تعجيل الأجرة أو تأجيلها
يرى الحنفية والمالكية، أن الأجرة لا تستحق بنفس العقد، إنما تستحق باشتراط التعجيل، أو استيفاء المنفعة من المعقود عليه، وزاد الحنفية التعجيل بالفعل، يعني: إذا عجل من عليه الأجرة، ودفعها فورًا، فلا بأس بذلك، والقاعدة عند المالكية: التأجيل هو الأصل خلافًا للبيع، فالأصل في البيع هو التعجيل، إلا أن الإجارة تختلف عن البيع؛ فالأصل فيها عند المالكية، هو التأجيل، إلا في مسائل ينبغِي التعجيل فيها.
وينبغي التعجيل في دفع الأجرة إن اشترط ذلك، أو جرت به العادة، أو العرف، مثل كراء الدور، والحيوانات للسفر إلى الحج، أو إذا عين الأجر، فقال: الأجرة هذا الثوب، أو هذه الشجرة، أو هذه الصرة؛ فينبغي التعجيل بدفع الأجرة.
ويجب التعجيل عندهم أيضًا إذا كان الأجر لم يعين، والمنافع مضمونه في ذمة المؤجر، فإذا شرع فيها، بالفعل فلا بأس، وأن لم يشرع لأكثر من ثلاثة أيام، فلا يجوز إلا إذا عجل الأجرة، وهذا حتى لا يكون ذلك ابتداء الدين بالدين، إلا إذا تعذر تعجيل الأجرة لسبب أو لآخر.
بينما يتجه الشافعية والحنابلة: إلى أن العقد إذا أطلق وجبت الأجرة بنفس العقد، ويجب تسلميها بتسليم العين والتمكين من الانتفاع، حتى ولو لم ينتفع المؤجر بالفعل؛ لأنه عوض أطلق ذكره في عقد المعاوضة، فيستحق بمطلق المنفعة كالثمن والمهر، فإذا استوفى المنفعة؛ وجبت الأجرة واستقرت.
وإن كانت الإجارة على عمل؛ فإن الأجر يملك بالعقد أيضًا ويثبت دينًا في ذمة المستأجر بمجرد العقد لكن لا يستحق تسليمه إلا عند تسليمه العمل، أو إيفائه بمضي المدة، إن كان الأجير خاصًّا، وإنما توقف استحقاقه على تسليم العمل؛ لأنه عوض، وفارق الإجارة على الأعيان؛ لأن تسليمها إنما يتم بمجرد تسليم نفعها، وإذا استوفى المستأجر المنافع أو مضت المدة، ولا حاجز له عن الانتفاع؛ فإن البدل يستقر. معنى هذا: أن الإنسان إذا أجَّرَ شخصًا معينًا؛ ليعمل له عملًا كالموظف، أو الأجير الخاص؛ فإنه يستحق الأجرة بمضي المدة، أو باستيفاء المنفعة منه، أما الأجير المشترك فلا يستحق الأجرة إلا إذا سلم العين المتفق عليها بعد إجراء المنفعة فيها، كأن يدفع إنسان إلى آخر قماشًا ويطلب من الآخر أن يجعله ثوبًا يخيطه، فإذا خاطه تمامًا، وسلمه للمؤجر، وجبت الأجرة عندئذٍ، وليس قبل ذلك. والنبي صلى الله عليه وسلم حث على دفع الأجر، وبيَّن أن من حق المؤمنين إذا اشترطوا شروطًا أن يوفوا بها.