Top
Image Alt

تعريف “المباح”، وهل المُباح حكمٌ شرْعيّ؟

  /  تعريف “المباح”، وهل المُباح حكمٌ شرْعيّ؟

تعريف “المباح”، وهل المُباح حكمٌ شرْعيّ؟

المباح لغة: مأخوذ مِن “الإباحة”، وهي: الإعلان، والإذْن، والإظهار.

المباح اصطلاحًا: عرَّفَه ابن قدامة -رحمه الله- بأنّه: ما أذِن الله في فِعْله وتَرْكه، غيْر مُقترِنٍ بذَمِّ فاعِله وتارِكه، ولا مدْحِه.

شرح التّعريف:

“ما أذِن الله في فِعْله وتَرْكه”: هذا يُخرج الأشياء الباقية على حُكْمها قبل وُرود الشّرع؛ فعنده لا تُسمَّى: مُباحًا.

ويخرج بهذا القَيْد: أفعال غيْر المُكلَّفِين، وأفعال الله، وكذلك المُحرَّم والمكروه.

“غير مُقْترِنٍ بِذَمِّ فاعِلِه وتارِكِه ولا مدْحِه”: هذا يُخرج بقيّة الأحكام التّكليفيّة غير المُباح؛ فكلّ منها يتعلّق بفِعْله أو ترْكه مَدْح أو ذمّ.

ويُعرّف المُباح بأنّه: ما اقتضى خطابُ الشّرع التّسويةَ بيْن فِعْله وترْكِه، غير مدْح ولا ذمٍّ لذاته.

للمُباح أسماء كثيرة، منها:

  1. الحلال.
  2. الجائز.
  3. الطِّلْق.

وللمباح إطلاقات، منها:

  1. يُطلَق على غيْر الحرام؛ فيُقال للواجب والمندوب والمكروه: مُباح.

ويشترك معه في هذا الإطلاق: الحلال، ويزيد عليه بأنّه يشمل المُباح أيضًا.

  • يُطلق على ما سكَت عنه الشّرع، ولم يَظْهر له حُكمٌ خاصّ؛ وذلك بناءً على أنّ الأصْل في الأشياء: الإباحة.
  • يُطلق على المطلوب.
  • يُطلق على ما استوى جانباه؛ وهذا هو الأصل، وهو المراد بحْثه عند علماء أصول الفقه.

والأساليب التي تُفيد الإباحة كثيرة، منها:

  1. التصريح بالحِلّ.
  2. التّنصيص على نفْي الحَرَج.
  3. التّنصيص على نفْي الجُناح.
  4. التّصريح بنفْي الإثم.
  5. التّصريح بنفْي المؤاخذة.
  6. التّصريح بنفْي البأس.
  7. صيغة الأمْر التي احتفَّت بها قرينة صرفَتْها مِن الوجوب إلى الإباحة.
  8. الإذْن في الشيء.

هل المُباح حكمٌ شرْعيّ؟

اختلف العلماء -رحمهم الله- في ذلك على قوليْن:

الأول: أنّ المُباح حُكْمٌ شرعيّ؛ وبه قال الجمهور.

الثاني: أنّ المُباح حُكم عقليّ؛ وبه قال بعض المعتزلة.

حُجّة الجمهور: أنّ الإباحة عبارة عن خطاب الشّارع بالتّخيير بيْن الفِعْل والتّرك؛ فهي متوقّفة على خطاب الشّارع، فتكون حُكمًا شرعيًّا.

حُجّة المعتزلة: أنّ المباح: ما انقضى الحَرَج في فِعْله وترْكه؛ وذلك ثابتٌ قبْل الشّرع وبَعْده.

والخلاف بيْن القوليْن لفْظيّ، ينبني على تفسير المباح.

فإذا أُريدَ بالمباح: نفْي الحَرَج عن الفِعْل، فهذا ليس حُكمًا شرعيًّا؛ لأنه مُتحقّق قبْل الشّرع؛ فلا يكون المباح على هذا التفسير مِن الشّرع.

وإن أُرِيدَ بالمباح: الخطاب الوارد مِن الشّرع بانتفاء الحَرَج في طرَفَي الفِعْل، فهذا لا يُعلَم إلاّ بالشّرع فقط.

فيكون المباح -على هذا التفسير- مِن الشّرع.

الإباحة عند علماء أصول الفقه، نوعان:

النوع الأول: إباحة شرْعيّة: أي عُرفَت مِن قِبَل الشّرع. وذلك مثل: إباحة الجماع في ليالي رمضان.

النوع الثاني: إباحة عقليّة “البراءة الأصليّة”.

والفرْق بين الإباحتَيْن: أنّ رفْع الإباحة الشرعيّة يُسمَّى: نَسْخًا؛ لأنها حُكْمٌ شرعيّ، وأمّا رفْع الإباحة العقليّة فلا يُسمَّى: نسخًا؛ لأنها ليست بِحُكم شرعيّ.

هل المُباح مأمورٌ به؟

اختلف العلماء -رحمهم الله- في هذه المسألة على قوليْن:

القول الأول: أنّ المُباح غيْرُ مأمور به؛ وهذا مذهب جمهور العلماء.

القول الثاني: أنّ المُباح مأمورٌ به؛ وقال به: الكعْبيّ، مِن المعتزلة.

من أدلة الجمهور:

أولًا: أنّ الأمر يستلزم ترجيح الفِعْل على التّرك، والمُباح لا ترجيح لأحَد جانبَيْه على الآخر.

ثانيًا: القول بأنّ المُباح مأمور به، يُؤدّي إلى خَرْق الإجماع المنعقِد على أنّ الإباحة مِن الأحكام التّكليفيّة؛ إذْ إنّ عَدَّه مأمورًا به يَلزم منه ألاّ تُوجد الإباحة في أيّ فِعْل مِن أفعال المُكلَّفِين البتّة؛ لأنّ المُباح: ما استوى فيه جانبا الطّلب والتّرْك، والأمْر يَلْزم منه ترجيحُ جانِب الطّلب على التّرْك.

ثالثًا: عادة العَرَب -أهل اللّسان-: أنّهم لا يُطلقون اسم “الأمر” على المُباح.

عُمدة المخالِف:

أنّ الاشتغال بالمباحات يُترَك به الحرام؛ فيكون الاشتغال به واجبًا؛ لأنه لا يتمّ تَرْك المُحرَّم إلا بفِعْل المُباح، وتَرْك المُحرّم واجب؛ فيكون المُحرَّم واجبًا، بناءً على أنّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب.

وناقش الجمهور هذا القول بعِدّة مناقشات، منها:

  1. أنّ المباح يستلزم تَرْك الحرام، ويحصل؛ لكن ليس المباح هو تَرْك الحرام بعَيْنه.
  2. أنّ تَرْك الشيء يستلزم تصوّره حتى يقصد الإعراض عنه، وفاعل المُباح غالبًا يكون غافلًا عن تصوّر تَرْك الحرام.
  3. يلزم مِن هذا القول وصْف فِعْل المُحرّم بـ”الواجب”، إذا كان يشغل عن ارتكاب مُحرّم آخر أشنع منه.

والرّاجح -والله أعلم- هو قول الجمهور.

نوع الخلاف:

نوع الخلاف في هذه المسألة يلتفت إلى تفسير معنى قول الكعبيّ: “المباح مأمورًا به”.

  • فإنْ قصد أنّ المُباح مأمورٌ به، أي: أنّه مأذون في فِعْله وتَرْكه، فالخلاف لفْظيّ. لكنّ هذا التفسير مردود، لتصريح الكعبيّ بِكَوْن المُباح مأمورًا به، والأمْر: ضدّ الإذْن.
  • وإنْ قصَد أنّ المُباح مطلوب على جهة الوجوب أو النّدب، وأنّ فِعْلَه أفضل مِن تَرْكه، فالخلاف معنويّ.
  • وإن قصَد أنّ المباح واجبٌ لغيْره وليس لذاته، فإنّ الخلاف يكون لفظيًّا؛ لأنّ مراد الجمهور هو النّظر إلى المباح مِن حيث ذاته، دون الأمور التي تَعرض له، ومراد الكعبيّ ومَن وافقه هو: النّظر إلى المباح مِن حيث ما يَعْرض له مِن عوارض وأمور خارجية تُخرجه عن كوْنه مُباحًا.

فلمْ يتوارد قول الجمهور والكعبيّ على مَحمَل واحد. وهذا هو الأظهر -والله أعلم-.

هل الإباحة تكليف؟

اختلف العلماء في ذلك على قوليْن:

الأول: جمهور العلماء -ومنهم الأئمة الأربعة-: على أنّ الإباحة ليست بتكليف؛ لأنّ التّكليف إنما هو: الخطاب بأمْر أو نهْي، والإباحة ليست كذلك.

الثاني: ذهب الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني الشّافعيّ إلى أنّ الإباحة تكليف.

والنّزاع لفْظيّ.

س: لماذا ذُكرت الإباحة مِن أقسام الحُكم التّكليفيّ، مِن أنّه لا مشقّة فيها، ولا طلَب؟

جـ: ذكر العلماء -رحمهم الله- عدة تعليلات لذلك، منها:

أولًا: أنّ معنى كون المباح مِن التكليف، أي: أنّه يجب اعتقاد كوْنه مباحًا.

لكنّ هذا التعليل مردود؛ لأنه يلزم عليه أن تكون جميع الأحكام التّكليفيّة أو الوضعيّة كذلك؛ إذ يجب اعتقاد كوْنها أحكامًا.

ثانيًا: أنهم عدَّوه مِن أقسام الحُكم التّكليفيّ مسامحة وتكميلًا للقسمة، أو أنه على سبيل التغليب.

ثالثًا: أنّه مَجازٌ مِن باب إطلاق الكلّ وإرادة الجزء.

رابعًا: المقصود بكونه مباحًا: أنه يختصّ بالمُكلَّفِين.

error: النص محمي !!