Top
Image Alt

تطور الدلالة بمجيء الإسلام، وأمثلة للمنهج التاريخي

  /  تطور الدلالة بمجيء الإسلام، وأمثلة للمنهج التاريخي

تطور الدلالة بمجيء الإسلام، وأمثلة للمنهج التاريخي

ثم يُضيف ابن فارس:

ومن الأسماء التي كانت تدل على معانٍ، فماتت هذه الألفاظ بمجيء الإسلام، هذه الألفاظ هي قولهم: المِرباع كان رئيس القبيلة يأخذ ربع الغنيمة، وأيضًا: النشيطة، الفرس النشيطة كان يأخذها رئيس القبيلة، والفضول ما يَفضُل بعد قسمة الغنائم، كان أيضًا يأخذها رئيس القبيلة.

أيضًا: الإتاوة والمكس: دراهم كانت تفرض على بائعي السلع في الأسواق، والإتاوة هذه من الألفاظ التي حرمها الإسلام، فماتت هذه المعاني، وبالتالي ماتت الألفاظ التي كانت تدل على هذه المعاني.

ومن الألفاظ التي ماتت بمجيء الإسلام قولهم: أَبيتَ اللعنَ، يعني: أبيت أن تأتي بفعل تلعن عليه. وقولهم -قول المملوك لمالكه-: ربي، عندما جاء الإسلام مات هذا المعنى؛ لأن الرب هو الله، في القرآن الكريم: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} [يوسف: 50] وقد كانوا يخاطبون ملوكهم بالأرباب.

وأيضًا من الألفاظ التي ماتت بمجيء الإسلام قولهم لِمَن لم يحج: صرورة، عندما جاء الإسلام مات هذا اللفظ لِمَوْت معناه الذي كان في الجاهلية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: “لا صرورةَ في الإسلام”. وهو الذي يدع النكاحَ تَبَتُّلًا.

ومن أمثلة المنهج التاريخي ما ذكره أحمد بن فارس في مقدمة معجمه (الجاسوس على القاموس). قال: إن أصل الكَتْب في اللغة: للسقاء. يقال: كتَبَ السِّقاء، أي: خرزه بسَيْرَيْن، وهو من معنى الضم والجمع، أي: تضم وتجمع أجزاءَ السقاء. ومنه: الكتيبة. الكتيبة للجيش؛ لأن الكتيبة عبارة عن مجموعة من العساكر مضموم بعضها إلى بعض ثم نُقل هذا المعنى إلى كَتْبِ الكتاب، حقيقة معناه ضم حرف إلى آخر وإنما قلت: إن أصل الكتْبِ للسقاء، لماذا؟ لأن العرب عرفت السقاء، واحتاجت إلى الشرب منه وإلى إصلاحه قبل أن تعرف الكتابة.

لأن العرب كانوا لا يعرفون الكتابة، لماذا؟ لأن أدوات الكتابة لم تكن موجودة عندهم؛ لأن الكتابة فن من الفنون الحضارية، وكانت توجد عندما توجد الأنهار. ولذلك رأينا أن في مصر كانت الكتابة بالخط الهيروغليفي لوجود نهر النيل، وكان في العراق دجلة والفرات، فإذن الكتابة كانت توجد حيث توجد الأنهار.

فالعرب كانوا لا يعرفون الكتابة؛ لأن شبه الجزيرة العربية صحراء، لا زرعَ فيها ولا ماء، حتى عندما جاء الإسلام، كان الذين يعرفون الكتابة كانوا يُعدون على الأصابع، فما بالك في الجاهلية، فكانت العرب لا تعرف الكتابة.

وكذلك: قرأ. أصل معناها الجمع والضم، وهو في المعتل أيضًا. يقال: قرى الشيء، ومنه: أقراء الشعر، أي: أنواعه وأنحاؤه، وقرى الماء في الحوض: إذا جمعه.

ومنه: القرية؛ لأن القرية عبارة عن مجموعة من البيوت والمنازل مضمومة أو مجموعة بعضها إلى بعض، فالقرية أيضًا مأخوذة من هذا المعنى.

درس الكتاب، أصل درس: من درس الحِنطة؛ لأن العرب عرفت دَرْس الحنطة قبل دَرْس الكتاب، قال تعالى: {وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ} [الأنعام: 105] وليقولوا: قرأتَ؛ لأن معنى درس: قرأ، والدراسة: القراءة.

الحنطة عندما تأتي تسمَّى القمح، وتسمى البُر، عندما تأتي في المكان المخصص لِدَرْسها تفرك.

كذلك دَرْس الكتاب، يعني: قراءة الكتاب، أنت تقرأ الكتاب مرة واثنتين وثلاثة، عندما تستطيع أن تفهم معنى ما في الكتاب.

ونسخ الكتاب، أصله: نسخت الشمس الظل. أيضًا لفظ: عَبَرَ أصل وضعه للنهر يقال: عَبَرَ النهرَ عَبْرًا وعبورًا: إذا قطعه إلى الجانب الآخر، ثم شُبه به عبرَ الرؤية، تعبير الرؤية، أي: تفسيرها؛ لأنك عبرت من مجهول إلى معلوم، عندما تعبِّر الرؤية تنقل هذه الرؤية من مجهولة إلى معلومة.

ويضيف قوله في أصل الهجاء:

كانت تعرف العرب الهجاء بمعنى الذم، بعد ذلك بمجيء الإسلام عرفت العرب الهجاء، يعني: هِجاء الحروف، تهجى الحروف: وضح لي الحروف، أو اذكر الحروف -حروف الكلمة- كَتَبَ؟: هي كاف، وتاء، وباء.

يقول السيوطي نقلًا عن الخليل والكسائي: إن “لن” مركبة من “لا” و”أن”؛ فأصلها: لا أن، حذفت الهمزة؛ لكثرة الاستعمال، كما حذفت في قولهم: “وَيْلُمِّه” والأصل: ويل أمه، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين. عندنا الألف ساكنة، والنون ساكنة، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين؛ لأن حذف حرف العلة هو الأولى بالحذف -الألف- فصارت “لن”.

error: النص محمي !!