حدثنا أحمد بن عمرو، حدثنا عبد الوهاب بن نَجْدة الحُوطِي، حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثنا صفوان عن حُميد بن عبد الرحمن أن رجلًا سأل عبادةَ عن قوله: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا} [يونس: 63] فقال عبادة: سألت رسول الله صلى الله عليه  وسلم عنها فقال: ((هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن لنفسه أو تُرى له)) وهو كلام يُكَلِّم به ربُّك عبده في المنام.

ورأيته بخط الحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله البيع: رأيت الطبراني -رحمه الله تعالى- في المحرم سنة اثنين وتسعين وثلاثمائة في المنام، وجماعة يقرءون عليه فقال القارئ: اذكر إبراهيم بن أبي داود البُرْنُسِي فقلت: يا أبا القاسم كتبت عنه؟ فقال: هو إجازة، يعني: أخذت الحديث عنه إجازة.

وأخبرنا محمد بن عمر بن علي إجازة قال: سمعت أم البهاء ليلى بنت أحمد بن مسلم الولادية قالت: سمعت الطبراني -رحمه الله- يقول: “فكرت في شيء كنت ملابسه، فنمت، فسمعت قائلًا يقول ولم أرَ الشخص: قل: اللهم لا تحبس روحي في قبري بمظالم عبادك، وأدْخِلها الجنة وأخرني إلى يوم القيامة حتى تُرضي عبادك عني. قال: ورأيت عمر بن الخطاب رضي الله  عنه في المنام كأنه في قصر عالٍ، وكنت مغتمًّا متفكرًا في بعض أموري، فكان يقول لي بكلام عال: اللهم اكفني ما أهمني وما لا أهتم به من أمور الدنيا والآخرة. وقال: وكنت متفكرًا في أمور الدنيا فسمعت صوتًا في النوم ولم أر الشخص: أنا الله أفعل ما أريد. هذه كلها رؤى منامية رآها الرجل ورؤيت له”.

يقول المؤلف: حدثونا عن أبي نعيم، عن زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي، ثم قال لي الرسول صلى الله عليه  وسلم: ((اذكر التشهد)) فذكرت تشهد ابن مسعود إلى آخره، فقال صلى الله عليه  وسلم: ((اذكر التشهد)) فذكرت حديث ابن عباس: التحيات الطيبات المباركات الصلوات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: ((هذا هو التشهد، هذا هو التشهد، هذا هو التشهد)) ثم مر به رجل فقال: يا رسول الله، أخبرني عن معاوية فقال: ((لم يكن بالواهن في دينه)).

ورأيت بخط أبي الفتح جعفر بن محمد بن جعفر الحاجب، أنبأنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن حمدان، ثنا أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم الفضل بن دُكَيْن، عن زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي، عن النعمان بن بشير رضي الله  عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: ((مَثَلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد، إذا اشتكى شيء منه اشتكى سائر الجسد بالحمى والسهر)). قال الطبراني -رحمه الله-: رأيت النبي صلى الله عليه  وسلم في المنام بين أصبهان ومدينتها، فقلت: يا رسول الله حدَّث النعمان بن بشير عنك بهذا الحديث؟ فقال: ((هو صحيح)) ثلاث مرات.

هذا يعطينا أن هؤلاء الناس وصلوا إلى درجة أنهم كانوا يصححون أحاديثهم على رسول الله صلى الله عليه  وسلم في المنام.

أخبرنا أبو الوليد الحسن بن محمد البلخي إجازة، أنبأنا أبو سهل عمر بن أحمد الشافعي، ثنا الطبراني بهذا الحديث. قال الطبراني: فسألت النبي صلى الله عليه  وسلم في المنام عن هذا الحديث، فأشار بيده “صحيح صحيح صحيح”.

حدثنا الطبراني، حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح، والمُطَّلب بن شعيب المصريان سنة ثمانين ومائتين قالا: حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح، حدثنا يحيى بن أيوب، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله  عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: “من أَذَّنَ ثنتي عشرة مرةً وجبت له الجنة” قال الصاحب في آخر هذا الحديث: رواه أبو خليفة الجُمَحي عن الطبراني -رحمه الله تعالى-.

ورأيت بخط أبي سعد حدثنيه أبو علي العسكري، ثنا أبو خليفة، ثنا سليمان بن أحمد بن أيوب، ووجدت حديثًا آخر رواه أبو خليفة عن الطبراني، وهو ما أخبرنا محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم في (المعجم الكبير) أنبأنا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي، حدثنا أبو صالح القاسم بن الليث الراسبي، ثنا محمد بن أبي صفوان الثقفي، ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي عن محمد بن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عبد الله، عن جعفر رضي الله  عنه قال: ((لما توفي أبو طالب خرج النبي صلى الله عليه  وسلم إلى الطائف ماشيًا على قدميه، فدعاهم إلى الإسلام فلم يجيبوه، فانصرف فأتَى ظِلَّ شجرةٍ فصلى ركعتين، ثم قال: اللهم إليك أشكو ضعفَ قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أرحم الراحمين، إلى مَن تكلني؟ إلى عدو يتجهمني، أم إلى قريب ملكته أمري؟ إن لم تكن غضبان علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا قوة إلا بك)).

وتوفي أبو خليفة الفضل بن الحُبَاب الجمحي سنة خمس وثلاثمائة، وعاش الطبراني -رحمه الله- بعد موته خمسة وخمسين سنة. وقل إن عبدان حدث عنه -يعني: الطبراني رحمه الله- ومات عبدان سنة ست وثلاثمائة، وكذلك حدَّث عنه من المشهورين المعروفين من المحَدِّثين المقدَّمين كابن عقدة وأبي علي الصحّاف وأبي عبد الله بن خفيف وغيرهم، هؤلاء من المتقدمين.

ومن المتأخرين حدَّث عنه ما لا يعد ولا يحصى، وأما ما قاله أبو العباس بن عقبة الحافظ الكوفي لأبي القاسم الطبراني من فضائله وشمائله، فقد رأيت بخط معروف قال: سمعت أبا القاسم عمر بن محمد بن عبد الله بن الهيثم الوراق قال: سمعت أبا جعفر بن أبي السري الديْمَرِي، واسمه محمد بن عبد الله بن الهيثم يقول: لقيت أبا العباس بن عقدة بالكوفة في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، فسألته أن يعيدَ ما فاتني من المجلس فامتنع وشددت عليه، فقال: مِن أي البلدِ أنت؟ قلت: من أهل أصبهان، فقال: لماذا تضمرون العداوة لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه  وسلم؟ فقلت له: لا تقل هذا يا شيخ، الآن أهل أصبهان فيهم متفقهة ومتَّقون وفاضلون ومتشيّعة، فقال: شيعة معاوية؟ قلت: لا والله، إلا شيعة علي بن أبي طالب رضي الله  عنه وما فيهم أحد إلا وعلي أعز إليه من عينه وأهله وولده، فأعاد عليَّ ما فاتني.

ثم قال لي: سمعتَ من سليمان بن أحمد الطبراني؟ فقلت: لا أعرفه، فقال: يا سبحان الله! أبو القاسم ببلدكم وأنت لا تسمع منه، وتؤذيني هذا الأذى بالكوفة، ما أعرف لأبي القاسم نظيرًا، سمعت منه وسمع مني وسمعنا من مشايخنا، ثم قال لي: سمعت (مسند أبي داود)؟ فقلت: لا، فقال لي: ضَيَّعتَ الحزم؛ لأن (مسند أبي داود) منبعه من أصبهان. وقال لي: تعرِفُ محمد بن حمزة بن عمارة؟ فقلت: شديدًا رجل من أهل الفضل. قال: فتعرف ابنه إبراهيم؟ قلت: نعم. قال: كان عندنا ورأيته حافظًا للحديث، وقَل ما رأيت مثله في الحفظ.

يقول المؤلف: مقصودنا من إيراد هذا في الفضل للطبراني نريد أن نقول: إن الإمام أبا القاسم الطبراني -رحمه الله- قد أقام نفسه بما قد نسبه أهل البدع والخلاف اقتداءً بالأئمة السلف والصالحين قبله بهذه النسبة إليهم، مع أن المبتدعة والمخالفين له كانوا يموتون على علو إسناده وكثرة أحاديثه، وقد سمعوا منه ورووا عنه، مع هذا ويطعنون عليه، ويزعمون أنه كان حشويًا، وهل يضر القمر نباح الكلب مع ما أتى؟!

سمعت مشايخنا -رحمة الله عليهم- يقولون: من نعتمد عليهم يقولون: أملى الإمام أبو القاسم الطبراني -رحمه الله- في الجامع العتيق بأصبهان حديث عكرمة مولى ابن عباس رضي الله  عنه في الرؤيا، فأنكر عليه ابن طباطبا العلوي، ورماه بدواة كانت بين يديه إليه، فلما رأى الطبراني ذلك منه واجهه بكلام اختصرتُه أنا؛ صيانةً لأقوام، وقال في أثناء كلامه: أما تسكتون وتشتغلون بما أنتم فيه، ولا تزعجونا عما سكتنا حتى لا نذكر ما جرى يوم الحَرَّة، فلما سمع ابن طباطبا ذلك منه قامَ واعتذر إليه، وندِمَ على ما فعل واستغفر فَقبِلَ الطبراني عذره، وكان هذا من علمه الوافر بالأنساب والتواريخ، وما جرى بين الناس في الخصومات والمجادلات.

وبلغني عنه أنه كان حسن المشاهدة طيبَ المحاضرة متدبرًا. قرأ عليه يومًا أبو طاهر بن يونس حديث النبي صلى الله عليه  وسلم “أنه كان يغسل حصى الجِمَار” فَصَحَّفَ، وقال: ((كان يغسل خصي الحمار))، فقال له: وما أراد بذلك يا أبا طاهر؟ قال: التواضع. وكان أبو طاهر كالمغفل. وقال له الطبراني -رحمه الله- يومًا: أنت ولدي يا أبا طاهر، فقال: وإياك يا أبا القاسم. هذا يدل على أن أبا طاهر هذا كان من المغفلين.

وهذا وأمثاله من أخلاقه الحسنة الجميلة كثيرة. سمعت مشايخنا -رحمة الله عليهم- يقولون: سمعنا ممن نثق به ونعتمد عليه أن أبا القاسم الطبراني -رحمه الله- لم يُحسن من كلام الفارسية إلا ثلاثة أشياء؛ أولها: زَنْدَرُوز، والثانية: نمروذ، والثالثة: خابَكِينَه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: ((أَحِبُّوا العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي))”.

الإمام الطبراني له مؤلفات كثيرة وصلت إلى أكثر من مائة مؤلف، نذكر بعضها:

1. كتاب (المعجم الكبير) في مائتي جزء.

2. كتاب (المعجم الأوسط) في أربعة وعشرين جزءًا.

3. كتاب (المعجم الصغير) في سبعة أجزاء.

4. (مسند العشرة)، ثلاثون جزءًا. أي: العشرة المبشرون بالجنة.

5. (مسند الشاميين) عشرة أجزاء.

6. كتاب (النوادر) عشرة أجزاء.

7. كتاب (معرفة الصحابة) و ( الفوائد ) عشرة أجزاء.

8. (مسند أبي هريرة رضي الله  عنه).

9. (مسند عائشة رضي الله  عنها) و (مسند أبي ذر الغفاري )جزءان.

10. كتاب (التفسير) و كتاب (مسانيد تفسير بكر بن سهل).

11. كتاب (دلائل النبوة) في عشرة أجزاء و كتاب (الدعاء) عشرة أجزاء.

12. كتاب (السنة) عشرة أجزاء.

13. كتاب (الطوالات) ثلاثة أجزاء، جُمعت في مجلد واحد سأقرأ لكم بعضه إن شاء الله في هذا الدرس.

14. كتاب (العلم) جزء.

15. كتاب (الرؤيا) جزء.

16. كتاب (الجود والسخاء) جزء.

17. كتاب (الألوية) جزء.

18. كتاب (الأوائل) جزء.

19. كتاب (الأبواب) جزء.

20. كتاب (فضائل شهر رمضان).

21. كتاب (الفرائض من السنن المسندة).

22. كتاب (فضائل العرب) جزء.

23. كتاب (فضائل علي رضي الله  عنه).

24. كتاب (بيان كفر مَن قال بخلق القرآن) جزء.

25. كتاب (الرد على المعتزلة) جزء.

26. كتاب (الرد على الجهمية).

27. كتاب (مكارم الأخلاق) جزء.

28. كتاب (العزل) جزء. أي: عزل الرجل منيه عن امرأته حتى لا تحمل.

29. كتاب (الصلاة على النبي صلى الله عليه  وسلم) جزء.

30. كتاب (المناسك).

31. كتاب (كُتُب النبي صلى الله عليه  وسلم) جزء.

32. كتاب (القراءة خلف الإمام) جزء.

33. كتاب (الغُسل) جزء.

34. كتاب (فضائل العلم واتباع الأثر، وذم الرأي وأهله).

35. (مقتل الحسين بن علي رضي الله  عنه) في جزء.

36. (حديث شعبة بن الحجاج) في خمسة عشر جزءًا.

37. (حديث الثوري) عشرة أجزاء.

38. (مسند الأعمش).

39. (مسند الأوزاعي).

40. (مَن رَوَى عنه الزهري عن أنس).

41. (حديث محمد بن المنكدر).

42. (حديث أيوب السختياني).

43. (مسند أبي إسحاق السبيعي الهمداني).

44. (مسند يحيى بن أبي كثير).

45. (مسند مالك بن دينار).

46. (مسند الحسن بن أبي الحسن البصري عن أنس).

47. (مسند حمزة الزيات).

48. (مسند مِسْعَر بن كِدَام).

49. (مسند أبي سعد البقال).

50. (طرق حديث مَن كذَبَ عليّ) في جزء.

وهكذا مؤلفات كثيرة أغلبها في علم الحديث، وبعد هذه الحياة الحافلة بهذا العلم الذي نشره بين الناس وافته منيته في سنة 360 هجرية -رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه.

error: النص محمي !!