Top
Image Alt

تعريف الشركة، حكمها، وأقسامها، ودليل مشروعيتها

  /  تعريف الشركة، حكمها، وأقسامها، ودليل مشروعيتها

تعريف الشركة، حكمها، وأقسامها، ودليل مشروعيتها

الشركة لغة: “الشِّركْة” بكسر فسكون، تقول: الشِّركة كنِعمة، أو بفتح فكسرٍ “شَرِكة”، ويجوز أيضًا مع الفتح بإسكان الراء، “شَرْكة” اسم مصدر لشرك أو شرك، شَرِك كعلم يقال: شرك الرجل الرجل في البيع، والميراث يشركه شركًا وشِركة وشَركة: خلط نصيبه بنصيبه، فالشركة إذًا: خلط النصيبين واختلاطهما، والفرق بين الخلط والاختلاط، فالخلط يكون بفعل فاعل، أما الاختلاط فيكون بفعل كالريح، والعقد الذي يتم بسببه خلط المالين حقيقة أو حكمًا، يسمى الشِّركة أو شَركة؛ وذلك لصحة تصرف كل خليط في مال صاحبه يسمى هذا العقد تجوزًا؛ فبالمجاز المرسل الذي علاقته السببية يسمى شَركة أو شِركة، من إطلاق اسم المسبب وإرادة السبب، هذا في لغة العرب.

وأما في الاصطلاح الفقهي: فالشِّركة أو الشَّركة قسمان؛ شركة ملك أو أملاك، وشركة عقد.

أما شركة الملك: فهي أن يختص اثنان فصاعدًا بشيء واحد، أو بأن يملكا أرضًا أو بستانًا، أو ما هو في حكمه، والمتعدد المختلط؛ متعدد لكنه اختلط بعضه ببعض بحيث يتعذر تفريقه لتتميز أنصباؤه؛ سواء في ذلك العين، يعني: ملك شركة، أو اشتراط في الملك يكون باختصاص شركة الملك، اختص بها اثنان فصاعدًا في شيء واحد، أو ما هو في حكم الشيء الواحد، هذا الشيء قد يكون عينًا، وقد يكون حقًّا من الحقوق، أو منفعة من المنافع.

فالعين كالدار الواحدة، أو الأرض الواحدة، أو البستان الواحد، أو ما إلى ذلك، فكل هؤلاء، تثبت فيها شركة الملك بين اثنين إذا اشترياها، أو ورثاها، أو انتقلت إليهما بأيِّ سبب آخر من أسباب الملك، كالهبة، والوصية، والصدقة، أو ما إلى ذلك من أنواع أسباب الملك؛ فهذا له حكم الشيء الواحد.

وقد أنكر بعض الفقهاء وقوع شركة الملك في الديون؛ لأن الدين وصف شرعي في الذمة، فلا يملك، بمعنى: لا يحاز، وتمليكه ممن هو عليه هو في حقيقة الأمر، إسقاط لا تمليك، فإنه عندما يكون لك عندي دين، وهذا الدين هو شيءٌ ما موجود في ذمتي، ومعنى أنك تتنازل عنه، أو تتسلمه، أو تأخذه، أي: أنك أسقطته عني؛ فهو إسقاط لا تمليك.

وبناء على هذه الحجة أنكر بعض الفقهاء وقوع شركة الملك في الدين، لكن الديون رغم أنها تكون في الذمة فالحق أنها تملك أيضًا، بدليل أن ما يقبضه أحد الدائنين عن حصته من الدين المشترك يكون مشتركًا بين الدائنيْن أو بين الدائنِين، يعني: كما أن كنا ثلاثة ولنا دين عند شخص فأعطاني جزءًا من هذا الدين وقبضته، لكن هذا الجزء الذي قبضته، هو حق للأطراف الثلاثة؛ فها هو الدين يقبض.

إذًا فهو شيء يمكن أن يملك، حتى لا يتعذر التخلص من هذه الشركة -شركة الحق- إلا بإعمال الحيلة؛ كأن يهب المدين لقابض قدر نصيبه ما قبضه، ويبرئه القابض من حصته في الدين، أما غير الدين والعين، فكحق صاحبي الدار في حفظ نحو الثوب تلقيه فيها الرياح؛ كأن نملك دارًا وجاءت الريح وألقت في دارنا شيئًا ما؛ فهذا الشيء حق لي ولك، ونحن فيه مشتركان؛ إذ يملك هذا الحق كلانا، وليس يخالف أحد من أهل الفقه خلافًا يذكر، يعني: خلافًا يعتبر في ثبوت شركة الملك، وهذه ثابتة على هذا النحو الذي ذكره الحنفية واهتموا بالحديث عنه، وإن لم يصرح بعضهم باسمها، يعني: بعض الفقهاء يتكلمون عن شركة الملك، ولكن لا يسمونها كذلك، بل إن بعضهم يتعمد أن يجمعها في تعريف واحد مع شركة العقد، لكن الواقع أن صنيع الحنفية أكثر دقة وأكثر واقعية ودلالة على ما هو كائن بالفعل.

ومن هؤلاء الذين يتعمدون ذكر شركة الملك بغير اسمها بعض الشافعية إذا عرف شركة قال: ثبوت الحق في شيء لاثنين فأكثر على جهة الشيوع، فيبهمها ويدخل فيها شركة العقد، وبعض المالكية إذ عرفها كذلك بأنها: تقرر -يعني ثبوت شيء- متمول -شيء مالي- بين مالكين فأكثر، فيدخل في ضمنها شركة العقد، لكن الواقع أن كلام الحنفية أكثر دلالة وأكثر دقة.

الاستدلال عليها:

مما هو متعارف أن الناس يتعاملون بها كثيرًا، وأقرها الشرع في الميراث، وفي كثير من الأمور ،كما جاء في أصحاب السفينة: {أَمّا السّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتّ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف: 79]، {وَأَمّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لّهُمَا} [الكهف: 82]، وتكلم القرآن أيضًا عن شركة الأملاك، عندما قال: {وَإِنّ كَثِيراً مّنَ الْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيَ بَعْضُهُمْ عَلَىَ بَعْضٍ إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مّا هُمْ} إلى آخر الآية الكريمة، [ص: 24].

فبالرغم من أن هذه الآية، إنما تحكي شيئًا من شرع ما قبلنا؛ فإنها أوردته مورد الإثبات ولم تنفِه، ولم تعلق عليه، بل إن هذا يتفق مع الفطرة ويتفق مع ما كان موجودًا عند مجيء الإسلام، وأقره الإسلام وسمح به، وحتى الذين لهم موقف من شرع من قبلنا، لا يسعهم إلا قبول شركة الأملاك، وهذه الآية من الممكن أن تكون -بالنسبة لمنكري الاستدلال بشرع من قبلنا- نوعًا من أنواع الاستئناس فقط بهذه الآية، لكن في القرآن: {أَمّا السّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ}، وشرع من قبلنا أيضًا؛ لكن ورد مورد الإثبات والإقرار؛ كذلك الجدار: {وَأَمّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ}، وربنا سبحانه وتعالى عندما وزع الميراث يقول: ولأخوته كذا، أي: كان له أبوان؛ فلأمه كذا، ولوالده كذا، فمعنى هذا: أن الورثة يتملكون نصيبهم على سبيل الشركة إلى أن يفرز.

تقسيم شركة الملك:

لقد قسمها الفقهاء أقسامًا عديدة حسب اعتبارات متعددة؛ فقسموها إلى:

1. شركة الدين: وهي أن يكون الدين مستحقًّا لاثنين فأكثر ، كأن يكون في ذمة تاجر تجزئة مبلغ من المال لأصحاب الشركة التي تعامله فهذه شركة في دين، وأصحاب الشركة يشتركون معًا في هذا الدين على تاجر التجزئة، وهذا كثير جدًا.

2. شركة غير دين: هي الشركة الحاصلة في العين، أو الحق، أو المنفعة؛ كما هو الحال مثلًا بالنسبة للسيارات أو المنسوجات أو السفن أو حتى المأكولات في المتجر المشترك؛ كما لو اشتركت أنا وأنت في شراء سيارة نقل تنقل البضائع، أو اشتركنا في شراء سفينة من السفن؛ فهي تمخر غباب البحار، وتحمل البضائع وتحمل الناس، وتكون الأجرة حقًّا لي ولك؛ فهذه شركة في غير الدين، وهي في العين، وقد نشترك في حق سكنى الدار، كأن يكون هناك دار فيها أكثر من حجرة، وواضح ذلك في الخنادق أو الخانات، أنت تأخذ حجرة، وأنا أخذ حجرة، والثالث يأخذ حجرة أخرى؛ فهذا حق السكنى، وقد اشتركنا فيه جميعًا، ولا خلاف لأحد من فقهاء المذاهب في صحة هذا التقسيم، وحق المنفعة أيضًا، فهذه كلها موضع اتفاق.

وقد تقسم شركة الملك تقسيمًا آخر، حسب وجود الإرادة أو عدم وجودها؛ فالفقهاء قسموها حسب وجود الإرادة أو عدم وجودها، إلى قسمين:

1. شركة ملك اختيارية:

وهي التي تكون بإرادة الشريكين أو الشركاء، كأن نشترك في شراء سيارة بإرادتي وإرادتك ونبرم على ذلك عقدًا؛ فهذه الشركة شركة أملاك اختيارية، وسواء تم ذلك بواسطة عقد -كما ضربت لذلك المثل السابق- أم بدون عقد، سواء وقع العقد مشتركًا منذ البداية؛ كأن نكون قد اتفقنا وتوجهت إرادتنا إلى شراء شيء اشتركنا فيه معًا وتعاقدنا، أو وقع العقد مشتركًا على سبيل الطروء، يعني: طرأ الاشتراك في المال بعد العقد.

فمثال ما كان بواسطة عقد مشترك منذ البدء: ما لو اشترى اثنان دابة للجري أو سيارة للحمل أو الركوب، أو اشترينا بضاعة نتاجر فيها معًا، أو عقد قبول هبة.

ومثال ما كان بواسطة عقد طرأ اشتراكه اشتراكه في المال بعد بداية العقد: أن يقع الشراء، أو قبول الهبة، أو الوصية من واحد ثم يشرك معه آخر؛ كأن أهب لك ولأخيك دارًا، أو أهب لك دارًا، ثم أقول لك بعد فترة: أشرِك معك أخاك، أو أشرك معك صديقك فلان، فيقبل الآخر الشركة؛ سواء كان ذلك بعوض أو بدون عوض، فهذا الاشتراك طرأ بعد بداية العقد، وكل هذا يدخل في النوع الاختياري من شركة الأملاك، أو الملك.

وقد يكون بلا عقد، ومثال ما كان بلا عقد ما لو خلط اثنان ماليهما، وما لو اصطاد اثنان صيدًا بشرَك نصباه؛ فهو من حقنا، أو أحييت أنا وأنت أرضًا مواتًا؛ أصبحت حقًّا لي ولك، وهذا هو النوع الاختياري.

وقد تكون هذه الشركة -شركة الملك- بدون اختيار من أطرافها، بل تكون اضطرارًا؛ وهذه هي التي تكون دون إرادة أحد من الشريكين أو الشركاء، ويحدث هذا قليلًا أو نادرًا، ومثَّل له الفقهاء: بما لو انفتقت أكياس مملوءة قمحًا أو شعيرًا، وبضعها ملك لي، والبعض الآخر ملك لك، واختلط ما فيها بحيث يتعذر فصل بعضه عن بعض؛ ليتميز نصيب كل منا، أما إذا وقع الخلط بفعل أحد الشركاء دون إذن باقيهم؛ فقد قال ابن عابدين: “إن الخالط يملك ما خلطه بمال نفسه، ويكون مضمونًا عليه بالمثل لتعديه”، أي: فلا شركة، لكن عليه أن يملك ما خلطه، وعليه أن يدفع إلى بقية الشركاء مثل ما أفسده.

وهذا الذي تقدم لا خلاف فيه، إلا في مثل مسألة تملك شخص مال غيره بمجرد الاستبداد بخلطه بمال نفسه، ويقصدون بالاستبداد، دون أخذ رأي الأطراف الأخرى، وبحيث ينتهي الخلط إلى عدم التمييز، بحيث يشق أو يعثر تمييزهما؛ فقد قال الحنفية: إنه يملكه بذلك، ويثبت في ذمته للآخر بدله؛ وقال بذلك: ابن القاسم، ومعه جماهير المالكية، وقال بذلك: القاضي أبو يعلى من الحنابلة، وقال: “إنه قياس المذهب”، وهو أيضًا أحد أقوال الشافعي، واعتمده أكثر المتأخرين من أصحابه بعد أن قيدوه في الأوجُه -أو في الأوجَه- بامتناع التصرف فيما ملك بالخلط، حتى يؤدي بدله لصاحبه؛ لأن الذي ملكه كذلك، لو كان ملكه بمعاوضة رضائية؛ لم يجز له التصرف فيه حتى يرضى صاحبه بذمته، فأولى إذا ملكه بدون رضاه، أي: أولى أن يقدم إليه العوض ويرضى بهذا البدل.

ومن فقهاء المذاهب الثلاثة، من ينكر هذا التملك القسري الذي فيه نوع من الاستبداد، ويجعل بعض الفقهاء في المذاهب الثلاثة -غير الحنفية- المال مشتركًا كما هو أحد أقوال الشافعي، واختاره تقي الدين السبكي، وأطال في الانتصار له، وعليه أيضًا أشهب -من المالكية- وعليه أيضًا جماهير متأخري الحنابلة.

وهذه المسالة فقط هي التي فيها شيء من الاختلاف، وإن كان الأغلب الأعم، هو القول الأول الذي يترأسه الحنفية.

error: النص محمي !!