Top
Image Alt

تعريف الصحابي

  /  تعريف الصحابي

تعريف الصحابي

. مفهوم الصحبة لغة وعُرفًا، ومذاهب العلماء في ذلك:

الصحبة عند أهل اللغة: يتحقق مدلوله في كل شخصين بينهما ملابسة ما، كثيرة كانت هذه الملابسة أو قليلة، حقيقة كانت هذه الملابسة أو مجازًا، فالصحبة إنَّما تتحقق في شخصين بينهما ملابسة ما، هذه الملابسة قد تكون ملابسة كثيرة، وقد تكون قليلة، وقد تكون ملابسة حقيقية، وقد تكون ملابسة مجازية.

وفي هذا المعنى جاء قول الله تعالى كما في سورة الكهف: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ}  [الكهف: 37] وعلى ذلك فلو صاحب أحدًا ساعة من نهار، أو لازمه في بعض أسفاره صح أن يقال: صحب فلان فلانًا في سفره ساعة من النهار.

ويطلق لفظ صحابي على من اعتنق مذهبًا معينًا، أو رأيًا معينًا.

أما الصحبة في العرف فهي: طول الملازمة، وعليه فالصحابي في العرف: من طالت ملازمته لغيره، وقد يطلق لفظ الصحابي على من اعتنق مذهبًا أو رأيًا أو فكرًا، ومن المجاز أن يقال: فلان صاحب مال، يعني: يملك مالًا كثيرًا؛ لأنَّ المال لازمه، ويقال: فلان صاحب علم، أي: له علم كثير؛ لأنَّ العلم ملازم له.

نستطيع أن نقرر: أن الصحابي في العرف: من طالت ملازمته لغيره.

مفهوم الصحبة عند المحدثين والفقهاء:

اختلف المحدثون والفقهاء في تحديدهم لمفهوم الصحابي، على آراء كثيرة، ومذاهب كثيرة:

ومنشأ هذا الاختلاف بينهم يرجع إلى ما يجب مراعاته في المعنى الاصطلاحي، هل يراعى في المعنى الاصطلاحي المعنى اللغوي الذي هو مطلق ملازمة ولو كانت قليلة؟ أو يراعى المعنى العرفي الذي هو الملازمة الطويلة؟

المذهب الأول: الصحابي: هو من رأى النبي صلى الله عليه  وسلم وصحبه، ولو ساعة من نهار.

فهذه صحبة قصيرة، فهي ساعة من نهار، والصحبة القصيرة هذه تتفق المعنى اللغوي.

المذهب الثاني: ومنهم الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: الصحابي هو الذي رأى النبي صلى الله عليه  وسلم أو صحبه من المسلمين، وواضح أن هذا التعريف الثاني أضاف قيدًا، وهو: أنه جعل اسم الصحبة لا ينطبق إلا على من كان مسلمًا حال رؤيته لرسول الله صلى الله عليه  وسلم.

غاية الأمر: أن تعريف البخاري -رحمه الله- ومن وافقه أضاف قيد “من المسلمين”.

فقوله: “من المسلمين” قيد في التعريف يخرج به من صحبه أو من رآه من الكفار، ولم يؤمن به.

المذهب الثالث: الصحابي هو كل مسلم بالغ عاقل رأى النبي صلى الله عليه  وسلم ولو ساعة من نهار، وهذا التعريف محكي عن بعض أهل العلم.

المذهب الرابع: الصحابي هو كل من رأى النبي صلى الله عليه  وسلم وطالت صحبته له.

المذهب الخامس: الصحابي هو من رأى النبي صلى الله عليه  وسلم واختص به اختصاص الصاحب. ومعنى اختص به اختصاص الصاحب يعني: له طول صحبة وملازمة وكثرة استماع، وإن لم يرو عنه.

المذهب السادس: الصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه  وسلم مؤمنًا به -يعني: حال لقائه للنبي كان مؤمنًا- ومات على الإسلام، ولو تخللت ردة في الأصح.

2. آراء الأصوليين في مفهوم الصحابة:

اختلف الأصوليون في تعريفهم للصحابي، تبعًا لاختلاف وجهات نظرهم في تحديد مفهوم الصحبة أيضًا، يعني: ما الذي دعا الفقهاء والمحدثين للاختلاف في مفهوم الصحبة؟ هو اختلافهم في: هل يراعى في تعريف الصحابي إطلاق الصحبة في اللغة أم في العرف؟

التعريف الأول: ذهب جمهور الأصوليين ومنهم الحنفية إلى أن الصحابي هو: مسلم طالت صحبته مع النبي صلى الله عليه  وسلم متبعًا إياه مدة يثبت معها إطلاق صاحب عليه عرفًا بلا تحديد.

وعلى هذا نستطيع أن نلقي الضوء على تعريف الجمهور فنقول:

قولهم: “الصحابي مسلم” قيد في التعريف يخرج به غير المسلم، كاليهود، والنصارى، ومشركي قريش، فهؤلاء لا صحبة لهم باتفاق العلماء، وهذا الكلام قد أشرنا إليه قبل ذلك.

وقولهم في التعريف: “مسلم طالت صحبته” قيد ثانٍ في التعريف يخرج به المسلم الذي لم تطل صحبته للنبي صلى الله عليه  وسلم فمثل هذا لا يسمى صحابيًّا عند الأصوليين، وإن كان موصوفًا بالصحبة عند المحدثين، وإنَّما اشترط الأصوليون طول الصحبة، لماذا؟ لأننا الآن سنرتب على قول الصحابي، ومذهب الصحابي أحكامًا فقهية، فأي صحابي نجعل قوله أو فتواه أو مذهبه دليلًا، الصحابي الذي طالت صحبته للرسول صلى الله عليه  وسلم حتى يعرف، ويفهم عن النبي، ويعرف مقاصد التشريع، ويعرف أسباب نزول الآيات، ويعرف أسباب خروج وورود الأحاديث، ويعرف هدي النبي صلى الله عليه  وسلم ويعرف: كيف تدل أقوال النبي على الحب، وتقريراته، وأفعاله، ونحو ذلك. فهذا إنما يتحقق بطول الصحبة لرسول الله صلى الله عليه  وسلم.

وقولهم في التعريف: “مسلم طالت صحبته متبعًا إياه مدة يثبت معها إطلاق صاحب عليه عرفًا” اشترط جمهور الأصوليين: أن يمكث الصحابي مع النبي صلى الله عليه  وسلم مدة يحكم عليها العرف بأنها كافية لإطلاق لفظ الصحبة على مؤديه، فالصاحب في العرف -كما قلت لكم قبل ذلك- يطلق على المكاثر الملازم. ومنه يقال: أصحاب القرية، وأصحاب الكهف، أصحاب القرية؛ لأنهم لازموا ومكثوا في القرية مدة طويلة، وأصحاب الكهف؛ لأنهم جلسوا في الكهف ثلاثمائة سنين، وازدادوا تسعًا فهي مدة طويلة، أما من وفد على النبي صلى الله عليه  وسلم ورآه مجرد رؤية، دون المكث الطويل، فلا يسمى صحابيًّا عند الأصوليين.

وقولهم في التعريف: “بلا تحديد” يعود على المدة، وهو قيد في التعريف يخرج به المدة المحددة لوقت معين، فمنهم من حددها بسنة، قالوا: من يجالس النبي ويمكث معه سنة يصح أن نسميه صحابيًّا، ومنهم من حددها بسنتين، ومنهم من قال: لا بد أن يغزو مع النبي صلى الله عليه  وسلم غزوة أو غزوتين، ومنهم من قال: إن أدناها يعني: أدنى المدة ستة أشهر، وصرح الغزالي -رحمه الله- في (المستصفى) أن الصحبة تعرف بكثرتها، وقال: ولا حد لتلك الكثرة بتقدير، بل بتقريب.

إذن: المسألة مسألة تقريبية.

التعريف الثاني: -ومنهم الآمدي وابن الحاجب وابن السبكي وابن حزم وإليه ذهب الحنابلة أيضًا -رحم الله الجميع- قالوا في تعريف الصحابي: هو من رأى النبي صلى الله عليه  وسلم وإن لم يرو ولم تطل. يعني: وإن لم يرو عنه، ولم تطل يعني: الصحبة.

التعريف الثالث: الصحابي من لقيه، أي: لقي النبي صلى الله عليه  وسلم من صغير أو كبير ذكر أو أنثى أو خنثى أو رآه يقظة في حال كونه صلى الله عليه  وسلم حيًّا، وفي حال كون الرائي مسلمًا، ولو ارتد بعد ذلك، ثم أسلم ولم يره بعد إسلامه، ومات مسلمًا.

وهو اختيار الشيخ ابن النجار الحنبلي -رحمه الله- حيث عرف الصحابي بتعريف لا يتفق ووجهة نظر جمهور الأصوليين.

أدلة جمهور الأصوليين على ما ذهبوا إليه في تعريفهم للصحابي:

الدليل الأول: إن المتبادر عند إطلاق لفظ الصحابي، وصاحب فلان العالم المتبادر ما هو إلا الملازم المتبع المحب الذي طالت صحبته، فأنت إذا ما سمعت كلمة صحابي، أو صاحب يتبادر إلى ذهنك -لأول وهلة- أن هذا إنسان لازم النبي صلى الله عليه  وسلم ملازمة طويلة وسمع منه، وكان متبعًا إياه فالتبادر هنا هو دليل على اختيارهم لهذا التعريف، ومن كلام أهل العلم: “التبادر أمارة الحقيقة” فهذا التبادر دليل على أن هذا الشيء هو المراد، هذا الدليل الأول أو السبب الأول في اختيار الجمهور لهذا التعريف.

الدليل الثاني: لولا أن الصحابي يدل على الملازمة -يعني: لولا أن لفظ الصحابي المشتق من الصحبة يدل على الملازمة وطول الملابسة والمكث- لولا أن الصحابي يدل على الملازمة لما صح نفيه عن الوافد على رسول الله صلى الله عليه  وسلم أو الرائي.

وقد ذكرنا أن الوافدين على رسول الله صلى الله عليه  وسلم لأجل المبايعة وإشهار الإسلام لا يسمون أصحابًا للنبي صلى الله عليه  وسلم وكذلك من رأى النبي -ولو لحظة- يصح أن ننفي عنه اسم الصحبة، إذ الأصل -كما يقول أهل العلم: اضطراد الحقيقة وصحة النفي علامة المجاز، لكنه يصح إذ يقال: لم يكن صحابيًّا، لكنه وفد عليهم من بني فلان، أو رآه ولم يصاحبه.

إذن: تعريف الجمهور تعريف راجح لسببين:

السبب الأول: التبادر، فيتبادر لذهن السامع إذا أطلق أو سمع كلمة صحابي أن هذا ملازم للنبي صلى الله عليه  وسلم زمنًا طويلًا أو مدة طويلة.

السبب الثاني: أنه لولا أن الصحابي يدل على الملازمة لما صح نفيه عن الوافد على رسول الله أو الرائي، لكنه يصح نفيه عن الوافد، وعن الرائي، فثبت أن الصحابي لا يتحقق له هذا الاسم إلا إذا لازم النبي صلى الله عليه  وسلم ملازمة طويلة.

والذي يظهر خلال عرض هذه التعريفات لمفهوم الصحابي أن التعريف الراجح هو تعريف جمهور الأصوليين، وذلك لأمور:

الأمر الأول: أن تعريف الجمهور يؤيده اللغة والعرف، لأن الصحبة في اللغة تقتضي المعاشرة.

فاشتراط طول الصحبة في التعريف إنما هو مقتضى العرف، وأما اشتراط الرواية عن الرسول صلى الله عليه  وسلم فلأنها المقصود الأعظم من الصحبة. لماذا يلازم هذا الصحابي النبي صلى الله عليه  وسلم ملازمة طويلة ليروي عنه حديثه، ويبلغ الناس بحديثه، وفي الخبر: ((رب مبلغ أوعى من سامع)) و((نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع)) .

الأمر الثاني: أن الاحتجاج بأقوال الصحابة رضي الله  عنهم منحصر في من بلغ منهم حد الاجتهاد، لا كل الصحابة.

3. عدالة الصحابة:

إذا تقرر لكم هذا لا بد أن نذكر لكم مسألة يذكرها الأصوليون عند كلامهم عن الاحتجاج بقول الصحابي، هو الكلام عن عدالة الصحابة رضي الله  عنهم لأننا ما دمنا سنجعل قول الصحابي حجة، ودليل، ومصدر تشريعي؛ لا بد أن نبين أن الصحابة رضي الله  عنهم عدول، فأقوالهم مصدقة وأفعالهم يصح أن تكون دليلًا في بيان حكم شرعي لا نجد فيه نصًّا من كتاب أو سنة أو إجماع. فكلامنا في هذه الجزئية في عدالة الصحابة رضي الله  عنهم فنقول -وبالله تعالى التوفيق:

الصحابة كلهم عدول، وعدالتهم ثابتة معلومة بتعديل الله لهم، وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم في كثير من نصوص القرآن الكريم. فكأن هذا الأمر من المسلمات، والأمور البدهية أن الصحابة رضي الله  عنهم كلهم عدول، هذه أمور مسلمة، وعدالة الصحابة ثابتة ومعلومة بالقرآن العزيز، والسنة النبوية، وإجماع الأمة.

بقي لك أن تسألني وما معنى العدالة؟ أو ما الذي تقصده من وصف الصحابة بالعدالة؟ أقول لكم: وتعني عدالة الصحابة، أن تقبل روايتهم من غير تكلف بحث أو سؤال عن أحوالهم، فإذا قال الصحابي حديثًا: قال عمر بن الخطاب: قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم كذا، فلا بد أن تقبل روايته، ولا تتكلف ولا تبحث ولا تسأل عن حال عمر بن الخطاب، فهو عدل.

والحكم بالعدالة عند أهل العلم يشمل جميع الصحابة رضي الله  عنهم من لابس الفتن منهم، ومن لم يلابسها. فهذا حكم عام لجميع الصحابة.

وفي هذا يقول الإمام النووي -رحمه الله: الصحابة كلهم عدول، من لابس الفتن وغيره بإجماع من يعتد به. إذن: عدالة الصحابة ثابتة بالقرآن والسنة والإجماع، ومعلوم لكم أن دلالة الإجماع على الحكم دلالة قطعية، فالصحابة عدول بإجماع الأمة، وهذا الإجماع مستنده الكتاب العزيز والسنة النبوية. وهذا المذهب هو الذي ينبغي أن يكون في قلب كل مسلم، والأدلة على عدالة الصحابة رضي الله  عنهم كثيرة جدًّا، منها: أدلة في القرآن، ومنها: أدلة في السنة، ومنها: أدلة في الإجماع.

أدلة من القرآن الكريم:

قول الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} [آل عمران: 110] وما هو وجه الدلالة من الآية على عدالة الصحابة؟ قال كثير من المفسرين: إن هذه الآية وردت في الصحابة، وهم أول من خوطبوا بها، وهذا كلام صحيح، وكلام طيب، وإن كان اللفظ فيها عامًّا لكل الأمة، فهو من قبل العام الذي أريد به الخاص. وعلى هذا: فالاستدلال بهذه الآية الكريمة ظاهر في عدالة الصحابة.

قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّةً وَسَطاً لّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}  [البقرة: 143] فهذه الآية -كسابقتها- خطاب للموجودين حين نزول الوحي: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّةً وَسَطاً} يعني: عدولًا، فالوسط من كل شيء أعدله، والآية خطاب للموجودين حين نزول الوحي، ومن الموجودون حين نزول الوحي: إنهم الصحابة رضي الله  عنهم لأن الخطاب مع من لم يوجد محال، ولكن لا يمتنع إلحاق غيرهم بهم ممن شاركهم في هذا الوصف.

من الآيات كذلك التي تدل على عدالة الصحابة رضي الله  عنهم قول الله تعالى في سورة التوبة: {وَالسّابِقُونَ الأوّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالّذِينَ اتّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رضي الله  عنهم وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100].

ومن الآيات كذلك قول الله تعالى: {لّقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ السّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} [الفتح: 18].

ومن ذلك قول الله تعالى كما في سورة الفتح: {مّحَمّدٌ رّسُولُ اللّهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أَشِدّآءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكّعاً سُجّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ اللّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ السّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىَ عَلَىَ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزّرّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفّارَ وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ مِنْهُم مّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الفتح: 29] هذه الآيات وغيرها كثير تدل بجلاء ووضوح على عدالة الصحابة رضي الله  عنهم والأدلة كثيرة غير هذه في القرآن.

أدلة من السنة:

أطنب الرسول صلى الله عليه  وسلم في تعظيم الصحابة، وأحسن الثناء عليهم، واستفاضت بذلك أحاديث كثيرة، منها -على سبيل المثال- لا الحصر قول الرسول صلى الله عليه  وسلم: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته)) فقوله صلى الله عليه  وسلم: ((خير الناس قرني)) شهادة بخيرية الصحابة رضي الله  عنهم.

ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه  وسلم: ((لا تسبّوا أحدًا من أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مد أحدهم، ولا نصيفه)) أو كما قال صلى الله عليه  وسلم فنهى النبي صلى الله عليه  وسلم أن يسب أحد من المسلمين أحدًا من صحابته صلى الله عليه  وسلم وهذا معناه: أن النبي يعظم الصحابة، ويثني عليهم خيرًا، ويثبت لهم العدالة.

ومن ذلك: أن النبي صلى الله عليه  وسلم قال: ((النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون)) الحديث رواه مسلم وغيره، وفيه دلالة على أن الصحابة رضي الله  عنهم أمنة، ووجودهم فيه رحمة، فهم ينقلون لنا أحاديث النبي، وأحكام النبي صلى الله عليه  وسلم.

وفي الحديث -أيضًا- الذي رواه الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه  وسلم قال: ((الله الله في أصحابي (يعني: أحذركم الله في أصحابي) لا تتخذوهم غرضًا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه)) إذن: هذا تحذير شديد اللهجة من رسول الله صلى الله عليه  وسلم لجميع الناس: أن يتعرضوا أو يقعوا في أصحابه صلى الله عليه  وسلم. هذا كله يدل على ماذا؟ على عظيم مكانة أصحاب النبي صلى الله عليه  وسلم وعدالتهم رضي الله  عنهم.

فهذه الأحاديث الشريفة وغيرها كثير دل دلالة جلية واضحة على عدالة الصحابة رضي الله  عنهم. وثبت بها أيضًا أن إطلاق القول بعدالة الصحابة ليس صادرًا عن هوى في النفس، وليس تحكمًا، وإنما دل عليه الآيات القاطعات والحجج الساطعات، هذا الدليل من السنة على عدالة الصحابة رضي الله  عنهم.

أدلة من الإجماع:

أجمع جمهور الأمة الإسلامية من السلف والخلف من أهل السنة والجماعة: أن الصحابة رضي الله  عنهم كلهم عدول، وحكى هذا الإجماع: ابن عبد البر، والخطيب البغدادي، وغيرهما من العلماء.

قال ابن عبد البر -رحمه الله- وهو من أعلم المحدثين في زمانه قال في شأن الصحابة: “فهم خير القرون، وخير أمة أخرجت للناس ثبتت عدالة جميعهم، بثناء الله عز وجل عليهم وثناء رسوله صلى الله عليه  وسلم ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه صلى الله عليه  وسلم ونصرته”.

وهذا كلام طيب، وكلام جيد، وكلام صحيح، فمن يكون أعدل ممن اختاره الله تعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه  وسلم ونصرته، فابن عبد البر يقول: ثبتت عدالة جميعهم بثناء الله عز وجل عليهم، وثناء رسول الله صلى الله عليه  وسلم ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه صلى الله عليه  وسلم ونصرته، ولا تزكية أفضل من ذلك، ولا تعديل أكمل منها. انتهى كلام ابن عبد البر.

وقال الخطيب البغدادي -رحمه الله: والأخبار في هذا المعنى تتسع، يعني في تعديل الصحابة، وكلها مطابقة لما ورد في نص القرآن، وجميع ذلك يقتضي طهارة الصحابة، والقطع على تعديلهم، ونزاهتهم، فلا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله تعالى لهم، المطلع على بواطنهم إلى تعديل أحد من الخلق له، فهم على هذه الصفة إلى أن يثبت على أحد ارتكاب ما لا يحتمل إلا قصد المعصية، والخروج من باب التأويل، فيحكم بسقوط العدالة، وقد برأهم الله من ذلك، ورفع أقدارهم عنده على أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه  وسلم فيهم شيء مما ذكرناه؛ لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين، القطع على عدالتهم والاعتقاد لنزاهتهم، وأنَّهم أفضل من جميع المعدلين، والمزكين الذين يجيئون من بعدهم أبد الآبدين.

ثم قال -يعني: البغدادي: هذا مذهب كافة العلماء، ومن يعتد بقوله من الفقهاء.

ولابن الصلاح -رحمه الله- كلام جيد في هذا الشأن أيضًا.

ولولا الصحابة ما وصلت إلينا هذه الشريعة، والصحابة كلهم عدول ما ينبغي أن يقال غير هذا، وكل كلام خلاف هذا لا يلتفت إليه، ولا يعول عليه.

4. طرق معرفة الصحابة:

تعرف الصحبة وتثبت بواحد من الطرق الآتية:

الطريق الأول: التواتر، وذلك بأن تتواتر الأخبار، وقد عرفتم التواتر -عند بحثنا للسنة: ما يرويه جمع عن جمع عن جمع تحيل العادة تواطؤهم أو اتفاقهم على الكذب، فإذا ما تواترت الأخبار: أن فلانًا له صحبة، حكمنا بأنه صحابي. كما تواترت الأخبار بأن أبا بكر رضي الله  عنه صحابي، وعمر، وعثمان، وعلي، وبقية العشرة المبشرين بالجنة رضي الله  عنهم فهؤلاء وأمثالهم قد تواترت فيهم الأخبار -إلى عصرنا هذا- أنهم صحابة، بل هم من أكابر الصحابة رضي الله  عنهم.

الطريق الثاني: ما يعرف بالاستفاضة والشهرة القاصرة عن التواتر، يعني: طريق أقل درجة من الطريق الأول، بل هو الاستفاضة والشهرة، وذلك بأن يُذاع وينتشر في الناس: أن فلانًا له صحبة كعكاشة، وضمام بن ثعلبة وغيرهما، رضي الله عن الصحابة أجمعين.

فاستفاض في الناس أن عكاشة بن محصن وضمام بن ثعلبة من الصحابة، فالاستفاضة والشهرة القاصرة عن حد التواتر طريق من طرق معرفة الصحابة.

الطريق الثالث: شهادة صحابي معروف الصحبة لآخر: أنه صحابي، وذلك: عن طريق التصريح بالصحبة.

الطريق الرابع: من طرق معرفة الصحابة قول آحاد ثقات التابعين عن آخر: إنه صحابي تابعي كبير ثقة. وهذا الطريق والذي قبله مبني على قبول التزكية من واحد على الرأي الراجح.

الطريق الخامس: من طرق معرفة الصحابة قول العدل المعاصر عن نفسه: إنه صحابي، وذلك بعد معرفة عدالته -تأكدنا من أن هذا الشخص عدل- فأخبر عن نفسه بأنه صحابي، هذا طريق من طرق معرفة الصحابي.

هذه هي الطرق التي يعرف بها أن فلانًا هذا صحابي، أو ليس بصحابي.

error: النص محمي !!