تطور نظريات المنهج وتصنيفاتها
تقوم التربية بصفة عامة على عدة عوامل؛ هي: “المعلم والطالب، أو المعلم والتلميذ، وكذلك المنهج والبيئة التعليمية؛ أيًّا كانت هذه البيئة بيئة مدرسية أو بيئة جامعية” وفُقدان أي من هذه العوامل أو خلله يؤدي إلى خلل التربية بأكملها، سواء أكان هذا الخلل كبيرًا أم صغيرًا جزئيًّا أم كليًّا؛ وعليه فإن أي نوع من التربية، سواء كانت تربية صفية داخل الصفوف الدراسية أو غير صفية أي: خارج الصفوف الدراسية، وخارج قاعات التعلم والدراسة؛ لا بد أن يكون له منهج مكتوب يوجه أهدافه، ويوجه محتواه، وهذا المنهج بالضرورة يكون متمثلًا في المعلومات والأنشطة التعليمية.
ولعل المتتبع للأدبيات الحديثة في مجال التربية، وفي مجال المناهج وطرق التدريس يَقِفُ على كثير من هذه الأمور.
ولا بد من مبررات لوضع نظرية للمنهج، يُمكن أن يكون من بين هذه المبررات أنه: إذا سلمنا بأنّ المنهج عِلمٌ تَطبيقِيُّ جديد، يلعَبُ دورًا مهمًّا وأساسيًّا في إنتاج التربية المدرسية، أو التربية الجامعية؛ فإن النظرية عندئذٍٍ تصبح بالنسبة له هدفًا أساسيًّا.
أيضًا فإن النظرية تمثل هدفًا للمنهج، من أجل توجيه مفهومه، وإعداده وتخطيطه وتنفيذه وتقويمه؛ ثُم تطويره ومتابعته، أي: أنها توجه كافة عمليات المنهج، ويدفعنا ذلك إلى أن نُعرف النظرية المنهجية، وقد جاءت عدة تعريفات للنظرية المنهجية، كانت هذه التعريفات مختلفة تبعًا لاختلاف فلسفات من قام بتعريفها، وكذلك تبعًا لخبراتهم الشخصية العلمية والعملية.
فقد عرفت “هيلدا طابا” عام 1962 النظرية المنهجية بأنها: “طريقة لتنظيم التفكير حول قضايا مهمة، تخص تطوير المنهج مثل: مكونات المنهج، وأهم عناصره، وكيفية اختيارها وتنظيمها، ومَصادر القرارات؛ سواءٌ أكانت هذه القرارات منهجية مُرتبطة في محتوى المنهج، أو قرارات تعليمية ترتبط بالمنهج بصورة أو بأخرى، وكذلك كيفية ترجمة المعلومات والمعايير النابعة من هذه المصادر؛ من أجل اتخاذ القرار المنهجي السليم.
كما أوضح “جون وشاس” عام 1969 أن النظرية المنهجية هي مجموعة المعتقدات التي يتبناها الفرد، ويستخدمها كقاعدة لقراراته الخاصة بتطوير وتنفيذ المنهج، وتشتق هذه المعتقدات بمبادئ الفِكر الفلسفي والاجتماعي المتداخلة، ومن النظرة المُتعلقة بطبيعة البناء المعرفي أيضًا.
أما “بيوشمب” عام 1973 فقد عَرّف النظرية المنهجية بأنها: مجموعة من العبارات المترابطة، التي توضح طبيعة المنهج المدرسي؛ فهي تبين العلاقات السائدة بين عناصره المختلفة، وتوجهها نحو تطويره، واستخداماته، وتقويمه.
ونَحنُ نرى أنّ النّظرية المنهجية هي بمثابة عددٍ من المبادئ، والمعتقدات النفسية، والفلسفية والثقافية والمعرفية، التي توجه عمليات بناء المنهج؛ فهي تُساعد في اتخاذ القرارات الخاصة بتحديد مُكوناته؛ من أهداف ومحتوى وأنشطة وخبرات، وأساليب تقويم وأساليب تطوير وتحسين ومتابعة.
ومما سبق يتبين لنا أننا بحاجة إلى عرض لبعض أصول النظرية المنهجية، فنجد أن “بيوشمب” عام 1973 يقوم بتقسيم النظريات في المعرفة إلى ثلاثة أقسام؛ وهي:
القسم الأول: نظريات في العلوم الإنسانية.
والقسم الثاني: نظريات في العلوم الاجتماعية.
والقسم الثالث: نظريات في العلوم الطبيعية.
وتضم هذه الأقسام الثلاثة ميادين المعرفة المعترف بها حاليًّا؛ فقسم العلوم الإنسانية يشمَلُ الأدب والفلسفة والدين، وغيرها. وقسم العلوم الاجتماعية يشمل علم الاجتماع، وعلم النفس، وعلم اللغات، والاقتصاد، وغيرها.
أما قسم العلوم التطبيقية -أي: الطبيعية- فيَشْمَلُ علوم الفيزياء والأحياء والكيمياء، وهو يرى أنّ هذه الأقسام أو المجالات ينبثِقُ منها نظريات في مجالات أسماها: “المجالات التطبيقية للمعرفة” وهي تشمل: العمارة، والهندسة، والقانون، والطب، والتربية. مع العلم أن هذه النظريات مُتداخلة وهي تستعير نظمًا وإجراءات من بعضها البعض.
وهذا ما يتفق مع العقل ومع الواقع، ومَعَ المَنْطِق أن يكون هناك علاقة، وترابط بين هذه النظريات جميعًا؛ لأنها تُستخدم جميعًا في مصلحة الإنسان، وفي مصلحة الفرد والمجتمع؛ فالنظريات في التربية تستمد مصداقيتها، وتنتمي إلى نظريات في ميادين المعرفة المنظمة الراسخة القديمة؛ مثل: ميدان الفلسفة، وميدان علم النفس، وعلم الاجتماع، والفسيولوجيا، وما إلى ذلك من المجالات والميادين المرتبطة بالمجال.
والنظريات في التربية تنقَسِمُ إلى أقسام فرعية؛ فهُناك نظريات في الإدارة، ونظريات في التوجيه والإرشاد؛ ونظريات في المنهج، ونظريات في التدريس، ونظريات في التقويم، وكل قسم من هذه الأقسام الفرعية يشمل أقسام أخرى؛ فالنظريات في المناهج مثلًا يمكن تقسيمها إلى أقسام أخرى، مثل: نظريات في تصميم المنهج، ونظريات في تطبيق المنهج، ونظريات في أسس المنهج، ونظريات في أهدافه ومحتواه، وتقويمه، وتطويره، ومتابعته… وهكذا.
وتجدر الإشارة إلى أن الاهتمام في موضوعنا هذا ينصب على نظريات المنهج، وعلى نظرية المنهج على وجه التحديد كعلم رئيس، وكمجال مُهم، يُوَجّه أعيُن القائمين على وضع المناهج إلى كيفية تصميم وبناء ومُراعاة قواعد وأصول وأسس بناء المناهج وتصميمها؛ فعلى الرغم من علمنا من أنّ النظريات في القانون أو الهندسة أو الطب قد تساهم في النظريات الإدارية، أو في نظريات المنهج إلا أننا نعتبرها هنا ثانوية؛ ولا نُرَكّز عليها في مناقشتنا.
تطور نظريات المنهج:
هناك جهود مُبكرة للتطوير والتنظيم في بناء وإعداد نظريات للمنهج، حيث إن الاهتمام بمجالات المنهج ونظرياته قديم، إلا أن “فرانكلين بوبيه” كان من أوائل الذين طوروا مجال المنهج؛ كذلك فهو يُعَدّ من الرواد الأوائل في الميادين العملية لتطويره؛ فهو أوّل من نادى بتحليل النشاط كوسيلة لصنع القرار في مجال المنهج؛ وهو من الأوائل الذين استخدموا الطرق العلمية لتحديد أنشطة واستعداد الكبار، بهدف بناء منهج مدرسي يمكن أن يعد الأطفال لحياة الكبار.
كما أنّه كان هناك اتفاق من بعض التربويين الأول، في السعي لتحليل أنشطة ووظائف الكبار؛ حتى تكون قاعدة أساسية لقرارات إعداد وتصميم وبناء المنهج، لقد اهتم العديد من العلماء بالتربية المهنية بصفة أساسية، مما ساعد على التوصل إلى نتائج مُهمّة حول محتوى المنهج وبنائه وإعداده.
وقد تأثر كل من “بوبت” و”تشارترز” بالحركة العلمية في التربية التي قادها علماء مثل “ثرونديك” و”تشارلز جود” ومن تَبِعهم فاستخدما الأساليب العلمية في حل مشكلات المنهج؛ كما أنهم تبنيا الافتراض القائل بأن وظيفة المدرسة هي إعداد الصغار لحياة الكبار؛ مِمّا جعلهما يتبنيان وجهة النظر القائلة بأنّ الطريق إلى المعرفة عن حياة الكبار هو تحليلها؛ ومن ثَمّ أن الطريق لبناء منهج ما هو الوقوف على ماهية المهارات العملية، وكذلك المهارات النظرية والمعارف والقيم والاتجاهات التي تعتبر ضرورية للأطفال من أجل المشاركة في الحياة، ويُمَثّل هذا مدخلًا مهمًّا ورئيسًا لتحديد مُحتوى المنهج وأهدافه، بل أيضًا تنظيم محتواه بطريقة علمية دقيقة، وسليمة.
وعَلَى نفس الدّرب وفي إطار جهود بناء وتطوير نظريات المنهج، جاءت حركة التقدميين في العشرينيات من القرن الماضي، التي حولت الاهتمام من تنظيم المواد المدرسية، إلى التمركز حول الطفل نفسه، أو المتعلم ذاته؛ حيث أصبح المحك الرئيس لمحتوى المنهج هو اهتمامات وحاجات المُتعلمين، أيًّا كان هؤلاء المتعلمين أطفال أم كبار أم مراهقين أو بالغين أو غير ذلك.
وجاءت حركة أخرى نادت بالتمركز حول المجتمع بدلًا من التمركز حول الطفل أو المتعلم، وكان ذلك بالتحديد في الكتاب السنوي السادس والعشرين للجمعية القومية الأميركية لدراسة التربية، ورغم الخلافات في وجهتي النظر هاتين، إلا أنّ الجَمْعِيّة استطاعت تكوين مجموعة من المبادئ الفَعّالة في صُنْع وبناء المنهج.
ثُمّ جاءت “كاسويل” ممثلًا لجيل آخر من رواد المنهج؛ ليَضَع نموذجًا للأداء في تطوير المنهج، مُؤكدًا على ضرورة اشتراك المعلم في القرارات الخاصة بالمنهج، وتخطيطه وإعداده، إذ أن المعلم هو الذي يقوم بتنفيذ الممارسات الفعلية للمنهج، وهو أكثر من يتعرض لأسئلة حول المنهج ومحتواه، وما به من معلومات ومفاهيم ومهارات، وإلى غير ذلك من متطلبات المنهج، وذلك من قبل المتعلمين على وجه التحديد، ومن قبل غيرهم من منظمات المجتمع المدني وغيره.
وذلك أيضًا إذ أن الخطوات الإجرائية: كتحديد، وتعريف، وإعداد أهداف المنهج، واختيار مُحتواه، وتصميمه، وتقويم آثاره؛ لا بد أن يتم فيها إشراك المُعلم؛ حتى يكون على قناعة بالتنفيذ، والتطوير والشرح، والإقناع للطلاب بما ورد في هذا المنهج من معلومات ومتضمنات.
وفي القرن العشرين تم تطوير نظريات المنهج أيضًا، حيث كانت هناك أول مناقشة لنظرية المنهج على نطاق واسع، في مؤتمر بجامعة شيكاغو عام 1947 حيث نُشرت أعمال هذا المؤتمر في كتاب خاص فيما بعد، وقد حُدِّدَتْ ثَلاثُ مَهام لنظرية المنهج في هذا الكتاب، وهي: “تحديد القضايا المهمة في تطوير المنهج، وما تضمنه من تعميمات، وإبراز العلاقات التي توجد بين هذه القضايا، والتنبؤ بمستقبل المدخلات التي وضعت لحل هذه القضايا”.
وقد عَرَض تايلور تصوره لنظرية المنهج في عام ألف وتسعمائة وخمسون، والذي يَدُور حَولَ أرْبَعة أسئلة أساسية وهي:
السؤال الأول: ما هي الأهداف التي ينبغي على المدرسة أو المؤسسة التعليمية تحقيقها على وجه التحديد؟.
والسؤال الثاني: ما هي الخبرات التربوية التي يمكن توفيرها، والتي يمكن أن تحقق هذه الأهداف؟.
والسؤال الثالث: كيف يمكن تنظيم هذه الخبرات بفاعلية؟.
والسؤال الرابع: كيف يمكن تقويم هذه الأهداف؟.
وفي عام ألف وتسعمائة وواحد وسِتّون طرح “بوشمب” وجهة نظره في مقالة المنظمة نُشرت بكتابه (نظرية المنهج)، واشْتَملت هذه المقالة على أبعاد نظرية المَنْهَج التي بناها على أساس الصيغ والعلاقات المفاهيمية، المُسْتَمدّة من الجهود المبذولة في مجال بناء المناهج النظرية، وكذلك في مجال بناء نظرية المنهج، وغيرها من النظريات ذات العلاقة.
وقد تلى ذلك بعامين “بوشمب” حيثُ قَدّم ورقةً للمُؤتمر القومي لجمعية الإشراف وتطوير المناهج، الذي اهتم بنظرية المنهج؛ حلل “بوشامب” فيها المدخل الذي يمكن أن يسلكه العالم، ومهامه في بناء النظرية المنهجية، وأكد فيها على المبادئ التي تُعطي تفسيرًا أفضل لمظاهر المنهج، مثل الاستخدام الدقيق المناسب للمصطلحات الفنية في مجال المنهج، وتحليل وتصنيف المعرفة، واستخدام البحث التنبؤي من أجل الوصول إلى مزيد من التعميمات والقوانين.
كما قدم “سميث” في نفس الوقت ذاته للمؤتمر ورقة أخرى عن دور الفلسفة في تطوير نظرية علمية للمنهج، ورأى فيها أنّ هُناك ثلاث مهام يمكن أن تتناولها الفلسفة؛ لتساعد منظر المنهج -أي القائم على إعداد نظرية للمنهج- وهي:
-مكونات ومُبررات الأهداف التعليمية.
-اختيار وتَنْظِيم المَعارف.
-كيفية التعامل مع المشكلات اللفظية.
تلك هي المَهامُّ الثّلاث التي يُمكن أن تَتناولها الفَلْسَفة التي تُساعد القائمين على التنظير، وإعداد نظريات المنهج.
وقد أشار في ورقته هذه إلى أن منظري المناهج غالبًا ما يفشلون في إدراك العلاقات المتداخلة بين الأهداف التعليمية، ومحتوى البرنامج المدرسي، وفي كثير من الأحيان لا تكون معايير انتقاء الأهداف والمحتوى واضحة، كما أن العديد من المفاهيم المستخدمة تكون غامضة، ومن بين الجهود المعنية بنظرية المنهج: ما قدما “ماكدونالد” في صورة نموذج في العمل النظري، ثم طرحه في ورقة قدمت في لقاء مفتوح للمختصين في ميادين المناهج.
وقد ميز فيها “ماكدونالد” أربعة نظم تدخل في العمل المدرسي، تلك النظم الأربعة هي:
أولًا: المنهج “Curriculum”.
ثانيًا: التعليم “نستركشن”.
ثالثًا: التدريس “Teaching”.
رابعًا: التعلم “Learning”.
حيثُ إنّ المنهج هو الأساس، وهو المُحتوى الذي يتم من خلاله عرض المعلومات والمفاهيم والأنشطة والمبادئ والخبرات المختلفة، التي رأت المؤسسة التعليمية ضرورة إكسابها للمتعلمين، كما أن التعليم هو النظام والبيئة التي تُساعد على تحقيق هذا المنهج، ولا شك أن نوع التعليم سواء أكان تعليم نظامي، أو تعليم مفتوح، أو تعليم الكتروني لا بد بالضرورة وأن يتناسب مع طبيعة ومتطلبات تحقيق هذا المنهج.
والتدريس وهو الذي يُراد به العمليات والطُّرق والأساليب والاستراتيجيات التدريسية، ومُساعدات ومعينات التدريس، والمداخل التدريسية المختلفة، يرتبط بالضرورة بطبيعة النظام التعليمي والمنهج.
أما التعلم وهو العمليات التي تحدث بصورة مقصودة، لإحداث تغيير مقصود في سلوك المتعلم؛ فهو لا بد أن هذا التعلم لن يحدث إلا إذا كان هناك اتفاق وانسجام وتلاؤم تام بين المنهج، وبين النظام التعليمي، وبين الطرق التدريسية المتبعة.
وقد حدد “ماكدونالد” في هذه الورقة التفاعلات بين هذه النظم الأربعة؛ لأنه لا بد أن توجد علاقة بين هذه النظم الأربعة، وكل منها يؤثر في الآخر ويتأثر به، كما حدد فيها نظام المنهج، موضحًا مكوناته من حيث المدخلات والمحتوى، والمخرجات والتغذية الراجعة، ويُعد أهم ما جاء في هذه الورقة، هو: استخدام مدخل النظم في توضيح وجهات النظر المرتبطة بنظرية المنهج.
وجاءت “مكايا” لتقوم بتحليل أربعة أنماط من نظرية المنهج و”مكايا” من إحدى علماء المناهج وطرق التدريس، وقد بينت في هذه النظرية “نظرية المنهج”: أنّ هُناك عِدّة نَظريات ترتبط وتُؤثر في نظرية المنهج، ولا شَكّ أنّ نظرية المنهج تعتَمِدُ عليها، وهي نظرية الأحداث، ونظرية المنهج الشكلية، ونظرية المنهج القيمي، ثم نظرية المنهج التطبيقية العملية.
وقد نادت “مكايا” بأنه في الإمكان إدخال المنهج تحت نظرية التعليم؛ فنظرية المنهج يُمكن أنْ تَكُون جزءًا من نظرية تعليمية، وركزت نظرية المنهج الشكلي على بنية محتوى المنهج، وركزت نظرية المنهج القيمي على قضية المحتوى التعليمي الأكثر قيمة؛ حتى يتم طرحه على الطلاب، أما نظرية المنهج العملي، فتسعى إلى التأمل والتدقيق في وسائل المنهج الملائمة من أجل تحقيق أهدافه، أما نظرية الأحداث فهي شبيهة بالنظرية العلمية، فهي تصف وتُفسر، وتتنبأ في مجال المنهج.
وترى “مكايا” أنّه ينبغي على المتخصصين في المناهج الاعتماد على نظرية حديثة؛ لاشتقاق تعريف للمنهج، ومن ثَمّ تخطيطه وتطويره، وجاء رأي “جونسن” مناقضًا لهذا الرأي تمامًا؛ فهو يرى أن على المتخصصين في المناهج تعريف المنهج وصناعته، ومن ثم التفكير في بناء نظرية له.
تصنيفات نظريات المنهج:
تعددت تصنيفات نظريات المنهج تبعًا لما اعتمد عليه كل تصنيف؛ فتارة يتم التصنيف حسب مراحل تطور تلك النظريات، وتَارة أُخرى نجده يتم في ضوء مفهوم المنهج، ومَرّة ثالثة يَتِمّ التصنيف حسب الفلسفة السائدة، وهكذا ونَستعرِضُ فيما يلي أهَمّ التصنيفات في مجال نظرية المنهج، يليها عرض تفصيلي لأهم النماذج المقترحة في هذا المجال.
أولًا: تصنيفات نظريات المنهج حسب توجهاتها:
ويندرج تحت هذا التصنيف لنظريات بناء المنهج وإعداد عدة تصنيفات:
1- تصنيف “إزنار فلانس” عام ألف وتسعمائة وأربعة وسبعون، لقد قام “إزنار وفلانس” بتصنيف نظريات في خمسة فئات حسب توجهاتها وهي:
- نظريات ذات توجه نحو العمليات المعرفية، وهي التي تعنى أساسًا بتنمية العمليات العقلية، ولا تهتم كثيرًا بمحتوى معين.
- نظريات ذات تَوَجّه يَعتبر المنهج حقل تقنيات، أي: أنّ وظيفته الأساسية هي العثور على الوسائل الأكثر فاعلية في تحقيق الغايات، والأهداف المحددة مسبقًا.
- نظريات ذات توجه نحو تحقيق الذات: وهي ترى أن المنهج عبارة عن خبرة كبيرة مصممة لتحقيق النمو الشخصي.
- نظريات ذات توجه نحو إعادة البناء الاجتماعي: وهو الذي يضع الحاجات الاجتماعية للمجتمع قبل حاجات الأفراد، فحاجة المجتمع ومتطلبات المجتمع محددة سلفًا، ومفضلة ومُقدمة على حاجات الأفراد التي تتصف بالفردية، وعدم الجماعية.
- نظريات ذات توجه للتأكيد على العقلانية الأكاديمية: وهي تؤكد أهمية النظام الأكاديمية التعليمية.
التصنيف الثاني لـ”هولك” عام ألف وتسعمائة واثنان وثمانون، حيث رأى “هولك” أن هناك ثلاثة أنواع مختلفة في التنظير في المناهج وهي:
- النظريات التكوينية: وهي تُركز على عناصر المنهج، وما بينها من علاقات، وعلى تركيبة اتخاذ القرار؛ حيثُ إنّ العلاقات المترابطة والمتداخلة والمتشعبة بين عناصر المنهج ومكوناته، وما بينها من علاقات ذات صلة وارتباط، تؤثر بالضرورة على اتخاذ أي قرار بشأن هذا المنهج.
- النظريات الإنشائية: وهي تركز على نتائج المنهج وعلى الفروض والمعتقدات والحقائق المقبولة، التي تكمن خلف القرارات الخاصة بالمنهج؛ كذلك فَإنّها تُرَكّز على نَقْضِ المَفاهيم الماضية والحاضرة، التي يبنى عليها المنهج.
- النظريات الجوهرية: وهي تنظر في المحتوى أي المادة الدراسية، أيها أجدر بالدراسة أي: أيها أجدر بتحقيق حاجات، وأهداف لكل من المتعلم، والمجتمع، والمؤسسة التعليمية.
ثانيًا: تصنيف نظرياتِ المنْهَج حَسب مجالات بحثها أو دراستها:
يمكن تصنيف نظريات المنهج حسب مجالات بحثها أو دراستها كما يلي:
- نظريات ذات توجّه تَكويني: وهي تهتم بالدرجة الأولى بتحليل مكونات المنهج، وعلاقة تلك المكونات بعضها ببعض، والمؤثرات الخارجية والداخلية، وبعض العوامل المرتبطة بمكونات المنهج. وتميل هذه النظريات ذات التوجه التكويني إلى أن تكون نظريات وصفية، ونظريات تفسيرية في غايتها.
- نظريات ذات توجه قيمي: وهي تهتم بتحليل قيم وأخلاقيات واضعوا المناهج وفروضهم، والنتائج المُترتبة على ذلك، وهي تميل إلى كونها نظريات ذات طبيعة نقدية.
- نَظريات ذات تَوجّه نحو العمليات: وهي تهتم بالكيفية التي يمكن أن يتطور بها المنهج؛ فهي تميل إلى أن تكون توجيهية وإرشادية.
- نَظريّات ذات توجه نحو المحتوى: وهي تهتم بمحتوى المنهج وتحديده، وهي بهذا تعد نظريات توجيهية في طبيعتها.
ثالثًا: تصنيف نظريات المنهج حسب الفلسفة التي تقوم عليها، وانعكاساتها على المنهج:
ويمكن تصنيف نظريات المنهج حسب الفلسفة التي تقوم عليها كل نظرية في ضوء انعكاسات كل منها على المنهج.