Top
Image Alt

تعريف الوصية

  /  تعريف الوصية

تعريف الوصية

الوصية والتوصية والإيصاء في اللُّغة: “أنْ يَطْلُب الإنسانُ فعلًا من غيره؛ ليفعله له في حال غيبته أو بعد موته”, نقول: أوصاه بكذا ووصاه به، إيصاء وتوصية، والاسم من ذلك الوصية، وقد تُطلق كلمة “الوصية” أيضًا على الشيء الموصى به، فنقول: فعل فلان الوصية, التي أوصاه بها فلان.

وقد جرى العرف على أن إقامة الإنسان وصيًّا على تركته، وعلى أولاده بعد موته يُسمى إيصاء، وأن تمليك شيء من التركة يسمى وصية، وسيكون كلامنا -إن شاء الله تعالى- في الوصية, والتي هي تمليك شيء من التركة، أو تصرف المالك فيما هو مملوك له في حياته؛ لينفذ بعد مماته.

تعريف الوصية اصطلاحًا أو عند الفقهاء:

وردت تعريفات كثيرة للوصية في كتب المذاهب الفقهية, كلها تؤدي معنى واحدًا يوجز في عبارة مختصرة, هي: أن الوصية -كما عبر عنها بعض المعاصرين- “تصرف في التركة مضاف إلى ما بعد الموت”, هذا أوجز تعريف، وأخصر عبارة يمكن أن تدل على المعنى المقصود بالوصية.

لو نظرنا إلى هذا التعريف نجد أنه يشمل جميع مسائل الوصية؛ فهو يشمل ما إذا كان الموصى به مالًا أو منفعة، وما إذا كان الموصى له -الشخص الذي أُوصي له من شخص آخر- من أهل التمليك فيصح أن يتملك؛ فالوصية لمعين بالاسم كمحمد أو أحمد, أو توصية بالوصف، وكان مِمّن يُحصون أو مِمّن لا يُحصون لكنه معين بالوصف كالوصية للفقراء؛ كأن يقول: أوصيت للفقراء.

ويشمل أيضًا هذا التعريف ما إذا كان الموصى له جهة من جهات البر، كالمدارس والملاجئ والمستشفيات… إلى آخره. كما يشمل أيضًا ما إذا كان الموصى به إسقاطًا فيه معنى التمليك, كالوصية بالإبراء من الدين، أي: يقول: أوصيتُ بإبراء فلان الذي هو مدين لي بمبلغ كذا، من هذا الدين هذه وصية يشملها التعريف.

ويشمل التعريف أيضًا: ما إذا كان المُوصى به حقًّا من الحقوق, التي ليست مالًا ولا منفعة ولا إسقاطًا, أي: لا هي مال ولا وصية بمنفعة، ولا وصية بإسقاط حق من الحقوق كالوصية بالإبراء من الدين؛ ولكنه متعلق بالمال كالوصية بتأجيل الدين الحال, فيمكن أن يقول الموصي: أنا أوصيت بألا يطالب ورثتي الشخص المدين لي بكذا، حتى لو حل الدين في كذا.

وكذلك الوصية بأن يُباع عقاره من فلان, فكل هذه الأمور يشملها هذا التعريف الموجز؛ لأنه لو رجعنا إليه بعد أن سردنا ما يُمكن أن يدخل تحته, نجد أنّه تعريف مختصر.

وقلنا: تصرف في التركة مضاف إلى ما بعد الموت؛ لأنّ الهبة نقل ملكية عين في حال الحياة، وكلمة في “حال الحياة” تقابل هنا “ما بعد الموت”, فالهبة تكون في حال الحياة، لكن الفرق بين الهبة والوصية أن الوصية شخص يوصي بأشياء لا يتم التصرف فيها، وإعطاؤها لمن أوصى لهم إلا بعد موته.

وهذه الوصية لها نظام قديم عرفه الرومان، وعرفه العرب في الجاهلية؛ فعند الرومان كان لرب العائلة حق التصرف بطريق الوصية تصرفًا مطلقًا، أي: غير مقيد بشيء, فقد يُوصي لأجنبي ويَحْرم أولاده من الميراث, وكان العرب في الجاهلية يُوصون للأجانب تفاخرًا ومباهاة، ويتركون الأقارب في فقر وحاجة.

فلما جاء الإسلام صحّح نظام الوصية, فأقامها على أساس من الحق والعدل؛ فألزم أصحاب الأموال قبل تشريع الميراث بالوصية للوالدين والأقربين بكل المال, قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ}  [البقرة: 180].

وحينما نزلت آيات سورة النساء بتشريع المواريث بالتفصيل, في قوله تعالى: {عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}  [البقرة: 180] إلى آخر الآية؛ قيدت هذه الوصية بقيدين:

القيد الأول: عدم نفاذها للوارث إلا بإجازة الورثة, أي: الذين يرثون هذا الميت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أعطى كل ذي حق حقه, فلا وصية لوارث)).

القيد الثاني: تحديدُ مِقْدَارها بالثُّلث حيث كانت مُطلقة, فالنبي صلى الله عليه وسلم حَدّدها بالثُّلث في قوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص، لما أراد الوصية بثلثي ماله أو نصفه, حيث قال صلى الله عليه وسلم: ((الثلث والثلث كثير؛ إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس)) هذا بالنسبة لتاريخ الوصية.

حكمة تشريع الوصية:

الحكمة من تشريع الوصية هي نفس الحكمة من وراء كل أعمال التبرع التي يفعلها الإنسان, يبتغي بها نيل الثواب في الآخرة، أو تحصيل ذكرى الخير في الدنيا, فقد يقصر الإنسان في فعل ما أُمر به من أوامر الشريعة، كسلًا أو تهاونًا؛ اغترارًا بأمله في الحياة, فشاءت رحمة اللطيف الخبير أن يشرع للناس أمرًا يتداركون به ما فاتهم، وهو الوصية، حتى إذا فاجأ الموت الإنسان يكون قد فعل ما يرجو به رضا الله عنه, وعفوه بما أوصى به من عمل للبر.

وليس هناك ما يمنع شرعًا أن تكون الوصية بالمال صلة للقرابة، أو مكافأة لمن أسدى إلى شخص معروفًا, وذلك بشرط أن تكون في حدود العدل والمعروف، وتَجَنُّب الإضرار؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى يقول: {بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ}  [النساء: 12], ولحديث ابن عباس: ((الإضرار في الوصية من الكبائر)).

والعدل المَطْلُوب أنْ تَكُون الوصية في حدود ثلث التركة؛ فإذا زادت عن ذلك وكانت لغير وارث، أو كانت لوارث فلا تنفذ إلا بإجازة الورثة الآخرين لمنع التباغض والتحاسد، وقطيعة الرحم بين الأهل وذوي الرحم؛ لأنّ الذين يرثون بينهم صلة رحم وصلة قرابة؛ فالوصية هنا الزائدة على الثلث لا تنفذ إلا بإجازة الورثة الآخرين إذا كان الموصي قد أوصى بوصية لوارث؛ لمنع التباغض والتحاسد كأن يقال: لماذا أعطى لهذا دون ذاك؟ فيتحاسدون إلى غير ذلك.

error: النص محمي !!