تعريف القرينة
القرينة لغة: النفس، وهي أيضًا الزوجة، سميت بذلك؛ لأنها تقارن زوجها، وهي مأخوذة من قرن الشيء بالشيء، أي: شده إليه ووصله به، كجمع البعيرين في حبل واحد، وكالقران بين الحج والعمرة، أو كالجمع بين التمرتين، أو اللقمتين عند الأكل، وكما نسمي توثيق عقد الزواج بعقد القران، لأننا نقرن الزوج والزوجة كلًّا منهما بالآخر، بعد إجراء صيغة العقد الشرعي.
وتأتي المقارنة أيضًا بمعنى المرافقة، والمصاحبة: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِين} [الزخرف: 36]، فهي بمعنى المرافقة والمصاحبة، ومنه ما يطلق على الزوجة قرينة، وعلى الزوج قرين وعلى الشيطان أيضًا قرين، هذا عن المعنى اللغوي أو المعاني اللغوية.
اصطلاحًا: كلمة قرينة: معناها ما يدل على المراد من غير كونه صريحًا؛ حيث تدل على أمر ما أو على شيء ما دلالة غير صريحة، ومن هنا يكون بين القرينة، وما تدل عليه اقتران وارتباط.
إذًا المعنى الاصطلاحي مناسب للمعنى اللغوي؛ لأن بين القرينة وبين ما تدل عليه اقترانا وارتباطا، كأنهما مشدودان إلى بعضهما البعض، فهي علامة عليه وهي مصاحبة له.
ومن هنا اعتبرت دليلًا يستعان به عند اللزوم، عملًا بما ورد في قوله تعالى: {وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [يوسف: 18]، في قصة سيدنا يوسف -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام- إخوته وضعوا على قميص يوسف دمًا، وأتوا بالقميص ولم يرجعوا بيوسف، وهذا الدم دم كاذب، ادعوا أن الذئب أكله، وهذه آثار دمه على القميص، ولم يلتفتوا إلى أن القميص لم يمزق، فكيف يأكل الذئب يوسف من غير أن يمزق القميص؟
إذًا سلامة القميص قرينة على كذبهم، قال القرطبي: إنهم لما أرادوا أن يجعلوا الدم علامة صدقهم، قرن الله بهذه العلامة علامة تعارضها، وهي سلامة القميص من التمزيق؛ إذ لا يمكن افتراس الذئب ليوسف، وهو لابس القميص ويسلم القميص، وأجمعوا -أي: العلماء- على أن يعقوب عليه السلام أبو يوسف استدل على كذبهم -كذب إخوته- بصحة القميص وسلامته، فاستدل العلماء بهذه الآية على إعمال الأمارات في مسائل كثيرة من الفقه.
كما استدلوا أيضًا بقوله تعالى {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ} أي: من الأمام {فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِين}[يوسف: 26]، لأنه كان يسعى إليها، وهي حاولت أن تمتنع منه، فكان بينهما مواجهة: {إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ} من الأمام {فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِين * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِين} [يوسف: 27].
لأن معنى قطعه من الخلف، أنه كان يجري أمامها ويهرب منها، وهي تحاول أن تلحق به، وأن تمسك بقميصه، حتى يقوم بما تشاء.
فاستدل العلماء أيضًا بهاتين الآيتين، على جواز إثبات الحكم بالعلامة –القرينة- إذ أثبتوا بذلك: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيم * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِين} [يوسف 28، 29]، فأثبتوا بذلك كذب امرأة العزيز، فيما نسبته ليوسف صلى الله عليه وسلم.