تعريف المساقاة، وحكمها، وحكمة مشروعيتها
المساقاة في لغة العرب: مفاعلة من السقي بفتح السين وسكون القاف، وهي دفع النخيل والكروم؛ يعني شجر العنب إلى من يرعاه ويسقيه ويقوم بمصلحته، على أن يكون للعامل سهم؛ أي: نصيب أو جزء، والباقي للمالك، وأهل العراق يسمونها معاملة، ولا يخرج المعنى الاصطلاحي الشرعي عن المعنى اللغوي.
قال الجرجاني، في كتابه: (التعريفات) عند تعريف المساقاة: “هي دفع الشجر إلى من يصلحه بجزء من ثمنه”.
وقد اختلف الفقهاء في الحكم التكليفي للمساقاة إلى أقوال منها؛ أنها جائزة شرعًا؛ وهو قول المالكية، والشافعية، والحنابلة، ومحمد بن الحسن، وأبي يوسف، وعليه الفتوى عندهم؛ أي: عند الحنفية؛ لحديث ابن عمر: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر اليهود، ليعملوا فيها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها))، وهو حديث متفق عليه.
القول الثاني: أن المساقاة مكروهة؛ وهو قول إبراهيم النخعي، والحسن البصري.
القول الثالث: أن المساقاة بهذا المعنى حرام؛ وهو قول أبي حنيفة وزفر من الحنفية، واستدلوا -أي: الذين ذهبوا إلى كراهته أو إلى حرمته؛ بحديث رافع بن خديج رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كانت له أرض؛ فليزرعها أو ليزرعها ولا يكاره بثلث، ولا ربع، ولا بطعام مسمى))، أخرجه مسلم.
ووجه الدلالة فيه واضحة جدًّا؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كانت عنده أرض أن يزرعها بنفسه أو أن يعطيها أخاه ليزرعها ونهى عن المكاراة؛ يعني: المؤاجرة مقابل الثلث أو الربع، أو أي طعام مسمى، والمراد بالطعام: القمح، أو الشعير.
وهذا الحديث المتفق عليه وإن كان في المزارعة فإن الحكم نفسه ينطبق كذلك على المساقاة؛ فإن المعنى الذي من أجله كان النهي عن المزارعة يشمل المساقاة كذلك؛ وهو المعاملة مقابل جزء من الخارج؛ أي: من الخارج من الأرض، كما استدلوا على النهي بوجود الغرر في المساقاة -غرر يعني: المخاطرة في الحصول على مقابل العمل أو عدم الحصول عليه- والغرر في المساقاة يكمن في ظهور الثمرة فقد تظهر وقد لا تظهر، وقد تظهر قليلة وقد تظهر كثيرة.
وإذا نحن تأملنا هذه الأقوال الثلاثة في المساقاة، وجدنا أن القول الأول الذي ذهب إلى جوازها؛ وهو قول الجمهور هو الراجح.
وأما النهي فقد ورد في بداية هجرة أهل مكة إلى المدينة؛ فأراد النبي صلى الله عليه وسلم مواساة أهل المدينة للمهاجرين إليهم، أو أن النهي وارد عن نوع من المساقاة كان يشترط فيها أو في المزارعة أن يكون نصيب أحد المتعاقدين محددًا بنتاج جزء من الأرض أو الشجر، وأما صفة عقد المساقاة؛ ففيه خلاف؛ حيث ذهب الجمهور إلى أنه عقد لازم؛ أي: ليس من حق أحد طرفيه أن يفسخه وحده إن رفض الآخر، واستدلوا بأنه لا ضرر على أيٍّ من المتعاقدين في التنفيذ، وبالقياس على الإجارة، ولأنها -أي المساقاة- لو كانت جائزة وفسخ المالك العقد بعد العمل وقبل الثمرة؛ لكان في ذلك ضرر كبير على العامل.
وظاهر مذهب الحنابلة أنها عقد جائز فلأي من طرفيه فسخه على غير رضا الآخر، واستدلوا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عامل أهل خيبر قال لهم: ((نقركم على ذلك ما شئنا))، متفق عليه.
فقوله: ((على ما شئنا))، يدل على أنه يمكنه الفسخ في أي وقت؛ وبهذا يكون عقد المساقاة جائزًا، وبالقياس على المضاربة في الجواز.
وعلى كل حال، فالجمهور يرون أنها عقد لازم، بينما يرى الحنابلة أنها عقد جائز.
وأما حكمة مشروعية المساقاة: فهي تحقيق المصلحة ودفع الحاجة؛ لأن بعض الناس قد تكون لديه الخبرة بسقي الأشجار وأعمال ما يلزمها من بستنة ورعاية وعناية؛ ولكنهم لا يملكون الأرض التي يقيمون عليها هذا الشجر أو هذا البستان، وبعض من يملكون الأرض أو البساتين قد لا يجدون الوقت الذي يعملون فيه من خلاله، وقد لا تكون عندهم الخبرة؛ لأنهم مشغولون بأمور أخرى، كالطبيب أو المهندس أو المعلم أو ما إلى ذلك؛ فهؤلاء وأولئك يمكن أن يتفقوا على أن يقوم من عنده الخبرة، وليست عنده الأرض بسقي الشجر ورعايته مقابل جزء من الخارج منه، ويقوم صاحب الأرض أو صاحب البستان بتقديم بستانه؛ لعدم خبرته، إلى صاحب هذه الخبرة، فيقوم برعاية الثمار ويعطيه جزءًا من الثمار ويأخذ هو الباقي.