تعريف الخنثى، والعلامات التي توضح حاله قبل البلوغ
تعريف الخنثى في اللغة:
الخنثى على وزن فُعلى، بضم الفاء وسكون العين، من الخنْث بفتح الخاء وسكون النون: وهو اللين والتكسر، يقال: خَنِثَ -بفتح كلٍّ من الخاء والثاء بينهما نون مكسورة- الرجل خنثًا بفتح كل من الخاء والنون: فَعل فِعل المخنّث، واسترخى وتثنى وتكسر، فهو خَنِث بكسر النون، وخنَّث -بتشديد النون المفتوحة- كلامه: أتى به شبيهًا بكلام النساء لينًا ورخامة، أو من قولهم: خَنَثَ -بفتح الثلاثة- الطعام: إذا اشتبه أمره، ولم يخلص طعمه؛ فلم يخلص طعمه المقصود منه، وشارك طعم غيره؛ وسمي بذلك لاشتراك الشبهين فيه.
والخُنُوثة: مصدر مأخوذ من الخنثى، والجمع خناثى بفتح الثلاثة الخاء والنون والثاء وألفه للتأنيث، فهو غير متصرِّف، والضمائر العائدة عليه يؤتى بها مذكرة وإن اتضحت أنوثته؛ لأن مدلوله شخص صفته كذا وكذا.
تعريفه في الاصطلاح: عرف الفقهاء الخنثى: بأنه شخصٌ له آلة الرجل وآلة المرأة معًا، أو ليس له شيء منهما أصلًا؛ بأن يكون له ثقب كثقب الطائر يبول منه، وقيل: إن هذا نادر الوجود، وهناك ما هو أندر من هذا، وقد ذكره العلامة ابن قدامة في كتابه (المغني) حيث يقول:
وقد وجدنا في عصرنا شيئًا شبيهًا بهذا، لم يذكره الفَرَضيون ولم يسمعوا به؛ فإنا وجدنا شخصين ليس لهما في قُبلهما مخرج، لا ذكر ولا فرج:
أما أحدهما: فذُكِرَ وأنه ليس في قُبله إلا لحمة ناتئة كالربوة، يرفحُ البول منها رشحًا على الدوام، وأرسل إلينا يسألنا عن حكمه في الصلاة والتحرز من النجاسة في هذه السنة -وهي سنة ست عشرة وستمائة.
والثاني: شخصٌ ليس له إلا مخرج واحد فيما بين المخرجين منه يتغوط ومنه يبول، وسألت من أخبرني عنه عن ذِكْرِه فأخبرني أنه إنما يلبس لباس النساء ويخالطهن ويغزِل معهن، ويعد نفسه امرأة.
وحُدِّثت أن في بعض بلاد العجم شخصًا ليس له مخرج أصلًا لا قبل ولا دبر، وإنما يتقيء ما يأكله وما يشربه، فهذا وما أشبهه في معنى الخنثى، إلا أنه لا يمكن اعتباره بمباله -أي بالمكان الذي يتبول منه- فإن لم يكن له علامة أخرى فهو مشكل؛ ينبغي أن يثبت له حكم الخنثى المشكل في ميراثه وأحكامه كلها، والله تعالى أعلى وأعلم. انتهى كلام العلامة ابن قدامة.
وذلك لأن الشخص الواحد لا يكون ذكرًا وأنثى حقيقة؛ فإما أن يكون ذكرًا وإما أن يكون أنثى، ولقد جاء في (شرح الحدود) لابن عرفة: الخنثى من له فرج الذكر والأنثى، ثم قال: هذا الرسم -يعني الخنثى المشكل وغير المشكل- وهو ظاهر، فإن وُجِد دليل يدل على الذكورية أو الأنوثية عومل عليه، وإلا كان مشكلًا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء} [النساء: 1] وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى} [الحجرات: 13] وقال عز من قائل: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُور * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِير} [الشورى: 50].
من هنا يتضح أن الله سبحانه وتعالى قد اقتضت حكمته ومشيئته أن يخلق بني آدم من نوعين اثنين لا ثالث لهما؛ إما ذكر حقيقة وإما أنثى حقيقة، ولم يكن هناك نوعٌ ثالث كما دلت على ذلك الآيات الكريمات؛ أي: لم يكن هناك الذكر والأنثى معًا حقيقة لما بينهما من التضاد “التكوين الخلقي والطبعي والجنسي” وأداء كل منهما لوظيفته الخاصة به التي خُلِق من أجلها والتي لا يحسنها سواه، ومع ذلك قد يقع الاشتباه بأن توجد الآلتان معًا في إنسان ما، وهنا إما أن تغلب إحداهما على الأخرى، وإما ألا يكون ذلك؛ فإن غلبت إحداهما على الأخرى نُسب إليها، فإن بال من آلة الذكورة فهو رجل، وإن بال من آلة الأنوثة فهو امرأة، وإن لم تتغلب إحداهما على الأخرى بأن تساويتا فهو خنثى مشكل إذن.
الجهات التي يمكن وجود الخنثى فيها:
يتصور وجود الخنثى في جهات أربع هي:
1- البنوة.
2- الأخوة.
3- العمومة.
4- الولاء.
أولًا: جهة البنوة: يمكن أن يكون الخنثى ابنًا أو بنتًا أو ابنَ ابنٍ أو بنت ابنٍ.
ثانيًا: جهة الأخوة: يمكن أن يكون الخنثى أخًا شقيقًا أو لأب أو لأم، ويمكن يكون أختا شقيقة أو لأب أو لأم، كما يمكن أن يكون ابن أخ شقيق أو لأب أو لأم، أو بنت أخٍ شقيق أو لأب أو لأم.
ثالثًا: جهة العمومة: يمكن أن يكون الخنثى عمًّا شقيقًا أو لأب أو لأم، أو عمة شقيقة أو لأب أو لأم، كما يمكن أن يكون ابن عمة أو بنت عمة أو لأب أو لأم كذلك.
رابعًا: جهة الولاء كما يمكن أن يكون الخنثى صاحب الولاء أيضًا.
الجهات التي لا يمكن وجود الخنثى فيها:
لا يوجد الخنثى ولا يُتصور في جهات ثلاثة هي: الأبوة والأمومة والزوجية.
أولًا: جهة الأبوة، لا يمكن ولا يتصور أن يكون الأب أو الجد خنثى؛ حيث إن كلًّا منهما قد تزوج وأنجب، فقد تحققت ذكورته إذن.
ثانيًا: جهة الأمومة، كما لا يمكن ولا يُتصور أن تكون الأم أو الجدة خنثى؛ حيث إن كلًّا منهما قد تزوج وأنجب كذلك، فقد تحققت أنوثتها إذن.
ثالثًا: جهة الزوجية، كذلك لا يمكن ولا يتصور أن يكون الزوج أو الزوجة خنثى؛ لأنه لا يصح تزويج أحدهما وحاله مشكل، فلا ندري أنزوِّجه على أنه ذكر أما على أنه أنثى، فما دام قد تزوج فهو على الصفة التي تزوج عليها من ذكورة أو أنوثة.
وهنا نتسأل: متى كانت أول حالة لميراث الخنثى؟
والجواب على هذا السؤال:
أول حكم في ميراث الخنثى كان في الجاهلية، وأول من حكم به هو عامر بن الضرب العدواني، وكان حكيم العرب، لا تقع لهم معضلة إلا اختصموا إليه ورضوا بحكمه، وفي مرة سألوه عن ميراث الخنثى: أنورّثه على أنه ذكر أم على أنه أنثى؟ فتوقف وقال: أمهلوني حتى أنظر في أمركم، وبات ليلته ساهرًا، وقد أقاموا عنده أربعين يومًا وهو يذبح لهم كل يوم، وكانت له أَمَة يقال لها: سُخيلة أو خُصيلة ترعى له غنمه، فلما رأته متحيرًا قلقًا سألته عم به؟ وقالت له: ما أسهرك يا سيدي؟ قال لها: لا تسألي عما لا علم لك به، ليس هذا من عند رعي الغنم، فذهبت ثم عادت وأعادت السؤال، فأعاد جوابه، فراجعته ثم قالت له: لعل عندي مخرجًا، فإن مقام هؤلاء عندك قد أسرع في غنمك، قال: ويحك! لم تشكل علي حكومة قط غير هذه، وأخبرها بما نزل به من أمر الخنثى، فقالت: أتْبِع الحكم المبال، أو قالت: أتبع القضاء المبال، ففرح وزال غمه، فقال: فرجتيها والله يا سُخيلة، ثم صارت مثلًا، ثم خرج حين أصبح وقضى به، واستقر عليه الحكم.
ثم أول من حكم به في الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث جعل الحكم بالمبال أيضًا.
العلامات التي توضح حال الخنثى:
نستطيع أن نتبين حال الخنثى -من حيث الذكورة والأنوثة- بعلامات مميزة لذلك، تكشف أمره وتحدد حاله، ومن ثم فإنه يرث بالحال الذي استقر عليها، وهذه العلامات على نوعين: بعضها يكون في الصغر وبعضها لا يكون ولا يظهر إلا في الكبر عند البلوغ.
العلامات التي تكون في الصغر:
علامة الصغر البول؛ أي العلامة الوحيدة التي يتضح بها حال الخنثى في الصغر، أما بقية العلامات فلا توجد إلا في الكبر عند البلوغ، وإن كان البول يوجد في الصغر والكبر؛ لذلك فإنه من أهم وأعم العلامات لوجوده في الصغير والكبير كما ذكرنا، فإن بال من آلة الرجال فغلامٌ، وإن بال من آلة النساء فأنثى؛ لأن البول من أي عضو كان دليلا على أنه هو العضو الأصلي الصحيح والآخر زائد، أو بمنزلة العيب، وإن بال من الآلتين معًا فالحكم للأسبق منهما؛ أي إن سبق خروج البول من عضو الرجال فهو ذكر وإن سبق خروجه من عضو النساء فهو أنثى؛ لأن سبق البول من أحد العضوين دليلٌ على أنه هو العضو الأصلي للإنسان، وخروج البول من غيره إنما هو انحراف عنه؛ والدليل على ذلك: ما روي أن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن مولود له قُبل وذَكرٌ: من أين يُورّث؟ فقال: ((من حيث يبول)) كما روي أنه صلى الله عليه وسلم أُتي بخنثى فقال: ((ورثوه من أول من يبول منه)) والحديثان رواهما البيهقي في (السنن الكبرى) والدارقطني في سننه والدرامي في سننه.
هذا عند سبق البول من إحدى الآلتين. فإن تساوت الآلتين في السبق، ولم تتغلب إحداهما على الأخرى فالمسألة فيها مذهبان:
المذهب الأول: ذهب أبو حنيفة والشافعية في أحد القولين عندهم الحنابلة في قول لهم: إنه يبقى مشكلًا حتى يكبر وتظهر به علامة قاطعة على ذكورته أو على أنوثته، ولا عبرة بكثرة البول من أحد المخرجين دون الآخر؛ لأن كثرة ما يخرج ليس دليلًا على أن هذا العضو هو الأصلي، بل يرجع ذلك إلى اتساع المخرج وضيقه.
المذهب الثاني: وذهب المالكية والشافعية في قولهم الثاني، والحنابلة في قول آخر لهم والصاحبان: إلى أن العبرة بكثرة البول؛ فإن كان الخروج من آلة الرجال فهو ذكر، وإن كان الخروج من أكثر آلة النساء فهو أنثى؛ لأن خروجه الأكثر من أحد العضوين دليلٌ على أنه العضو الأصلي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن للأكثر حكم الكل؛ لذلك كانت الغلبة للأكثر، وبه يترجح جانب الذكورة أو الأنوثة.
ثم ما المراد بالكثرة هنا؟ هل المعتبر هو كثرة عدد المرات بأن يبولَ من ذكره مرتين ومن فرجه مرة أو العكس، أو من ذكره ثلاث مرات ومن فرجه مرتين أو عكسه؟ أم المعتبر هو كثرة الكمية الخارجة؟
عند المالكية والحنابلة: يكون المعتبر فيهما معًا؛ أي كثرة عدد المرات وكثرة الكمية، وعند الصاحبين: طول المعتبر وكثرة الكمية؛ لأنه علامة قوة ذلك العضو وكونه عضوًا أصليًّا، ولأن للأكثر حكم الكل في أصول الشرع فيترجح بالكثرة، وعند الشافعية أطلقوا القول بالكثرة من غير اعتبار لكثرة عدد المرات ولا لكثرة كمية؛ فإن استويا في السبق وفي الكثرة فإنه يبقى مشكلًا حتى يَبلغ، وتظهر به علامة من علامات البلوغ القاطعة لذكورته أو أنوثته.
فالبول إذن يعتبر علامة فارقة في الخنثى باعتبارات ثلاثة:
الأول: بخروجه من إحدى الآلتين دون الأخرى.
الثاني: بسبق خروجه من إحدى الآلتين قبل الأخرى كل مرة.
الثالث: لكونه يخرج من إحدى الآلتين أكثر من الأخرى.