Top
Image Alt

تعريف الشفعة، وحكمها التكليفي، وحكمة مشروعيتها

  /  تعريف الشفعة، وحكمها التكليفي، وحكمة مشروعيتها

تعريف الشفعة، وحكمها التكليفي، وحكمة مشروعيتها

تعريف الشفعة لغة: الشُّفعة بضم الشين وسكون الفاء، اسم مصدر بمعنى التملك، الشفعة، يعني التملك، أي: يصير الإنسان مالكًا، وتأتي الشفعة أيضًا بمعنى: المملك، يقول: هذه الدار أخذت شفعة، بمعنى: مشفوعة.

أما في اصطلاح الفقهاء: فالشفعة معناها تمليك البقعة جبرًا على المشتري بما قام عليه.

تمليك البقعة، يعني: تشمل كل ما هو موضع للملك خصوصًا العقارات، أما غير العقارات ففيها خلاف.

ولعل المراد بكلمة البقعة أعم من مجرد دار أو بستان أو سيارة؛ فهي بقعة جبرًا على المشتري، يعني: رغمًا عنه المشتري الذي اشترى من البائع، كأن يأتي شخص يكون له حق الشفعة فيأخذ هذه البقعة رغمًا عن المشتري الذي اشتراها بما قام عليه، يعني: بالثمن الذي اشتراها به حتى لا يظلم البائع.

مثلًا أنا وأخي نملك دارًا أنا نصفها وأخي نصفها، وأراد أخي أن يبيع حقه فباعه لشخص ما بمبلغ -ليكن خمسين ألف مثلًا- فأنا أطالب بالشفعة إذا أخذت النصف الثاني بالشفعة فقد ملكت هذه البقعة جبرًا على المشتري الذي اشترى من أخي بما قام عليه، يعني بالثمن الذي دفعه وقام عليه -يعني قوِّم عليه.

أو هي: حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الحارس في ما ملك بعوض.

وهذا تعريف أوضح من السابق، فالشفعة تملك قهري، يعني: جبري يثبت للشريك القديم، والشريك القديم الذي هو شريك مع الذي باع لكنه قديم، يثبت للشريك الحادث أو الذي حدثت شركته بما اشترى في ما ملك بعوض، يعني: بالثمن الذي دفعه هذا الشريك الحادث.

أما الحكم التكليفي للشفعة فهي حق ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، ومعنى هذا: أن هذا الحق يثبت أولًا، ثم من حق من يثبت له أن يأخذه أو أن يتركه؛ فهو حق، ومن شأن هذا الحق أن من استحقه، له أن يأخذه أو أن يطالب به، وله أيضًا أن يتنازل عنه، فطلب الشفعة أمر مباح، والأخذ والتمليك بالشفعة أمر مباح.

لكن بعض العلماء، رأوا التمليك بالشفعة ليست أمرًا مباحًا دائمًا، فقد يكون أمرًا مستحبًّا كما لو علم الإنسان مثلًا أن الذي اشترى من شريكه سيجعل هذا الجزء الذي اشتراه أمرًا يعصى فيه الله عز وجل كأن يجعله مكانًا لشرب الخمر، أو يجعله مرقصًا؛ فهنا يستحب على من حقه الشفعة أن يتقدم ويأخذ هذا الحق حتى يحرم منه الذي يريد أن يشارك، ليجعله مكانًا يعصى فيه الله عز وجل ولكن الأصل في الأحوال العادية أن الشفعة مباحة.

والأدلة على مشروعيتها كثيرة في الكتاب، والسنة، وفي الإجماع:

– أما من الكتاب: فإن الله تعالى يقول: {وَإِنّ كَثِيراً مّنَ الْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيَ بَعْضُهُمْ عَلَىَ بَعْضٍ إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مّا هُمْ} [ص: 24]، ووجه الاستدلال بهذه الآية أن الله سبحانه وتعالى بين أن كثيرًا من الشركاء يظلم بعضهم بعضًا، ورفع هذا الظلم مشروع؛ فإذا تعين رفعه عن طريق الشفعة أصبحت الشفعة أمرًا مشروعًا وطريقًا مشروعًا من طرق رفع هذا الظلم؛ لأنه لا ضرر ولا ضرار.

– أما من السنة: فأحاديث متعددة: منها حديث جابر بن عبد الله رضي الله  عنهما قال: ((قضى رسول الله صلى الله عليه  وسلم في كل ما لم يقسم؛ فإذا وقع في الحدود وصرف في الطرق فلا شفعة))، وفي رواية أخرى قال جابر -رضي الله  عنه: ((قضى رسول الله صلى الله عليه  وسلم بالشفعة في كل شركة لم تقسم: ربعة، أو حائط))، الربعة، معناه: المنزل أو الدار، والحائط، معناه: الحديقة أو البستان، يقول صلى الله عليه  وسلم: ((لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه؛ فإن شاء أخذ وإن شاء ترك؛ فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به))، أخرج الحديث الأول؛ الإمام البخاري، وأخرج الحديث الثاني؛ الإمام مسلم.

ومعنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه  وسلم حكم بأن الشفعة مباحة في كل شركة لم تقسم بين الشركاء سواء كانت ربعة، يعني دارًا أو كانت حديقة، وأنه لو أن البائع باع دون أن يستأذن شريكه، يقول: يا فلان أنا أريد أن أبيع نصيبي في هذه الشركة، أو في هذه الدار؛ فهل لك أن تشتري نصيبي؟ فإن شاء أخذ وإن شاء ترك؛ لكن البائع إذا لم يؤذن أو لم يستأذن شريكه؛ فهذا الشريك أحق به من الشريك الجديد أو المشتري الجديد، فله أن ينزع هذه الملكية من المشتري الجديد، ويأخذ هو نصف الدار الثاني؛ ليكتمل له ملكية الدار كلها.

وقال صلى الله عليه  وسلم في ما رواه عنه سمرة بن جندب رضي الله  عنه قال: ((جار الدار أحق بالدار))، رواه الترمذي وحسنه، ((جار الدار))، يعني: المجاور للدار، سواء كان شريكًا بالفعل فهو جار، أو لم يكن شريكًا بل كان له دار بجانب الدار الأولى؛ فهو أحق بالدار، كما رواه الترمذي وحسنه.

إذًا فالشفعة ثابتة بالكتاب، وثابتة بالسنة.

وذكر ابن منذر -رحمه الله- الإجماع على مشروعيتها؛ فقال ابن المنذر: “أجمع أهل العلم على إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسم في ما بيع من أرض، أو دارٍ، أو حائطٍ”.

الحكمة من مشروعية الشفعة:

الحكمة من مشروعية الشفعة إزالة الضرر؛ لأنه لما كان الضرر كثيرًا ما يقع بين الشركاء، كما قال تعالى: {وَإِنّ كَثِيراً مّنَ الْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيَ بَعْضُهُمْ عَلَىَ بَعْضٍ}، يعني: يظلم بعضهم بعضًا، فيتضرر المظلوم؛ فقد شرع الله عز وجل رفع ضرر المشاركة بالقسمة إذا تيسرت القسمة، وإذا لم تتيسر القسمة، يكون ذلك بالشفعة، خصوصًا وأن الشفعة فيها منفعة للشريك، وفيها أيضًا منفعة لهذا البائع؛ لأنه سيحصل على نفس الثمن، وليس فيها ضرر على الشريك الآخر الذي هو الشريك الأول؛ بل إن عدمها عدم الشفعة، وهو الذي يكون فيه الضرر.

ومن هنا يقول أحد العلماء: إن الشفعة نظام في غاية العدل وليس فيه ظلم على أحد؛ لا على البائع ولا على المشتري الثاني، ولا على المشتري الأول؛ لأن كلًّا منهما سيرتفع عنه الضرر وتتحقق له المصلحة.

error: النص محمي !!