تطويل الصوت أو تقصيره
الصوت فيه سياقات، عندما نقول: سياق، ننظر في السياقات، السياق سياق صوتي -البيئة الصوتية- يعني: الصوت داخل بيئته الصوتية، الصوت قبله والذي بعده، أيضًا يوجد سياق حالي، هو حال المتكلم -حال السامع-، الظروف والملابسات المحيطة بالكلام.
السياق اللغوي: أن يفسر الكلمة باعتبار ما قبلها وما بعدها، كلفظ “جلل” قد يكون معنى لفظ “جلل”: العظيم، وقد يكون معناه: الحقير أو اليسير.
الشاعر عندما يتحدث عن مقتل أخيه، فيقول:
فلإن عفوتُ لأعفون جللًا | * | …. …. …. …. |
الإنسان لا يفتخر إلا بالعفو عن شيء عظيم.
يعني: عفوًا عظيمًا.
…. …. …. …. | * | ولئن سطوتُ لأوهنن عظمي |
يعني: الذي قتل أخاه، كان من نفس القبيلة؛ لأن القبيلة هو منها وهي منه.
هذا هو السياق اللغوي، وسياق اللغة يسمى “السياق الصريح” سياق حال، ويسمى السياق “غير الصريح، أو سياق خارجي” يعني: ليس من داخل الكلام.
ظاهرة الفونيم التي سبق الحديث عنها: هي الوحدة النطقية نابعة من دراسة البيئة الصوتية، تنبه إليه ابن جني قديمًا، فقال: “وذلك أن الحرف الساكن ليست حاله إذا أدرجته إلى ما بعده، كحاله لو وقفتَ عليه”. ابن جني هو الذي أشار إلى ذلك، وهو ما سمي فيما بعد بـ”نظرية الفونيم”.
يقول ابن جني: “وذلك لأن من الحروف حروفًا إذا وقفتَ عليها لحقها صويت ما من بعدها، فإذا أدرجتها إلى ما بعدها ضعف ذلك الصويت وتضاءل للحس، نحو قولك: إح، إص، إث، إف، إخ، إك. وقفت على هذه الأصوات، فإذا قلت: يحرد، ووصلت الصوت -يعني: صوت الحاء- بالأصوات ما قبله وما بعده، قلتَ: يحرد، وإذا وصلت الصادَ بما قبلها وما بعدها، قلتَ: يصبر، وإذا وصلت السين بما قبلها وما بعدها، قلتَ: يسلم، وإذا وصلت الثاء بما قبلها وما بعدها، قلتَ: يُثرِّد أو يَثرد، وإذا وصلت الفاء بما بعدها، قلتَ: يفتح، وإذا وصلت الخاء بما بعدها وما قبلها، قلتَ: يخرج، وفي هذه الحال خفي ذلك الصُويت وقَلَّ. إذا وقفت على الحرف منفردًا، كان له صويت، وإذا أدرجته إلى ما بعده، ضعُف ذلك الصويت وتضاءل.
فعندما ننطق بصوت مهموس كالصاد، ونأتي بعدها بصوت مجهور، يعني: الصوت المهموس -الصاد، الأصوات المهموسة: مجموعة في “سكت فحسه شخص”، الطاء والقاف عند المحدثين- ثم أتينا بعده بصوت مجهور، فسنجد صوتًا مهموسًا يتأثر بالصوت المجهور، مثلًا في قوله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص: 23].
ننطق الصاد بالإشمام كما قرأها حمزة والكسائي: “حتى يصدر الرعاء” ننطق الصاد بزاي مفخمة، تأثرت الصاد؛ لأن الصاد صوت مهموس، تأثرت بالدال، والدال التي أتت بعد الصاد صوت مجهور، يعني: يهز الأوتار الصوتية، عندما نطقنا بالصاد مخالطة لصوت الدال، أو متصلة بصوت الدال، نطقنا الصاد بزاي المفخمة؛ لأن الزاي المفخمة تجمع بين الدال؛ لأن الزاي مجهورة، والدال مجهورة.
لأن أصوات الإطباق في أعلى درجات التفخيم -أصوات الإطباق: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء-؛ لأن هذه الأصوات مفخمة تفخيمًا كليًّا. صوت الصاد صوت مفخم وصوت مهموس، فعندما نأتي بالزاي المفخمة.
إذن تجمع الزاي المفخمة بين الدال وتجمع بين الصاد؛ لأن الزاي مجهورة والدال مجهورة، وتجمع أيضًا الزاي بين الصاد وبين الزاي؛ لأن الزاي أصبحت مفخمة، إذن يكون لها صلة بالصاد؛ لأن الصاد مفخمة أيضًا، إذن هذا من تأثر الأصوات بعضها ببعض.
مظاهر التأثر بالسياق الصوتي:
أولًا: تطويل الصوت
كصوت المد حين يكون بعده همزة أو ساكن، في القراءات: مثل: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} [البقرة: 90]. {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] هنا تأثر صوت المد بالهمزة أو بالساكن بعده، في القراءات: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} نسميه صوتًا مديدًا. الصوت: إما صوت مد، مد طبيعي أو صوت مديد، فصوت مديد عندما يأتي بعد الألف همزة، أو يأتي بعد الألف صوت ساكن: {وَلَا الضَّالِّينَ} الصوت المشدد بصوتين: الأول ساكن، والثاني متحرك.
أيضًا من مظاهر التأثر بالسياق الصوتي: تقصير الصوت وهو سرعة النطق بالحركة التي في آخر الكلمة الموقوف عليها، وهو ما يُعرف عند القراء بـ”الروم” مثل: يأمركم الراء مشكلة بالضمة، يأمركم حركة قصيرة، إنما عندما نقول: “يأمركم” ونختلس الحركة، فتكون الحركة مختلسة، يعني: اقتطعنا بعضها، نطقناها بسرعة، اقتطع منها شيء، أو اقتطع منها بعض الصوت. إذن نسميها حركة مختلسة”. حركة قصيرة: الفتحة، والضمة، والكسرة. عندما نقول مثلًا في: يأمركم “يأمرْكم” تنطقها بين السكون وبين الحركة، تقتطع جزءًا من الحركة، فنسميها “حركة الروم” أو نسميها “حركة مختلسة”.