تعريف “السنة”
السنة في اللغة: على وزن “فُعلة” بمعنى: مفعولة، مِن: سننت الإبلَ، إذا أحسنتُ القيامَ عليها. وقيل غير ذلك.
وتطلق السنة في اللغة ويُراد بها عدة معانٍ، منها:
أ- الطريقة والسيرة، حسنةًَ كانت أو قبيحةً، ويشهد لهذا المعنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم : «مَن سَنَّ في الإسلام سنةً حسنةً، فعُمِلَ بها بعده، كتب له مثل أجر من عمِلَ بها، ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنةً سيئةً، فعمل بها بعده، كتب عليه مثل وزر مَن عمِلَ بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء».
حيث أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم كلمة: «سنة» على الطريقة الحسنة كما أطلقها على الطريقة المذمومة.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لتتبعنَّ سَنن الذين مِن قبلكم شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا في جُحر ضَبٍّ، لاتبعتموهم. قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فَمَنْ؟!». أخرجه البخاري ومسلم.
فكلمة “سنة” هنا أطلقت على الموافقة في المعاصي والمخالفات، والمراد بقوله: «من سن في الإسلام سنة»: من عملها ليقتدَى به فيها.
ب- تطلق السنة ويراد بها الطريقة المحمودة المستقيمة، ولذلك يقال: فلان من أهل السنة، معناه: من أهل الطريقة المستقيمة المحمودة.
وقد وردت كلمة “سنة” في الحديث وأريد بها الطريقة، وذلك في قول الرسول صلى الله عليه وسلم : «فَمَنْ رغِبَ عن سنتي، فليس مني». جزء حديث أخرجه البخاري ومسلم. فالمراد بالسنة في هذا الحديث طريقةُ النبي صلى الله عليه وسلم وهي تشمل الإسلام من أوله إلى آخره: عقيدةً، وعباداتٍ، ومعاملاتٍِ، وأخلاقًا، وآدابًا.
جـ. تطلق السنة ويراد بها العادة المستمرة والطريقة المتبعة، ومنه قوله تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب: 62]. أي: سَنَّ الله ذلك في الذين نافقوا الأنبياء وأرجفوا بهم أن يُقتلوا أين سقفوا، أي: وجدوا. وقوله تعالى: { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر: 43].
غير أن أهل اللغة اتفقوا على أن كلمة سنة إذا أطلقت انصرفت إلى الطريقة أو السيرة الحميدة فقط، ولا تستعمل في غيرها إلا مقيدةً.
السنة في الاصطلاح:
اختلف العلماء في تعريف السنة في الاصطلاح، وذلك يرجع إلى اختلاف الأغراض التي اتجهوا إليها في أبحاثهم، فعلماء أصول الفقه عنوا بالبحث عن الأدلة الشرعية، وعلماء الحديث اهتموا بنقل ما نُسِبَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلماء الفقه اهتموا بالبحث عن الأحكام الشرعية من فرضٍ، وواجبٍ، ومندوبٍ، وحرامٍِ، ومكروهٍ؛ لذلك اختلف المراد من لفظ السنة عند العلماء، وقد يقع الاختلاف بين علماء الطائفة الواحدة.
1. السنة في اصطلاح المحدثين:
المذهب الأول: مذهب الجمهور:
السنة: هي ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خلقية أو خلقية، حقيقةً أو حكمًا، حتى الحركات والسكنات في اليقظة والمنام، وكذا ما أضيف إلى الصحابة أو التابعين من قول أو فعل.
والسنة بهذا المعنى مرادفةٌ للحديث على مذهب جمهور المحدثين.
المذهب الثاني:
ذهب جماعة إلى أن السنة: هي ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خُلُقية أو خَلْقية، حقيقةً أو حكمًا، حتى الحركات والسكنات في اليقظة والمنام، أو سيرته، سواء كان ذلك قبل البعثة أو بعدها.
والسنة بهذا المعنى تكون خاصة بالمرفوع فقط، فلا تشمل الموقوفَ والمقطوعَ، وهي بهذا مرادفة للحديث على المذهب الثاني في تعريفه.
المذهب الثالث:
السنة: هي ما أضيفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خلقية أو خلقية فقط.
وهي بهذا المعنى مرادفةٌ للحديث على المذهب الثالث، فتشمل المرفوعَ فقط، ولا يدخل في هذا التعريف الحركات والسكنات.
وجهة نظر المحدثين:
لقد بَحَثَ المحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المصطفى الهادي الذي أخبر الله عز وجل عنه أنه أُسوة لنا وقُدوة، فنقلوا كل ما يتصل به من: سيرة، وخلق، وشمائلَ، وأخبار، وأقوال، وأفعال، سواء أثبت ذلك حكمًا شرعيًّا أم لا.
2. السنة في اصطلاح الفقهاء:
قالوا: ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير افتراض ولا وجوب، أو ما طُلب من المكلف أن يفعله لا على سبيل الحتم والوجوب، ويثاب فاعلها، ولا يعاقب تاركها، وتُقابِلُ الواجبَ وغيرَه من الأحكام الخمسة عند الجمهور، أو الأحكام السبعة عند الحنفية، وقد تطلق عندهم على ما يقابل البدعة، ومنه قولهم: “طلاق السنة كذا، وطلاق البدعة كذا”.
وجهة نظر الفقهاء:
بحث الفقهاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا تخرج أفعاله على الدلالة على حكم شرعي، والفقهاء يبحثون عن حكم الشرع على أفعال العباد: وجوبًا، أو حرمة، أو إباحة، أو غير ذلك، وقد تطلق السنة عند الفقهاء: على ما دل عليه دليل شرعي، سواء كان ذلك في الكتاب العزيز، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم أو اجتهد فيه الصحابة كجمع المصحف، وحمل الناس على القراءة بحرف واحد، وتدوين الدواوين، إلى غير ذلك. كما جاء ذلك في حديث العِرباض بن سارية، حيث أمر صلى الله عليه وسلم بالتمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين، وجعل مقابل السنة البدعة.
عن العرباض بن سارية قال: «وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا بعد صلاة الغَداة موعظةً بليغةً، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إن هذه موعظة مُودِّع، فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن عبدًا حبشيًَّا، فإنه مَن يعِش منكم يرى اختلافًا كثيرًا، وإياكم ومحدثاتِ الأمور، فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ». الحديث أخرجه أبو داود والترمذي، واللفظ للترمذي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وفي رواية أبي داود: «فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة». نسأل الله الهداية والتوفيق.
3. السنة في اصطلاح الأصوليين:
قالوا: هي ما نُقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير.
وجهة نظر الأصوليين:
بحث الأصوليون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المشرع الذي يضع القواعد للمجتهدين من بعده، ويبين للناس دستورَ الحياة، فاهتموا بأقوالِه، وأفعالِه، وتقريراتِه، التي تثبت الأحكامَ وتقررها.