Top
Image Alt

تعارض الجرح والتعديل

  /  تعارض الجرح والتعديل

تعارض الجرح والتعديل

ما الحكم إذا اجتمع الجرح والتعديل في شخص واحد من أكثر من عالِم؟

المذهب الأول: ذهب جمهور العلماء من المحدِّثين والفقهاء والأصوليين إلى أنه إذا اجتمع في الراوي جرح مفسر وتعديل، فالجرح مقدم على التعديل ولو زاد عدد المعدِّلين؛ وذلك للآتي:

أولًا: الجارح معه زيادة علم لم يطلع عليها المعدِّل؛ لأن المعدِّل لا يلازم من عدَّله في كل أوقاته وأحواله.

ثانيًا: الجارح مصدِّق للمعدِّل فيما أخبر به عن ظاهر حاله، إلا أنه يُخبر عن أمر باطن خفيَ على المعدِّل، فيكون ذلك جمعًا بين قولي الجارح والمعدِّل، وليس في ذلك تكذيب للمعدِّل.

ثالثًا: الجارح مثبِت والمعدِّل نافٍ، والمثبِت مقدّم على النافي.

رابعًا: لو أخذنا بقول المعدِّل لكان في ذلك تكذيبٌ للجارح، وتكذيب العدل خلاف الظاهر؛ فلا يُقدّم عليه.

ملحوظة:

القول بتقديم الجرح المفسَّر على التعديل إذا أُطلق التعديل، أما إذا قال المعدِّل: عرفت السبب الذي ذكره الجارح، لكنه تابَ وحسنت توبته فإنه حينئذ يقدم التعديل على الجرح، وكذلك لو نفى المعدِّل الجرح بطريق معتَبر، كأن يُجرَّح الراوي بأمرٍ، ويبين المعدِّل أن هذا الأمر وقع بعد وفاة الراوي، ومن المعلوم أن الشيخين “البخاري ومسلم” وغيرهم قد خرَّجا لرجال سبق الطعن فيهم من غيرهم؛ لأن ذلك الجرح لم يكن مفسَّرًا.

المذهب الثاني: ذهب جماعة من العلماء إلى أن التعديل يقدَّم على الجرح إن زاد المعدِّلون على المجرِّحين في العدد؛ لأن كثرتهم تُقوي حالهم، وتُوجِب العمل بخبرهم، وقلة الجارحين تُضعَّف خبرهم، فالكثرة تُقوي الظنّ، والعمل بأقوى الظنين واجبٌ، كما في تعارض الحديثين.

الرد على أصحاب هذا المذهب:

لقد رد العلماء على أصحاب هذا المذهب وبيَّنوا ضعفه:

قال الخطيب في الرد عليهم: وهذا خطأ وبُعدٌ ممن توهّمه؛ وذلك لأن المعدِّلين وإن كثروا لم يخبروا عن عدم ما أخبر به الجارحون، ولو أخبروا بذلك، وقالوا: نشهد أن هذا لم يقع منه لخرجوا بذلك من أن يكونوا أهل تعديل أو جرح؛ لأنها تكون شهادة باطلة على نفي ما يصح، ويجوز وقوعه، وإن لم يعلموه؛ فثبت ما ذكرناه، ولأن تقديم الجرح إنما هو لتضمنه زيادة خفيت على المعدِّل، وذلك موجودٌ مع زيادة عدد المعدِّلين ونقصه ومساواته، فلو جرَّحه واحد وعدّله كثير قُدِّم الواحد بشرط أن يكون الجرح مفسَّرًا.

إذا تعارض الجرح والتعديل فلا بد من الوقوف على حقيقة التعارض، وهل هو تعارض حقيقي؟ أم تعارض ظاهري؟ فإن كان التعارض من حيث الظاهر فلا بد من رفع هذا التعارض، فقد يُجرَّح الراوي بسوء حفظ مختص بشيء معين أو بطائفة من الشيوخ، غير أنه ثقةٌ في حديث غيرهم، قد يجرح الراوي بسوء حفظ مختص بآخر عمره لأنه اختلط في آخر عمره وحدَّث بعد الاختلاط، فإن عُرف تاريخ اختلاطه، أو عُرف من روى عنه قبل الاختلاط ممن روى عنه بعد الاختلاط فهذا مخرَج حسن؛ فيكون حديثُ من روى عنه قبل الاختلاط مقبول، أما حديث من روى عنه بعد الاختلاط فيُتوقّف فيه خشية أن يكون قد أخطأ فيه، وسبق الحديث عن الاختلاط والمختلطين.

ما الحكم إذا اجتمع الجرح والتعديل في شخص واحد من عالم واحد؟

إذا اجتمع الجرح والتعديل في راوٍ واحد من عالم واحد فإن العمل على آخر القولين، إن علم المتأخِّر منهما، وإن لم يُعلم فالواجب التوقف.

والصواب: إذا جاء الجرح والتعديل من عالمٍ واحد في شخص واحد فالترجيح للتعديل، ويحمل الجرح على شيء بعينه.

التعديل على الإبهام:

هل يكفي في التعديل قول المعدل: حدثني الثقة، ولو لم يُسمِّه؟

المذهب الأول: ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يُجزئ التعديل على الإبهام من غير تسمية المعدَّل، فإذا قال المعدِّل: حدثني الثقة، من غير أن يُسمِّيه، لم يُكتفَ بذلك في التعديل؛ لأنه قد يكون ثقة عنده وغيره من العلماء قد اطلع على جرحه بما هو جارح عنده، أو بالإجماع، فيُحتاج إلى أن يُسمِّيه حتى يُعرف، بل إضرابه عن تسميته مُريبٌ، يُوقع في القلب فيه تردد.

المذهب الثاني: نقل ابن الصباغ عن أبي حنيفة: أن العدل لو قال: حدثني الثقة- اكتُفي بذلك في التعديل كما لو عيَّنه؛ لأن هذا المعدِّل مأمون في الحالتين معًا؛ في حالة التعديل مع التسمية، وفي حالة التعديل مع الإبهام، وهذا بناءً على قول من يَحتج بالمرسل، من أجل أن المرسِل لو لم يحتج بالمحذوف لما حذفه، فكأنه عدَّله، بل هو في هذه المسألة أولى بالقبول؛ لتصريحه فيها بالتعديل. والصحيح هو المذهب الأول.

هل رواية العدل تعتبر تعديلًا لمن روى عنه؟

المذهب الصحيح: ذهب الأكثرون من أهل الحديث وغيرهم إلى أن العدل إذا روى عمن سمّاه لم يكن تعديلًا له؛ وذلك لأنه يجوز للعدل أن يروي عن غير العدل، فلم تتضمن روايته عنه تعديلًا له، وكان الأئمة  رضي الله عنهم  يروون أحاديث الضعفاء والكذَّابين؛ ليحفظوها للاحتراس والتحفظ منها.

المذهب الثاني: ذهب بعض العلماء إلى أن العدل لو روى عمن سماه؛ فإن ذلك تعديلًا له؛ لأنه لو علم فيه جرحًا لذكره، ولو لم يذكره لكان غاشًّا في الدين، وكان بذلك مدلِّسًا. ولكن هذا الكلام فيه نظر، والصحيح هو المذهب الأول.

error: النص محمي !!