Top
Image Alt

تعريف الجناية، وأنواع الجناية على النفوس

  /  تعريف الجناية، وأنواع الجناية على النفوس

تعريف الجناية، وأنواع الجناية على النفوس

الجناية، مأخوذة من جنى الذنب عليه يجنيه جناية، أي: جرَّه إليه، والفاعل جانٍ وجناة، وتقول: جنى فلان على قومه جناية، أي: أذنب ذنبًا يؤاخذ به.

أما عن تعريف الجناية في مفهوم الشرع، فهي: كل عدوان من قول، أو فعل يجره إنسان على نفسه أو غيره، وقد غلب في لسان الفقهاء الحديث على الجرح، والقطع من جملة الحديث عن الجناية، وهنا يجب علينا أن نذكر أنواع الجناية؛ إتمامًا للفائدة ما أمكن، وفي بيان ذلك نقول:

الجناية ستة أنواع:

  1. الجناية على النفوس، والأبدان.
  2. الجناية على الأنساب.
  3. الجناية على الأعراض.
  4. الجناية على الأموال.
  5. الجناية على العقول.
  6. الجناية على الأديان.

ونبتدئ بالنوع الأول؛ لنتحدث عن الجناية على النفوس، والأبدان، حتى نتحدث من خلال ذلك عن القصاص في النفوس، ولبيان ذلك نقول: إن هذا النوع من الجنايات ينقسم إلى ثلاثة أقسام؛ الجناية على النفس بالقتل، والجناية على ما دون النفس من الأطراف، أو الجروح، والجناية على ما هو نفس من وجه دون وجه، كالجناية على الجنين مثلًا.

أما عن قتل النفس المستوجب للعقوبة التي قد تكون القصاص، أو الدية، أو الكفارة؛ فنقول:

يقع قتل النفس على ثلاثة دروب؛ الدرب الأول: القتل العمد، والثاني: القتل شبه العمد، والثالث: القتل الخطأ، هذا؛ وقد أضاف فقهاء الحنفية دربًا رابعًا قريبًا في مدلوله من الثالث، وأطلقوا عليه: القتل في معنى الخطأ، وسوف نعرض هنا لكل واحد من هذه الدروب بشيء من التفصيل، مبتدئين بالدرب الأول؛ وهو القتل العمد الذي يستوجب القصاص، ولنا أن نتخيل هذا النوع من القتل، فنقول: هو ما كان ظلمًا من حيث كونه مزهقًا للروح بغير حق، ومن حيث أن يقصده المعتدِّي بمحدد، أو بآلة يُقتل بها غالبًا.

إذًا من خلال بيان ذلك، يمكن حصر القتل العمد الموجب للقصاص في نوعين؛ أولهما: القتل بالمحدد، وثانيهما: القتل بغير المحدد.

أما القتل بغير المحدد، فيمكن تصنيفه إلى سبعة دروب، وهي تتضمن عامة صور القتل العمد الموجب للقصاص، على الخلاف بين الفقهاء في ذلك، مع ملاحظة أن المحدد: هي آلة من آلات القتل طرفها مدبب، كالسيف مثلًا من شأنه أن ينفذ في البدن بسهولة ويسر عند تعمد القتل به، ويسمى القتل بالمحدد؛ لأن له حدًّا يجرح، أو يقطع؛ وعليه فالقتل بالمحدد، والضرب بآلة ذات حدّ مما يستوجب القطع، كما يستوجب دخول تلك الآلة البدن كالسيف، والسكين، وما في معنى ذلك مما له حد يترتب عليه الجرح، ويستوي في ذلك ما إذا كان من الحديد، أو النحاس، أو الرصاص، أو الفضة، فإن ذلك جميعه إذا وقع به جرح كبير أدى إلى الموت، كان ذلك قتلًا عمدًا يستوجب القصاص دون خلاف؛ لأن ذلك -كما ذكرنا- مما يقتل غالبًا.

إذن من استعمل آلة من آلات القتل المحددة كالسيف، والسكين في بدن آخر ومات هذا الآخر؛ فإنه لا شك أن هذه جريمة عمدية تستوجب القصاص من الفاعل، دون خلاف بين الفقهاء.

أما القتل بغير المحدد؛ وغير المحدد: هو ما كان غير ذي حد مما يقع به القتل، أو الجرح أيضًا، أو ما كان الضرب فيه بآلة غير ذات حد، كما لو كان قتلًا بالمُثقل، أو قتلًا باستعمال السم، أو قتلًا بالتغريق، أو قتلًا عن طريق الإلقاء من شاهق –يعني: من مكان مرتفع- إلى غير ذلك من وجوه القتل مما يغلب على الظن حصول الزهوق به لدى استعماله، أي: حصول الموت بهذه الآلة عند الاستعمال، ولا شك أن ذلك عمد موجب للقصاص عند جمهور أهل العلم سلفًا وخلفًا، إلا أننا -مع ذلك- وجدنا رأيًا آخر في هذه المسألة، يرى أنه لا قود في ذلك -أي: لا قصاص في ذلك- إلا أن يكون القتل قد تم بسلاح، وقال بهذا الحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وخلْق كثير، ويقول الإمام أبو حنيفة أيضًا في هذا الشأن: “لا قود في ذلك إلا أن يكون القتل بالمحدد مما يجرح أو يقطع”.

وهذه المسألة إحدى الخلافيات المشهورة بين الإمام أبي حنيفة، وباقي العلماء؛ وهي مسألة القتل بغير المحدد، مما يحصل به الإزهاق بآلة، أو وسيلة لا يتم بها الجرح.

على أية حال، فإن هذا القتل سواء تم بالمحدد، أو يغير المحدد، فهو قتل عمد يستوجب القود، أو يستوجب القصاص.

هنا يتحتم علينا أن نبين حكم هذا النوع من القتل، كما يتحتم أيضًا أن نبين موجب القتل العمد، أو العقوبة المقررة في الشريعة الإسلامية عن هذا النوع من القتل.

القتل العمد بغير حق معتبر في شريعة الإسلام؛ إذ أنه من أكبر الكبائر التي توعد الله فيها القتلة الجناة بأشد العذاب، وقد نزلت آيات القرآن الكريم، تؤذن وتوضح عظمة تلك الجريمة، وفظاعتها واشتداد الغضب على الذين يجترئون على الدماء البريئة، فيغرقونها ظلمًا وعدوانًا، وفي هذا المعنى يقول الله تعالى: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93].

وفي السنة النبوية، أبلغ تنديد بالقتل ظلمًا، وفيها من الكشف عن فظاعة العدوان على الدماء البريئة ما يهزّ المشاعر، ويقرع القلوب قرعًا؛ ومن جملة ذلك، ما أخرجه النسائي، والبيهقي بإسنادهما عن بريدة قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: ((قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا)).

كما أخرج الترمذي، عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم)).

كما روى الترمذي أيضًا، عن أبي سعيد، وأبي هريرة  رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار)) إلى غير ذلك من الأحاديث التي تندد بتلك الجريمة، والتي لا يتسع المقام لذكرها.

وفي الإياس المذل والهوان الكامل الذي يسقط فيها القتلة المجرمون، روي عن ابن حبان، والحاكم بإسنادهما عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت مشركًا، أو يقتل مؤمنًا متعمدًا)).

هذا عن حكم القتل العمد في الشريعة الإسلامية.

error: النص محمي !!