Top
Image Alt

تعريف الجرح والتعديل، ومشروعيته، ومن تكلم فيه

  /  تعريف الجرح والتعديل، ومشروعيته، ومن تكلم فيه

تعريف الجرح والتعديل، ومشروعيته، ومن تكلم فيه

تعريف الجرح والتعديل:

“الجَرح” -بفتح الجيم- في اللغة: قطع جسم الحيوان بحديدة ونحوها. وفي عصرنا: قطع جسم الحيوان بسكين ونحوه، وأثر هذا الجَرح وما يترتب على هذا القطع يسميه العلماء: الجُرح -بالضم.

“الجَرح” في اللغة: “الجَرح”: العيب والتنقيص، يقال: جرحه بلسانه جرحًا يعني: عابه وتنقصه، ومنه: جرحت الشاهد إذا أظهرت فيه ما ترد به شهادته، يقولون: إن هذا شاهد مجروح، يعني: ذكر فيه شيء بسببه ترد شهادته، هذا معنى الجرح في اللغة.

“الجَرح” في الاصطلاح: عرف العلماء “الجرح” اصطلاحًا بتعريفات متعددة معناها واحد، فقيل:

  • وصف الراوي بما يقتضي عدم قبول روايته، كأن تقول مثلًا: هذا الراوي كذاب، أو ليس بثقة، فأنت وصفته الآن بوصف من شأن هذا الوصف أننا لا نقبل روايته.
  • أن ينسب إلى شخص ما به ترد روايته.
  • وقد أجاد الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- حينما قال: الجَرح: أن يذكر الراوي بما يوجب رد روايته من إثباته صفة رد، أو نفي صفة قبول.

وقد قسم الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- الجرح إلى قسمين:

  • جرح مطلق: أن يذكر الراوي بالجرح بدون تقييد؛ فيكون قادحًا فيه بكل حال.
  • جرح مقيد: أن يذكر الراوي بالجرح بالنسبة لشيء معين، من شيخ، أو طائفة، أو نحو ذلك؛ فيكون قادحًا فيه بالنسبة إلى ذلك الشيء المعين دون غيره.

“التعديل” في اللغة: التزكية.

“التعديل” في الاصطلاح: أن ينسب إلى شخص ما به تقبل روايته.

وقد قسم الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- التعديل إلى قسمين:

  • تعديل مطلق: أن يذكر الراوي بالتعديل بدون تقييد؛ فيكون توثيقًا له بكل حال.
  • تعديل مقيد: أن يذكر الراوي بالتعديل بالنسبة لشيء معين، من شيخ، أو طائفة، أو نحو ذلك؛ فيكون توثيقًا له بالنسبة إلى ذلك الشيء المعين دون غيره.

2. مشروعية الجرح والتعديل:

غاية ما يفيد التعديل أنك تعدل إنسانًا وتزكيه، فالخطب هين وسهل، أما في جانب الجرح فقد يعترض عليك ويقال لك: هذا من باب الغِيبة، كيف تقول: فلان كذاب، أو فاسق، أو غير ثقة، أو واهٍ، أو لين، أو ضعيف، أو لا يكتب حديثه، أو يرد حديثه، أو نحو ذلك؟.

فهل لي أن أجرح شخصًا أو أعدل شخصًا بمستند من الشرع، أم الجرح والتعديل ليس لهما مستند شرعي؟.

لا شك أن الجرح والتعديل يعتبران من الأمور الشرعية؛ وقد دل على ذلك بعض الأحاديث النبوية، منها:

  • ما روي أن النبي صلى الله عليه  وسلم قال في حق عبد الله بن عمر رضي الله  عنهما: ((أرى عبد الله رجلًا صالحًا)) الحديث رواه الإمام مسلم في (صحيحه) في كتاب فضائل الصحابة.

وهذا الكلام من الرسول صلى الله عليه  وسلم تعديل لعبد الله بن عمر؛ فهو سند شرعي يدل على جواز التعديل؛ لأن هذا سيد الخلق صلى الله عليه  وسلم يُعدل بعض أصحابه.

  • ما روي: ((أن فاطمة بنت قيس تقدم لخطبتها معاوية بن أبي سفيان، وأبو جهم بن حذيفة القرشي العدوي، فاستشارت رسول الله صلى الله عليه  وسلم فقال النبي صلى الله عليه  وسلم: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، ولكن انكحي أسامة بن زيد. قالت: فكرهته. ثم قال: انكحي أسامة، فنكحته فجعل الله عز وجل فيه خيرًا واغتبطت به)).

فهذه فاطمة بنت قيس تستشير النبي صلى الله عليه  وسلم في رجلين تقدما لخطبتها: معاوية بن أبي سفيان، وأبو جهم بن حذيفة القرشي، فماذا قال النبي؟ قال:

((أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه)) وهذا كناية عن أنه كان يضرب النساء كثيرًا، وقيل: كناية عن أنه كان كثير السفر، فأراد النبي صلى الله عليه  وسلم أن يعلم فاطمة بنت قيس أن هذا الذي تقدم لك فيه كذا وكذا.

((وأما معاوية فصعلوك)) ومعنى ((صعلوك)) يعني: فقير في غاية الفقر لا يملك شيئًا، فهذا يضرب النساء، وهذا فقير لا يملك شيئًا من المال.

ثم أشار صلى الله عليه  وسلم عليها أن تتزوج أسامة بن زيد، فكرهت أسامة في أول الأمر، فأصر النبي عليها، فلما تزوجته كان في هذا الزواج خير كثير.

قال بعض أهل العلم: وإذا ثبت الأمر بالجرح وثبت صدور الجرح والتعديل من النبي صلى الله عليه  وسلم لدفع الضرر عن آحاد الناس؛ ثبت بالأولى لدفع الضرر عن الشريعة؛ لصيانتها من أهل الضلالة والجهالة.

أليس في ذكر المساوئ في الجرح غيبة محرَّمة؟

ليس في ذكر المساوئ في الجرح من الغيبة المحرمة؛ لأنَّه نصيحة لا يقصد بها انتقاص ولا ازدراء، فقد قال أبو تراب النخشبي لأحمد بن حنبل -رحمه الله: يا شيخ، أتغتاب العلماء حيث تقول: فلان ضعيف، فلان ثقة، فقال الإمام أحمد: ويحك! هذا نصيحة وليس بغيبة.

إذن ذكر المساوئ في باب الجرح ليس فيه غيبة، وليس فيه انتقاص من المجروح؛ لأننا في هذه الحالة نحافظ على الشريعة، ونحافظ على الدين.

3. من تكلم في الجرح والتعديل:

وأول من تكلم في الجرح والتعديل من التابعين: الشعبي، وابن سيرين، وسعيد بن المسيب.

ولا شك أن من تكلم في الجرح والتعديل من الصحابة والتابعين قليل بالنسبة لمن تكلم بعدهم؛ وذلك لقلة الضعف فيمن يروون عنهم، فالصحابة كلهم عدول -كما تعلمون- وغير الصحابة منهم ثقات؛ إذ لا يكاد يوجد في القرن الأول من الضعفاء إلا القليل، وأما القرن الثاني فقد كان في أوائله من أواسط التابعين جماعة من الضعفاء، وضعف أكثرهم نشأ غالبا من قبل تحملهم وضبطهم للحديث، يعني: ليس لتعمدهم الكذب أبدًا، فكانوا يرسلون كثيرًا، يعني: يرسلون الأحاديث، ويرفعون الموقوف، وكانت لهم بعض الأغلاط، لكن ليست عن تعمد.

ولما كان آخر عصر التابعين -وهو في حدود الخمسين ومائة- تكلم في التعديل والتجريح طائفة من الأئمة، فضعف الأعمش جماعة، ووثق آخرين، ونظر في الرجال شعبة، وكان متثبتًا لا يكاد يروي إلا عن ثقة، ومثله الإمام مالك، رحمه الله.

error: النص محمي !!