Top
Image Alt

تعريف العام، والفرق بينه وبين العموم، وما يدخله العموم

  /  تعريف العام، والفرق بينه وبين العموم، وما يدخله العموم

تعريف العام، والفرق بينه وبين العموم، وما يدخله العموم

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه:

العام في اللغة: شمول أمر لمتعدد، سواء كان الأمر لفظًا أو غيره، ومنه عمهم الخير إذا شملهم وأحاط بهم؛ ولذلك يقول المنطقيون -أي: علماء المنطق-: إن العام ما لا يمنع تصور الشركة فيه، كالإنسان -أي: كلفظ إنسان- فكلمة “إنسان” يشترك فيها محمد، وخالد، وزيد، وهند، وعائشة… إلخ، والمناطقة يجعلون أيضًا المطلق عامًّا، فخلاصة الأمر أن العام في اللغة هو: شمول أمر لمتعدد.

أما في الاصطلاح، فهو: اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له من غير حصر، أي: يصلح له اللفظ العام، كلفظة “مَنْ” في العقلاء دون غيرهم، فـ”من” تستعمل للعاقل، وكذلك “كل” بحسب ما يدخل عليه؛ لأن عمومه في جميع الأفراد مطلقًا، وكلمة “اللفظ المستغرق” خرج بقيد الاستغراق النكرة؛ لأن النكرة ليس فيها استغراق، وبقوله “من غير حصر” خرج أسماء العدد، فإنها متناولة لكل ما يصلح له لكن مع الحصر.

ومنهم من زاد على هذا التعريف بوضع واحد، وذلك ليحترز به عما يتناوله اللفظ بوضعين فصاعدًا، أي: بوضعين أو أكثر، وذلك كالمشترك.

الفرق بين العام و العموم:

فالعام هو اللفظ المتناول، أما العموم فهو تناول اللفظ لما صلح له؛ فالعموم مصدر، والعام اسم فاعل مشتق من هذا المصدر، وهما متغايران؛ لأن المصدر الفعل، والفعل غير الفاعل، ومن هنا يظهر الإنكار على القاضي عبد الجبار وأيضًا ابن برهان وغيرهما في قولهم: العموم اللفظ المستغرق، فإن قيل: أرادوا بالمصدر اسم الفاعل، قلنا: استعماله فيه مجاز، وليس هناك ضرورة لارتكاب المجاز مع إمكان الحقيقة.

والإمام القرافي -رحمه الله- فرق بين الأعم والعام، بأن الأعم إنما يستعمل في المعنى، والعام يستعمل في اللفظ، فإذا قيل: هذا أعم، تبادر الذهن للمعنى، أما إذا قيل: هذا عام، تبادر الذهن للفظ.

الأمر الثاني: الفرق بين عموم الشمول وعموم الصلاحية:

فالعموم يقع على مسمى عموم الشمول، وهو المقصود هنا، وعموم الصلاحية، وهو المطلق، وتسمية المطلق عامًّا باعتبار أن موارده غير منحصرة؛ لا أنه في نفسه عام، ويقال له: عموم البدل أيضًا، والفرق بينهما أن عموم الشمول كلي، ويحكم فيه على كل فرد، وعموم الصلاحية كلي، أي: لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه.

الأمر الثالث: تفاوت صيغ الأعم:

فصيغ الأعم تتفاوت، يقول الإمام سليم الرازي في كتابه (التقريب): ” أعم الأسماء قولنا: معلوم، ومذكور؛ لتناوله الموجود والمعدوم، ثم شيء وموجود لتناوله القديم والمحدث، ثم محدث لتناوله الجسم والعرض، ثم جسم، ثم حيوان، ثم إنسان، ثم رجل، ثم أنا وأنت، أي: أن كلمة “معلوم” هي أعم شيء؛ لأنها تعتبر جنس الأجناس، يليه أن كل معلوم إما أن يكون موجودًا، وإما أن يكون معدومًا، ثم الموجود هذا إما أن يكون شيئًا أو غير شيءٍ، والموجود يتناول القديم ويتناول الحادث، أيضًا الحادث يتناول الجسم والعرض، أي: يتناول الجوهر والعرض، والجوهر هو ما يقوم بنفسه، أما العرض فهو ما يحتاج إلى غيره ليقوم به، ثم بعد ذلك الجسم إما أن يكون جسمًا ناميًا، أو غير نامٍ، والجسم النامي إما أن يكون إنسانًا، وإما أن يكون بهيمة، وإما أن يكون زرعًا… إلخ، فكلمة “معلوم” أعمُّ شيء.

ما يدخله العموم وما لا يدخله:

والكلام في العموم في مواضع:

أحد هذه المواضع: هل يتصور العموم في القول النفسي؟

المشهور من مذهب الأشعرية: تصوره في القول النفسي، كما قالوا ذلك في الأمر والنهي؛ يقول القاضي أبو بكر الباقلاني -رحمه الله-: اعلم أن العموم والخصوص يرجعان إلى الكلام، ثم الكلام الحقيقي هو: المعنى القائم بالنفس، وهو الذي يعم ويخص، والصيغ والعبارات دالة عليه، ولا تسمى بالعموم والخصوص إلَّا تجاوزًا، كما أن الأمر والنهي يرجعان إلى المعنى القائم بالنفس دون الصيغ؛ إذًا الكلام الحقيقي هو: المعنى القائم بالنفس:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما

*جعل اللسان على الفؤاد دليلا

أما الصيغ والعبارات فهي دالة على كلام النفس.

وذهب جمهور الفقهاء إلى أن العموم والخصوص، وصفان راجعان إلى العبارات والصيغ؛ كقولهم في الأمر والنهي.

هذا هو كلام القاضي أبو بكر الباقلاني، وأنكر إمام الحرمين ظهوره في ذلك، وأشار إلى أنه مخالف لجماعة الأشعرية فيما قالوه، وصرف عموم الكلام النفسي إلى علوم فيها تكون المعلومات على جهات دون جهات.

قال المازري: ويقال له: إن أنكرت وجود قول في النفس يتضمن معنى الاستيعاب بنفسه وحقيقته فمسلم، وأما إثبات قول في النفس هو خبر عن معنى العموم فليس هذا هو المراد، والنزاع واقع فيه.

الموضع الثاني: هل العموم يتصور في الأحكام حتى يقال: حكم قطع السارق عام؟ أنكره القاضي الباقلاني، فإذا قيل: حكم الله عام في قطع السارق، فكل سارق يختص بما ورد فيه من الحكم، وإمام الحرمين أثبت العموم في الأحكام، وكذلك ابن القشيري، وهذا الذي ذكره القاضي، إن أراد به أن القطع الذي يختص به هذا السارق لا يتعداه إلى غيره؛ فلعله تخريج على القول برجوع الأحكام إلى صفات النفس، فأما عندنا فالأحكام ترجع إلى قول الشارع.

وقال المازري: الحق ابتناء هذه المسألة على أن الحكم يرجع إلى قول أو إلى وصف يرجع إلى الذات، فإن قلنا بالثاني -أي: أنه يرجع إلى وصف يرجع إلى الذات- لم يتصور العموم لما تقدم في الأفعال، وإن قلنا: يرجع إلى قول؛ كقوله سبحانه وتعالى: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } [المائدة: 38]، يشمل كل سارق، فنفس القطع فعل، والأفعال لا عموم لها حقيقة.

الموضع الثالث: هل يتصور العموم في الأفعال؟

قال القاضي أبو عبد الله الصيمري الحنفي في كتابه (مسائل الخلاف في أصول الفقه): دعوى العموم في الأفعال لا يصح عند أصحابنا، وقال بعض أصحاب الشافعي: ودليلنا أن العموم ما اشتمل على أشياء متغايرة، والفعل لا يقع إلَّا على درجة واحدة، واحتج الخصم بقوله صلى الله عليه وسلم: ((حكمي على الواحد حكمي على الجماعة))، دل على أن فعله في عين واحدة يقتضي تعديه في كل عين.

والجواب عن ذلك: أن هذا لم يعرف موضع النزاع منه، انتهى.

وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في كتابه (شرح اللمع): لا يصح العموم إلَّا في الألفاظ، وأما في الأفعال فلا يصح؛ لأنها تقع على صفة واحدة، فإن عرفت هذه الصفة اختص الحكم بها، وإلَّا صار الحكم مجملًا فمما عرفت صفته قول الراوي: “جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين في السفر”؛ فهذا مقصور على السفر، ومما لم تعرف صفته قوله: “في السفر”؛ فلا يدري إن كان طويلًا أو قصيرًا، فيجب التوقف فيه، ولا ندعى فيه العموم.

وقال ابن القشيري: أطلق الأصوليون أن العموم والخصوص لا يتصوران إلَّا في الأقوال، ولا يدخل في الأفعال -أعني: في ذوات الأفعال- فأما في أسمائها فقد يتحقق، ولهذا لا يتحقق إدعاء العموم في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم، عند من استدل على أن وقت العشاء يدخل بمغيب الشفق الأحمر، وهذا قد استدل بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه: ((صلى العشاء بعد مغيب الشفق))، فالعموم في الأقوال دون المعاني والأفعال.

وقال أصحاب الإمام مالك رضي الله عنهم: يكون العموم في الأفعال أيضًا كالأقوال؛ ولذلك استدلوا على أن كل فطر بمعصية يوجب الكفارة؛ بما روي أن رجلًا أفطر فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة، وقال الشافعية: إطلاق معنى العموم يصح في الألفاظ والمعاني، ودلائل الألفاظ من مفهوم ودليل خطاب؛ وكذا أحوال الفعل المقضي فيه بحكم من الأحكام إذا ترك فيه التفصيل، كتخيير من أسلم على أختين بينهما -أي: أنه يخير بين الأختين أيتهما شاء أمسك، والأخرى تطلق- ومن أسلم على عشرة نسوة يخير باختيار أربع، ولم نسأله عن حقيقة عقودهن وقعن معًا أو مرتبًا، وأما نفس الفعل الواقع فلا يصح دعوى العموم فيه، كما روي: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم سها فسجد))، لا يجوز الاستدلال بهذا على أن كل سهو يوجب السجود.

الموضع الرابع: لا خلاف أن العموم من عوارض صيغ الألفاظ حقيقة، بدليل أن الأصولي إذا أطلق لفظ العام لم يفهم منه إلَّا اللفظ. قال ابن الساعاتي -رحمه الله- في كتابه (بديع النظام): بمعنى وقوع الشركة في المفهوم لا بمعنى الشركة في اللفظ، يريد: أن معنى كون اللفظ عامًّا حقيقة، أن يصح أن يشترك في مفهومه كثيرون، وليس معنى كون اللفظ عامًّا كونه مشتركًا بالاشتراك اللفظي، كلفظة “القرء” بالنسبة إلى كونه حقيقة في الحيض، وحقيقة أيضًا في الطهر، بل بالاشتراك المعنوي.

وقال الإبياري: إن قول الإمام الغزالي: “إن العموم والخصوص من عوارض الألفاظ”، لا يظن به إنكار كلام النفس، وإنما الظن به أنه أراد به الصيغ؛ للاحتياج إلى معرفة وضع اللغة فيها.

وقال ابن برهان: الصحيح أنه من صفات الألفاظ، أي: أن العموم من صفات الألفاظ؛ لأنه إذا قلنا: مسلمون أو المسلمون، عاد الاستغراق إلى الصيغة، فإن الصيغة المتحدة هي المتناولة للكل، وقال قوم: يمكن دعوى العموم في المعاني، تقول العرب: عمَّهم الخصب والرخاء، وغير ذلك، وهذا لا يستقيم، فإن المعاني في هذه الصور متعددة، فإن ما خص هذه البقعة غير ما خص البقعة الأخرى.

ويقول إلكيا الهراسي في تعليقه: الصحيح أنه لا يقع حقيقة -أي: أن العموم لا يقع حقيقة- إلَّا على الألفاظ؛ لأن المعنى الواحد لا يشمل الكل، فإن اللذة الذي حصلت لزيد، غير الذي حصلت لعمرو.

وقال القاضي عبد الوهاب في كتابه (الإفادة): الجمهور على أنه لا يوصف بالعموم إلَّا القول فقط.

وذهب قوم من أهل العراق إلى أنه يصح ادعاؤه في المعاني والأحكام، ومرادهم بذلك حمل الكلام على عموم الخطاب، وإن لم تكن هناك صيغة تعمها، كقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ } [المائدة 3]، أي: نفس الميتة وعينها، لما لم يصح تناول التحريم لها، عم التحريم جميع التصرف من الأكل، والبيع، واللمس، وسائر أنواع الانتفاع، وإن لم يكن للأحكام ذكر في التحريم بعموم ولا بخصوص، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)). فهذا الكلام عام في الإجزاء والكمال، والذي يقوله أكثر الفقهاء والأصوليين اختصاصه بالقول، وإن وصفهم الجور والعدل بأنه عام هذا من باب المجاز.

يقول القاضي أبو زيد الدبوسي في كتابه (تقويم الأدلة): العموم لا يدخل في المعاني على الصحيح؛ لأنه لا يتصور انتظامها تحت لفظ واضح إلَّا إذا اختلفت في أنفسها، وإذا اختلفت تدافعت، وهذا كالمشترك، فلا عموم له، بل هو بمنزلة المحل.

يقول: وذكر أبو بكر الجصاص أن العموم ما ينتظم جمعًا من الأسماء والمعاني، وكأنه غلط منه في العبارة دون المذهب، فإنه ذكر من بعد أن المشترك لا عموم له، وإنما أراد بالمعاني معنى واحد عام كقولنا: خصب عام، ومطر عام.

يقول الإمام السرخسي -رحمه الله-: ذكر أبو بكر الجصاص أن العموم حقيقة في المعاني والأحكام كما هو في الأسماء والألفاظ، وهو غلط، فإن المذهب عندنا أنه لا يدخل المعاني حقيقة، أي: أن العموم لا يدخل من باب الحقيقة، وإن كانت توصف به مجازًا، وهذا خلاف طريقة أبي بكر الرازي، فإنه حكى عن مذهبهم أنه حقيقة في المعاني أيضًا، واختاره ابن حاجب، وعمم الحقيقة في المعنى الذهني والمعنى الخارجي؛ ولذلك مثَّل له بعموم المطر والخصب، ثم قال: وكذلك المعنى الكلي.

يقول الإمام صفي الدين الهندي: الحق هو التفصيل بين المعاني الموجودة في الخارج -أي: في الأعيان- وبين المعاني الكلية الموجودة في الأذهان، فإن عنوا بقولهم: “المعاني غير موصوفة بالعموم”، المعاني الموجودة في الخارج، فهو حق؛ لأن كل ما له وجود في الخارج، فإنه لا بد وأن يكون متخصصًا بمحل دون محل دون حال، ومتخصصًا أيضًا بعوارض لا توجد في غيره، وعند ذلك يستحيل أن يكون شاملًا لأمور عديدة، أما إن عنوا به مطلق المعاني -سواء كان ذهنية أو خارجية- فهو باطل، فإن المعاني الكلية الذهنية عامة، بمعنى أنها معنى واحد متناول لأمور كثيرة، وأما في المعاني؛ ففيه وجهان عند الشافعية حكاهما الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وغيره، والأكثرون على أنه لا يسمى عامًّا حقيقة، وإذا أضيف العموم إلى المعنى كقولنا: هذا حكم عام، أو قضية، أو حديث عام، فهو من قبيل الإطلاق المجازي، أي: لا يستحق المعنى بحق الأصل أن يوصف بالعموم، وإنما هو بحسب الاستعارة إما من اللفظ أو نظرًا إلى شمول جميع أفراد المعنى المذكور لمجموع محاله، وكذلك إطلاق العموم في العلة، والمفهوم… ونحوهما، فمن أطلق عليها العموم، لا يناقض اختياره هنا أن المعنى لا يسمى عامًّا؛ لأن ذلك إطلاق مجازي.

قال: ولا يجري هذا التفصيل في اللفظ؛ إذ اللفظ لا وجود له في الخارج، وأما تخصيص وجوده باللسان، فلا يمنع من حمله ودلالته على كل مسمياته، فمن هنا يمكن وصف اللفظ بالعموم.

وقال القاضي عضد الدين: إن كان الخلاف في الإطلاق اللغوي فأمره سهل، أي: عندئذٍ يصير الخلاف لفظيًّا، أي: له أثر، وإن كان في واحد متعلق بمتعدد فذلك لا يتصور في الأعيان الخارجية، وإنما يتصور في المعاني الذهنية، والأصوليون ينكرون وجودها، يقول الزركشي: وقد صرح الهندي في (الرسالة السيفية)، بأن الخلاف في اللغة فقال: العموم من عوارض الألفاظ خاصة بحسب الاصطلاح إجماعًا، وكذا لغة على المختار، وقيل: من معاني العوارض أيضًا، وفصل ابن برهان بين المعاني الكلية؛ مثل حكمة الردع في نصب القتل سببًا، فهي مثل الحكم يجري فيها العموم، وبين الجزئية، فلا يجري فيها العموم.

يقول الآمدي: لعل من منع عروض العموم للمعاني لم يكن إلَّا لنظره إلى ما لا ينحصر منها وغفلته عن تحقيق معنى كليتها، وعلى ذلك فيحصل من كل هذا الكلام، ثمانية مذاهب في مسألة العموم، هل هو من عوارض الألفاظ أويدخل في المعاني؟

أحد هذه المذاهب: أنه لا يعرض للمعاني مطلقًا.

والثاني -وهو قول الأكثرين-: أن يعرض للمعاني مجازًا لا حقيقة.

والمذهبين كذلك تدخلا في الألفاظ.

المذهب الثالث: أنه يعرض للألفاظ والمعاني حقيقة بالاشتراك اللفظي.

المذهب الرابع: أنه يعرض لهما حقيقة بالتواطؤ؛ فتكون موضوعة بالقدر المشترك بين اللفظ والمعنى، وهذا، والذي قبله -أي: المذهب الرابع، والثالث- من كلام الإمام القرافي في كتابه: (العقد المنظوم).

المذهب الخامس: أنه حقيقة في المعاني، مجاز في الألفاظ، يقول الأصفهاني في (شرح المحصول): نقله ابن الحاجب، وهو غريب.

المذهب السادس: التفصيل بين المعنى الذهني، والخارجي.

المذهب السابع: التفصيل بين المعنى الكلي، والجزئي.

المذهب الثامن: الوقف، وهو قضية كلام الإمام الآمدي، فإنه أبطل أدلة القائلين بالحقيقة، والقائلين بالمجاز، ولم يختر منها شيئًا، فدل على أنه متوقف، ويخرج على هذا الأصل مسائل؛ منها: أن المفهوم لا عموم له على رأي الغزالي؛ لأنه ليس بلفظ.

ومنها: دلالة الاقتضاء، هل هي عامة أولا؟ ومن ثم ينبغي تأمل كلام ابن الحاجب، في أن العموم من عوارض المعاني حقيقة، وأن المقتضي لا عموم له.

ومنها: أن الفعل هل يختص، أي: أن الفعل قد يكون خاصًّا؟

ومنها: سكوت النبي صلى الله عليه وسلم، هل يكون دليلًا عامًّا أولا؟ خلاف بين العلماء مبني على هذا الخلاف في تناول العموم للمعاني، وعدم تناوله.

ظهر بما ذكرناه أن المراد بالمعاني هنا: المعاني المستقلة، ولهذا مثلوه بالمفهوم والمقتضي، ولا يقصدون به المعاني التابعة للألفاظ، فالمعاني التابعة للألفاظ لا خلاف في عمومها؛ لأن لفظها عام، وكما نعرف أن التابع لا بد أن يكون كالمتبوع، يقول الإمام القرافي: اعلم أنّا كما نقول لفظ عام -أي: شامل لجميع أفراده- كذلك نقول للمعنى: إنه عام أيضًا، فنقول: الحيوان عام في الناطق والبهيمة، والعدد عام في الزوج والفرد، واللون عام في السواد والبياض، والمطر عام، وهذه كلها عمومات معنوية لا لفظية، فإنّا نحكم بالعموم على هذه الصور، على هذه المعاني عند تصورنا لها، وإن جهلنا اللفظ الموضوع بإزائها، هل هو عربي أو عجمي، شامل أو غير شامل؟.

وأما عموم اللفظ، فلا نقول: هذا اللفظ عام حتى نتصور اللفظ نفسه، ونعلم من أي لغة هو، وهل وضعه أهل اللغة -أي: أهل تلك اللغة- عامًّا شاملًا، أو غير شامل، فلو وجدناه شاملًا سميناه عامًّا، وإن لم نجده شاملًا لم نسمه عامًّا عموم الشمول، وقد نسميه عامًّا عموم الصلاحية، فقد ظهر حينئذ أن لفظ العموم يصلح للمعنى، واللفظ، وهل ذلك بطريق الاشتراك، أو بطريق التواطؤ، فيه ما سبق من المذاهب.

أيضًا ظهر لنا أن هذا الخلاف فرضوه في العام ولم يُجروه في الخصوص، هل هو حقيقة في المعاني أولا؟ ولا شك في طرده، يقول المقترح: القائلون بأن العام والخاص من عوارض الألفاظ اختلفوا على مذهبين:

أحدهما: أن العام راجع إلى وصف متعلق العلم كالخبر، فإنه متعلق بمخبريهم، والعلم بمعلومين.

والثاني: أنهما صفتان زائدتان على المعاني، وهما من أقسام الكلام.

أيضًا يقول الإمام القرافي: استصلحوا بأن المعنى يقال له أعم وأخص، واللفظ يقال له عام وخاص، ووجه المناسبة أن “أعم” صيغة أفعل التفضيل، والمعاني أفضل من الألفاظ، فخصت بصيغة أفعل التفضيل، وإطلاق ابن الحاجب وغيره يخالف هذا الاصطلاح.

أيضًا ظهر لنا أن المعروف من إطلاقاتهم أن الأخص يندرج تحت الأعم، ووقع في عبارات صاحب (المقترح): الأعم مندرج تحت الأخص، قال بعض شارحيه: وجه الجمع أن العموم والخصوص إن كانا في الألفاظ فالأخص منهما مندرج تحت الأعم؛ لأن لفظ “المشركين”، مثلًا يتناول زيدًا المشرك بخصوصه، وإن كان في المعاني فالأعم منهما مندرج تحت الأخص؛ لأن زيدًا إذا وجد بخصوصه اندرج فيه عموم الجوهرية، والجسمية، والحيوانية، والناطقية أيضًا.

error: النص محمي !!