تعريف العقد والاتصال، والمراد من كل منهما
أولا: العقد:
العقد في اللغة: الربط والشد والضمان والعهد، كما يطلق أيضًا في اللغة على الجمع بين أطراف الشيء، كالحبل مثلًا عند عقدة تجمع طرفيه، وتربط بينهما هذا هو المعنى اللغوي.
المعنى الاصطلاحي للعقد:
يطلق العقد على معنيين: معنى عام، ومعنى خاص:
المعنى العام: هو كل ما يعقده أو يعزم الشخص أن يفعله هو؛ أي: يعتقد ويعقد على نفسه بعزيمة معينة أن يفعل ذلك الشيء، أو يعقد على غيره فعله كالاستئجار للعمل على وجه إلزامه إياه، كما يقول الجصاص صاحب كتاب (أحكام القرآن)، وهو فقيه حنفي كبير.
وعلى ذلك فيسمى البيع والنكاح وسائر عقود المعاوضات عقودًا؛ لأن كل واحد من طرفي العقد ألزم نفسه الوفاء به، وسمي اليمين على المستقبل عقدًا؛ لأن الحالف ألزم نفسه الوفاء بما حلف عليه من الفعل أو الترك، وكذلك العهد بين فئتين، والأمان الذي يعطى لغير المسلم؛ لأن معطي هذا العهد أو هذا الأمان قد ألزم نفسه الوفاء، بذلك كل المعاني السابقة فيها إلزام، فكل من ألزم نفسه أو غيره فعل شيء يسمى هذا الإلزام عقدًا، وكذا كل ما شرط الإنسان على نفسه في شيء يفعله في المستقبل فهو عقد، وكذلك النذور وما جرى مجرى ذلك.
ومن هذا الإطلاق العام في معنى العقد قول الألوسي في تفسير قوله تعالي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، المراد بها: يعم جميع ما ألزم الله عباده وعقد عليهم من التكاليف والأحكام الدينية، وما يعقدونه فيما بينهم من عقود الأمانات والمعاملات ونحوها، مما يجب الوفاء به. إذًا الألوسي أضاف معنى آخر وهو ما ألزمنا الله تعالى به، فما ألزمنا الله عز وجل به فهو عقد بيننا وبين الله، وما نلزم به أنفسنا نحو غيرنا فهو عقد بيننا وبين غيرنا، كالأمانات والمعاملات، إذًا المعنى العام للعقد: هو كل ما فيه إلزام سواء كان من الشخص لنفسه، أو بين شخص وغيره، أو بين الإنسان ورب العالمين.
المعنى الخاص للعقد: وفيه يطلق العقد على ما ينشأ عن إرادتين لظهور أثره الشرعي في المحل، إرادتي وإرادتك اتفقت على البيع والشراء، وعلى ثمن معين، إذًا هذا العقد الذي نشأ عن إرادتين تظهر آثاره الشرعية في المحل؛ أي: في المبيع المتفق عليه حيث تنتقل ملكيته إلى المشتري، ويتصرف فيه كما يشاء، وينتقل الثمن إلى البائع يتصرف فيه كما يشاء.
قال الجرجاني: العقد ربط أجزاء التصرف بالإيجاب والقبول؛ فالموجب أوجب القول والقابل قبل ذلك الإيجاب، فترتب على الإيجاب والقبول آثار شرعية في نقل الملكية، أو إباحة البضع أو غير ذلك من الأمور، وبهذا المعنى الذي هو الخاص عرفه الزركشي بقولة: ارتباط الإيجاب بالقبول الالتزامي كعقد البيع والنكاح وغيرهما.
إذًا عرفنا معنى العقد لغة واصطلاحًا، لغةً: الربط والإحكام، واصطلاحًا: له معنيان معنى عام: كل ما يلزم الشخص به نفسه أو يلزم به غيره، ومعنًى خاص: وهو الناشئ أو الآثار الناشئة عن إرادتين متفقتين تظهر في المحل، أو ربط أجزاء التصرف بالإيجاب والقبول، أو ارتباط الإيجاب بالقبول الالتزامي كعقد البيع والنكاح.
ثانيًا: الاتصال:
الاتصال لغةً: عدم الانقطاع وهو ضد الانفصال، والفرق بين لفظي اتصال وموالاة، أن الاتصال هو أن يوجد بين شيئين لقاء ومماسة، هذا اتصال لقاء ومماسة، أما الموالاة فلا يشترط لقاء ولا مماسة بين الشيئين، بل أن يكون بينهما تتابع في الزمن، أو في المكان ويستعمل الفقهاء الاتصال في الأعيان وفي المعاني، ففي الاتصال في الأعيان يقولون: اتصال الصفوف في صلاة الجماعة، والزوائد المتصلة بالمعقود عليه كالثمن والصبغ، أما الاتصال في المعاني فيقولون: اتصال الإيجاب بالقبول ونحو ذلك، إذًا هو داخل معنى اتصال الإيجاب بالقبول؛ لأنه هذا هو الذي يترتب عليه العقد والأثر الشرعي.
والفرق بين لفظي اتصال ووصل أن الاتصال هو أثر للوصل، فالواصل مثلا يوصل شيئين فيقع بينهما اتصال، فيكون الاتصال أثرًا لهذا الوصل.