تعريف الخبر، وبيان أنواعه
. مفهوم الخبر لغة واصطلاحًا:
قال ابن قدامة -رحمه الله: فصل: وحدُّ الخبر: هو الذي يتطرق إليه التصديق أو التكذيب.
والخبر في لغة العرب: مشتق من الخَبَار بفتح الخاء والباء، وهي الأرض الرخوة؛ لأن الخبر يثير العلم والفائدة كما تثير الأرض الغبار إذا قرعها الحافر ونحوه.
والخبر: نوع مخصوص من القول، وقسم من الكلام اللساني، وقد يستعمل من جهة اللغة في غير القول مجازًا؛ فالخبر: نوع مخصوص من القول، ويستعمل الخبر في غير القول، لكن على سبيل المجاز، مثال ذلك قولهم: عيناك تخبرني بكذا، ومعلوم أن العين لا تخبر بالقول، والغراب يخبر بكذا؛ ولهذا قال أبو الطيب المتنبي يمدح كافور الإخشيدي:
وكم لظلام الليل عندك من | * | يد تخبر أن المانوية تكذب؟! |
والمانوية: قوم ينسبون إلى ماني وهو رجل يقول الخير من النهار والشر من الليل، فكان يمدح النهار ويلعن الليل لما فيه من الظلمة، فرد عليه المتنبي بهذا البيت:
وكم لظلام الليل عندك من | * | يد … … … … … ؟! |
يعني: ظلام الليل الذي تزعم أنه ملعون كم فيه من خير، وفيه راحة.
الخبر اصطلاحًا: فالملاحظ أن الأصوليين أكثروا القول في تعريف الخبر، عرفوه بتعريفات كثيرة ومتعددة، فلم تتفق كلمتهم على تعريف واحد، وإنما تباينت وتغايرت، بل إن من الأصوليين من رأى عدم تعريف الخبر على أساس أن معناه معلوم بضرورة العقل.
ونحن نذكر طائفةً من هذه التعريفات، ثم نختار منها تعريفًا ونتناوله بالشرح:
التعريف الأول للخبر: هو الكلام الذي يدخله الصدق والكذب.
هذا التعريف الأول للخبر عند الأصوليين، وهذا التعريف منسوب للمعتزلة، وعليه اعتراضات كثيرة لا فائدة منها؛ لذلك لن نذكرها.
التعريف الثاني للخبر: هو الذي يدخله الصدق أو الكذب.
التعريف الثالث للخبر: هو الذي يحتمل التصديق والتكذيب.
التعريف الرابع للخبر: هو الذي يحتمل التصديق أو التكذيب.
والفرق بين هذا التعريف وبين الذي قبله: أنَّ هذا فيه “واو” العطف وهذا فيه “أو”.
التعريف الخامس للخبر: هو كلام يفيد بنفسه إضافة أمرٍ من الأمور نفيًا أو إثباتًا.
ذكر هذا التعريف أبو الحسين البصري -رحمه الله.
التعريف السادس للخبر: هو الكلام المحكوم فيه بنسبةٍ خارجية.
ذكره الأصفهاني في كتاب (المختصر).
وواضح من هذه التعريفات أنها تعريفات متقاربة، أما التعريف الذي نختاره ونشرحه، وهو تعريف أكثر العلماء، قالوا: الخبر قول يحتمل الصدق والكذب لذاته.
قولهم: الخبر قول: كلمة “قول” جنس في التعريف تشمل كل قول، سواء كان خبرًا أو إنشاءً؛ لأنَّ الكلام ينقسم إلى خبر وإنشاء.
وقولهم: يحتمل الصدق والكذب قيد أول يخرج به الإنشاء؛ لأن الإنشاء لا يحتمل الصدق ولا الكذب؛ لأن منشأ احتمال الصدق والكذب هو النسبة الكلامية من حيث مطابقتها للنسبة الخارجية أو عدم مطابقتها لها، والإنشاء ليس له نسبة خارجية قبل النطق به حتى يقال: إنَّ النسبة الكلامية مطابقة لها أو غير مطابقة.
وقولهم: قول يحتمل الصدق والكذب لذاته، كلمة “لذاته” قيد ثانٍ ٍفي التعريف قصد به إدخال الخبر الذي لا يحتمل إلا الصدق، كخبر الله تعالى، وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم وخبر مجموع الأمة، وكذلك الذي لا يحتمل إلا الكذب كخبر مسيلمة الكذاب، فإن عدم احتمال الأول -يعني: خبر الله وخبر رسوله وخبر مجموع الأمة- للكذب والثاني للصدق -وهو خبر مسيلمة- ليس ذات الخبر من حيث إنَّه نسبة شيءٍ إلى شيء آخر، بل منشأ ذلك النظر إلى نفس المتكلم بالخبر، واعتبار القرائن المعينة لأحد الاحتمالين لا يخرج الخبر عن كونه محتملًا للصدق والكذب باعتبار ذاته.
إذن نخلص من هذا: أنَّ الخبر في اصطلاح الأصوليين: هو قول يحتمل الصدق والكذب لذاته.
2. إطلاق الخبر:
وهنا فائدة لا بد أن نذكرها لكم، الخبر له إطلاقات، فيطلق الخبر في اصطلاح العلماء على عدة إطلاقات:
الإطلاق الأول: يطلق على المحتمل للتصديق والتكذيب المقابل للإنشاء، وهو اصطلاح أهل اللغة والأصوليين.
الإطلاق الثاني: يطلق الخبر على ما هو أعم من الإنشاء والطلب، وهذا إطلاق المحدثين.
الإطلاق الثالث: يطلق الخبر على ما يقابل المبتدأ، وهذا إطلاق النحاة، يقولون: المبتدأ والخبر.
الإطلاق الرابع: يطلق الخبر على القضية، وهو إطلاق المناطقة، وسميت بذلك لما فيها من القضاء بشيءٍ على شيء.
هل للخبر صيغة تخصه؟
الصواب -وهو ما ذهب إليه أكثر العلماء: أنَّ للخبر صيغة تدل بمجردها على كونه خبرًا؛ لأنَّ ما احتمل الصدق والخبر لذاته خبر، وخالف في ذلك بعض أهل العلم وقالوا: ليس للخبر صيغة تخصه، قال أبو إسحاق الشيرازي -رحمه الله- وهو يستدل على أنَّ للخبر صيغة:
والدليل على ذلك أنَّ أهل اللسان قسموا الكلام فقالوا: أمر، ونهي، وخبر، واستخبار.