تعريف اللُّقطَة، وحكمها
اللقطة في اللغة:
قالوا فيها: إنها تكون بسكون القاف وفتحها، يقال: لُقْطة ولُقَطة، من لقط؛ أي: أخذ الشيء من الأرض، فهي اسم للمال الملقوط, فيقال على المال الملقوط: لقطة ولقطة.
وقال بعض أهل اللغة: إنها تكون بفتح القاف، كما نقول: لُقَطة، فتكون بفتح القاف، وتكون بمعنى اسم الفاعل؛ أي: الملتقط، كقولهم: “همزة ولمزة”.
وبهذا المعنى اللغوي تشمل اللقطة ما يلتقطه الإنسان من أموال ومن حيوانات أو من بني آدم، إلا أن الفقهاء ميزوا في أبحاثهم بين الأموال والحيوان، وبين بني آدم الملقوط، فقالوا: إن لقطة الأموال تسمى لقطة، ولقطة الإنسان تسمى اللقيط، وهو ما نتكلم عنه بعد ذلك في أحكام اللقيط؛ لأن له أحكامًا تخصه.
اللقطة في الشرع:
لها تعريفات كثيرة في المذاهب، فعرفها بعض العلماء بأنها: المال الضائع من ربه يلتقطه غيره, أو الشيء الذي يجده الإنسان أو المرء ملقًى فيأخذه أمانة, أو هي مال يوجد ولا يعرف مالكه، وليس بمباح، كمال الحربي أو مال المعصوم تعرض للضياع، وإن كان كلبًا أو فرسًا أو حمارًا، وإذا قلنا كلبًا يكون المقصود الكلب المأذون فيه.
ولعل أوفى وأشمل تعريف لكل ما قيل من هذه المعاني، ما عرفها به بعض الشافعية بأنها: ما وجد من مال ضائع لغير حربي، ليس بمحرز أو ليس بمحوز، ولا ممتنع بقوته، ولا يعرف الواجد مالكه.
فقول الشافعية في هذا التعريف: “لغير الحربي” يخرج بذلك مال الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان؛ لأن الحربي هو من في حالة حرب مع المسلمين، فإذا كان له مال، فإما أن يدخل دار الإسلام بأمان أو بغير أمان، فإذا دخل بأمان فماله لا يجوز أخذه منه؛ لأن ماله محفوظ بعقد الأمان. أما إذا دخل بغير أمان, فلا يسمى المأخوذ منه لقطة، وإنما يكون غنيمة، فإن كان دخل دارنا بأمان أو دخل دارنا للتجارة، فالمأخوذ منه إذا ضاع منه يعتبر لقطة كغيره سواء بسواء، أما إذا دخل دار الإسلام بغير أمان، فماله يعتبر غنيمة لأنه حربي، وليس له حق في الدخول إلى ديار المسلمين.
كذلك قولهم: “غير محرز”, والمال المحرز أي: في حرز, كما نقول مثلًا في تعريف السرقة: أخذ المال من حرزه؛ أي: هو موجود في مكان مملوك، وصاحبه له سلطان عليه، فالمال المحرز هو الموجود في المكان المملوك، فهذا لا يكون لقطة؛ لأن مالكه يضع عليه سياجًا, أو يضع عليه أشياء تجعله معروفًا أن هذا لمالكه فلان.
فالمال المحوز أو المحرز يكون لمالكه إذا ادعاه؛ أي: لو قال: هذا مالي فيكون له، ولم يخرج عنه هذا المال ببيع أو غيره.
كما يخرج أيضًا بقولهم: “غير محرز” أنهم يقولون: “مال ضائع لغير حربي، وليس بمحرز”, فأيضًا كلمة “غير محرز” يخرج بها ما تلقيه الريح في ملك إنسان, أو يلقيه هارب في حجره، ولم يعلم مالكه.
هذه عبارات يقولها الفقهاء ليخرجوا بها إلى أن المال غير محرز، فـ”ما تلقيه الريح في ملك إنسان” مثل شخص قام في الصباح, ووجد على سطح داره أن الريح ألقت شيئًا له قيمة، وكانت الريح شديدة، وهذا المال الذي لا مالك له يعتبر لقطة؛ لأنه مال غير محرز.
ويخرج بغير المحرز أيضًا ما يلقيه هارب في حجر شخص، ولم يعلم مالكه, فلو أن شخصًا هاربًا يجري، وهناك شخص جالس على الطريق, فرمى في حجره شيئًا ولم يعلم مالك هذا الشيء فيعتبر لقطة, وتنطبق عليه أحكام اللقطة.
أيضًا المال غير المحرز ما تلقيه البحار على السواحل من أموال الغرقى يجده إنسان، فهذا يعتبر لقطة وهكذا، أو كأن شخصًا يجد مالًا في تركة مورثه كوديعة مجهولة، ولم تعرف ملاكها.
فأمر هذه الأشياء لبيت المال يتصرف فيه الإمام، فإن كان جائرًا فأمره لمن هو في يده بتسليمه إذا كان له صاحب, وإلا كان التصرف لبيت المال.
وإذا عرف المالك لشيء من هذه الأشياء: ما ألقته الريح، أو ألقته البحار, أو وجد عند المورث من ودائع ومجهول صاحبها، إذا وجد صاحبها بعد ذلك وعرفها ولو بعد زمن طويل، فهي باقية على ملكه، وينتفي عنها حكم اللقطة.
ويضرب الفقهاء أمثلة كثيرة لهذا الشيء الذي ليس محوزًا، كذلك يقولون: جمل تعب لثقل الحمل عليه، فتركه صاحبه في الخلاء، فهذا لا يكون لقطة ولا يملكه الآخذ له، وعند الإمام أحمد يملكه الآخذ له، وعند الإمام مالك لا يملكه، هناك خلافات بين الفقهاء في تحديد المحوز وغير المحوز.
كذلك يقولون: ولا ممتنع بقوته, فيخرج بهذا ما يكون له قوة يمتنع بها، ومثلوا لذلك بالإبل، فلا يجوز التقاطها.
وخرج بقول الشافعية: “ولا يعرف الواجد لهذا المال مالكًا له” ما إذا كان يعرف مالك المال الضائع فليس بلقطة، ويجب عليه أن يرده على مالكه؛ لأنه يعرف مالكه.
حكم اللقطة:
حكم الالتقاط أو اللقطة بمعنى التقاطها من على الأرض وأخذها، هذا أمر مشروع في الجملة، والأصل في مشروعيته الآيات التي تأمر بالبر والإحسان؛ لأن في أخذ المال الضائع والمحافظة عليه لرده لمالكه نوعًا من الإحسان والبر، والبر والإحسان مأمور بهما؛ قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
أيضًا هناك أدلة من السنة تدل على مشروعية اللقطة, بمعنى التقاطها ورفعها من الأرض وأخذها، مثل ما رواه مالك في “الموطأ” عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: “جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة, فقال ((اعرف عفاصها ووكاءها, ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها)) قال: فضالّة الغنم يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((هي لك أو لأخيك أو للذئب)), قال: فضالة الإبل؟ قال: ((ما لك ولها! معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها)), هذا حديث زيد بن خالد الجهني الذي رواه مالك في “الموطأ”.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ((اعرف عفاصها ووكاءها)) الخيط الذي يشد به يسمى الوكاء؛ أي: الخيط الذي يربط به المال إذا كان في خرقة أو في كيس؛ فتارة يكون هذا الوكاء, أي الخيط من نفس لون الكيس أو غير ذلك.
والعفاص هو نفس الكيس، أو الوعاء الذي تكون فيه من قرطاس ونحوه.
وصلى الله عليه وسلم يقول: “معها حذاؤها” بالنسبة للإبل، أي: خُفّها، فإنه لقوته وصلابته في التحمل يجري مجرى الحذاء.
وقوله صلى الله عليه وسلم: “وسقاؤها” أي: بطنها؛ لأنها تأخذ فيه ماء كثيرًا, فيبقى معها يمنعها من العطش، وقيل: سقاؤها, أي: أعناقها التي تتوصل بها إلى الماء، فلا تحتاج إلى تقريب الراعي أو معونته.
فالدليل من السنة على أن اللقطة مشروعة, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للسائل: “اعرف” أي: تعرف على عفاصها ووكائها أنت يا ملتقط اللقطة, اعرفها قبل أن يطول الزمن وتختلط بمالك، فإن جاء صاحبها بعد المدة المحددة, وإلا فشأنك بها تصير ملكًا لك.
ومعنى كلمة الضالة التي في الحديث: اسم الحيوان خاصة؛ أي: عندما قال له: “فضالة الغنم؟” قال له: ((هي لك أو لأخيك أو للذئب)) قال: “فضالة الإبل؟” قال له كذا، فالضالة: اسم للحيوان خاصة دون سائر اللقطة، وجمع ضالة: ضَوَالّ، يقال: ضوال الإبل وضوال الغنم؛ أي: كمية من الغنم أو الإبل ضلت فيسمونها الضوال.
هذا حديث من السنة يستدل به على مشروعية اللقطة.
هناك دليل ثانٍ أيضًا رواه مالك في “الموطأ” عن معاوية بن عبد الله بن بدر الجهني, أن أباه أخبره أنه نزل منزلَ قوم بطريق الشام؛ أي: مكانًا كانت الناس تنزل فيه في طريق الشام، فمعاوية بن عبد الله بن بدر الجهني يقول: إن أباه أخبره بذلك, وأخبره أنه وجد صرة فيها ثمانون دينارًا، فذكرها لعمر بن الخطاب فقال له عمر: عرفها على أبواب المساجد، واذكرها لكل من يأتي من الشام سنة؛ لأنه وجدها في طريق الشام وهذا طريق سفر؛ فكل من يأتي من الشام يذكرها له, فربما يكون هذا الذي ضاعت منه من أهل الشام، فربما عرفها بعد ذلك، فإذا مضت السنة فشأنك بها؛ أي: تتصرف فيها كما تشاء.
هذا بالنسبة للدليل على مشروعية اللقطة في السنة. أما الإجماع فقد أجمع المسلمون على جواز الالتقاط في الجملة.