Top
Image Alt

ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية

  /  ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية

ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية

إن ترجمة القرآن شيء، وترجمة معانيه -أعني تفسيره- شيء آخر يرجى منه تفهيم الأجنبي فحوى القرآن، وقد أجمع العلماء قديما وحديثا على عدم إمكان ترجمة القرآن بمعانيه الأصلية والبيانية التي اشتمل عليها، ويكفي أن تقرأ ما قاله إخوان الصفاء فيما يتصل بهذا ؛ حيث قالوا: وإظهار دين النبي على جميع الأديان، ولغته على سائر اللغات من أجل أن القرآن أكرم قرآن أنزله الله تعالى، وأشرف كتاب أحكمه، وأنه لا يقدر أحد من الأمم -على اختلافهم في لغاتهم- أن يحيله عما هو به من اللغة العربية إلى لغة غيرها؛ لأنه لا يمكن أن ينقل ألبتة إلى لغة على ما هو به من الاختصار والإيجاز، وهذا لا خفاء به، وقد أكده كثير من علماء اللغة ومنهم أحمد بن فارس في كتابه: (الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامهم).

وقد انقسم الأزهر إلى فريقين: فريق يرى إمكان ترجمته، وآخر يرى إمكان ترجمة تفسيره أو ترجمة معانيه، وانتصر الرأي القائل بترجمة معانيه، وكان الشيخ المراغي رائد هذه الفكرة، أعني: فكرة ترجمة تفسيره، وقامت ترجمة تفسيره إلى اللغات الأجنبية على قواعد من أهمها: أن يكون التفسير خاليا ما أمكن من المصطلحات والمباحث العلمية إلا ما استدعاه فهم الآية، وألا يتعرض فيه للنظريات العلمية، وعدم التقيد لمذهب معين من المذاهب الفقهية أو مذهب معين من المذاهب الكلامية، وأن يذكر من أسباب النزول ما صح -بعد البحث- وأعان على فهم الآية.

ورأى المترجمون لمعاني القرآن الكريم أنها تحقق فوائد جمة؛ منها: أنها مهمة في الدعوة إلى الله بالقرآن مصداقا لقوله تعالى: {هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ} [إبراهيم: 52]، ومنها أن ترجمة معانيه متابعة للرسول صلى الله عليه وسلم في التبليغ والدعوة مصداقا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67]، ومنها: أن الترجمة الصحيحة تؤدي إلى الفهم الصحيح عن الإسلام والعكس بالعكس، ومنها أن الترجمة وسيلة تعليم عدد كبير من المسلمين لأحكام القرآن، فأكثر المسلمين غير عرب لا يتكلمون العربية ولا يفهمونها، والعربية لغة القرآن، ومن ثم يصبح تعلمها ضرورة لكل مسلم؛ لأنها جزء منه ومفتاح شريعته.

وقد قام المستشرقون بجهود في هذا الميدان، والمعروف أن الاستشراق حركة ذات صفة علمية، ولها أهداف دينية، وبعضهم احترم الدين الحنيف، وبعضهم تجرأ عليه حقدا منهم، واتسمت ترجمات عدد منهم بالعداء للإسلام؛ بل شكك بعضهم في وجود إعراب القرآن، وفي توقيفية ترتيب الآيات، حاربوه وخافوا من انتشاره، وجاءت ترجماتهم مضللة باستعمال لغة قديمة بائدة، وترجمات محورة مدعين أن القرآن عقبة في سبيل ارتقاء المسلمين، وترجم بعضهم القرآن وفق تسلسل الآيات حسب نزولها لبلبلة القارئ المسلم والتشكيك بتوقيفية آياته.

ورأى العلماء أن الترجمة الحرفية للقرآن غير جائزة بل مستحيلة؛ لأن القرآن نزل عربيا، فإذا خرج عن العربية لا يسمى قرآنا؛ بل رفض بعضهم ترجمة معانيه، وأقاموا رأيهم على أن القرآن روح، والروح لا تترجم، وأن القرآن نور والنور لا يترجم.

وانتهى رأي كثيرين إلى ترجمة معاني القرآن، وإن كان بعضهم يرى أن التفسير شيء غير الترجمة، بينما رأى آخرون أنهما شيء واحد، فما معاني القرآن إلا نوع من تفسيره وبيانه الذي يعبر عنه المترجم باللغة الأخرى، كما يعبر عنه المفسر باللغة ذاتها. 

أما ترجمة القرآن، فقد رفضها جمهور العلماء خوفا من أن يفهم الآخرون أن تلك الترجمات قرآن بذاتها، فترجمة القرآن ليست قرآنا بإجماع المسلمين.

وقد أدرك هذا بعض المستشرقين المنصفين، فسمى أحدهم ترجمته للقرآن بالتفسير أو سمى الترجمة هكذا: القرآن مفسَّرا، وبعضهم أطلق على ترجماته: رسالة القرآن أو ترجمة معاني القرآن، وقد رأى بعض العلماء أن الترجمة تتم بأمرين:

الأول: بيان معاني القرآن الأصلية المبينة بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم، فتترجم حسب القدرات اللغوية والتعبيرية للمترجم.

الثاني: أن يفسر تفسيرا موجزا موضحا لمعاني الآيات مِن قِبل العلماء المتخصصين، ثم يترجم هذا التفسير على أنه ترجمة لهذا التفسير، وذلك للتأكيد على أنه بيان لما فهمه هذا المفسر أو ذاك.

والاتجاه الأول فعله أكثر المترجمين مع تفاوتهم في مقدار نجاحهم، أما الاتجاه الآخر، فقد قام به الأزهر، كما قام به مجمع الملك فهد لطباعة المصحف. 

أما الأزهر، ومعه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، فقد وضع تفسيرا أساسا للترجمة، وسمي التفسير بـ (المنتخب في تفسير القرآن الكريم)، والسبب في وضع هذا التفسير الأساس هو أن التبليغ أمر لا مناص منه والترجمة منال لا يدرك؛ لأن القرآن أبلغ كلام في الوجود وترجمة بلاغته فوق طاقة البشر، فالحل أن يكتب تفسيره بالعربية، ثم ينقل هذا التفسير إلى اللغات الأخرى؛ لمعرفة المعاني.

 أما مجمع الملك فهد لطباعة المصحف فقد أخرج تفسيرا ميسرا جعله أساسا للترجمة إلى اللغات الأخرى، وهذه الفكرة وإن كانت صحيحة إلا أنه ينبغي عدم الاعتماد على تفسير واحد، فالأمر يحتاج إلى أكثر من تفسير تعد أساسا للترجمات يراعى فيها الفروق بين المتلقين، فالبيئات الإسلامية الأردية والتركية والسواحلية والملاوية تختلف عن البيئات النصرانية في الغرب في انجلترا وفرنسا وإسبانيا، كما تختلف عن البيئات الوثنية في الصين واليابان وكوريا.

كما أن التفسير الأساس حين يترجم إلى لغات أخرى يحتاج إلى مترجم من ذوي القدرات في الاستيعاب في هذا المجال، وهذا أمر غير مضمون، كما أن الأمر يحتاج إلى إصدار ترجمات أخرى على مستوى بعض السور القرآنية، أو على مستوى الموضوعات بالإضافة إلى أن التفسير الأساس له فائدة لغير المسلمين بصورة أكبر.

أما المسلمون الناطقون بالعربية فيحتاجون إلى تفاسير أكبر؛ لاحتياجهم إلى معلومات أكبر من مجرد ذكر المعنى، فيحتاجون إلى ترجمات كتب التفسير الكبرى، ولكون الترجمة نوعا من التفسير، ولكون المترجم موضحا ومبينا لمعاني الكتاب الكريم فلابد من أن يتحقق فيه شرطان:

الأول: شروط المفسر بصفة عامة.

الثاني: شروط المترجم، فالمفسر ينبغي أن يكون صحيح الاعتقاد وملازما للسنة، ويشترط فيه صحة المقصد والاعتماد على ما جاء عن النبي والصحابة، كما يشترط فيه العلم باللغة العربية وفنونها.

ومعرفة علوم القرآن من: أسباب النزول، وجمع القرآن وترتيبه، ومعرفة المكي والمدني، والناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه إلى غير ذلك.

كما يشترط فيه أن يكون ملما بأصول الفقه من معرفة العموم والخصوص والإطلاق والتقييد إلى غير ذلك.

وأما المترجم فيشترط فيه أن يكون عارفا معرفة تامة باللغتين متمكنا بأساليب كل منهما وخصائصهما، إن شروط المفسر هي شروط المترجم، أما إذا اقتصر المترجم على ترجمة تفسير محدد، كما يترجم أي كلام محدود بمعان محدودة دون أن يتدخل بالشرح والبيان أو الاستنباط والنظر، فإنه لا يحتاج إلا إلى صحة الاعتقاد، ولزوم السنة وصحة المقصد والعلم باللغة العربية وفنونها فقط، أما باقي الشروط فلا يلزم أن يتمتع بها. 

إن الترجمة المؤثرة في مجال الدعوة ينبغي أن تكون صحيحة جيدة، وينبغي أن تخرج بطرق متنوعة، وأن تطبع بأساليب فنية راقية، وأن يعتنى فيها بالفهارس الموضوعية، وأن يعتنى فيها بالنشر سواء على مستوى النشر التجاري أو على مستوى النشر الإلكتروني.

error: النص محمي !!