تعريف: الولاية،القضاء، التفريق بين الزوجين
تعريف الولاية:
الوِلاية -بكسر الواو- من الوَلْي وهو القرب، يُقال: وليه وليًا؛ أي: دنا منه، وأوليته إياه؛ أي: أدنيته منه، وولي الأمر؛ إذا قام به، وتولى الأمر؛ أي: تقلده، وتولى فلانًا؛ أي اتخذه وليًّا، والولي فعيل بمعنى فاعل من: وليه؛ إذا قام به، ومن هذا قوله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة: 275]، وبمعنى مفعول في حق المطيع، ومنه قيل: المؤمن ولي الله، بمعنى: مطيع لله سبحانه وتعالى.
إذًا: كلاهما ولي؛ الله ولي الذين آمنوا، والمؤمن ولي الله، والمعنى مختلف، فالله ولي الذين آمنوا بمعنى: يتولى أمورهم ويقوم بشئونهم، أما المؤمن ولي الله بمعنى مفعول فيعني ذلك: أنه مطيع لله، والمصدر: الولاية.
كذلك تأتي كلمة الولاية بمعنى: السلطنة والسلطة، ومنه قيل: العلم من أشرف الولايات يأتي إليه الورى -أي: الناس والخلائق- ولا يأتي؛ أي: العلم لا يذهب إلى لناس، ولكن الناس هم الذين يذهبون في طلب العلم ويسعون إليه، هذا عن الوِلاية بكسر الواو.
أما الوَلاية -بفتح الواو- فتعني النصرة والمحبة، قال ابن فارس: وكل من ولي أمر آخر فهو وليه، ومنه ولي اليتيم؛ أي: الذي يكفله ويرعاه، وولي المرأة وهو القائم بشئونها والمتصرف في أمرها، وولي القتيل؛ أي: صاحب الدم، ووالي البلد هو ناظر أمور أهل هذا البلد الذي يلي القوم، فيتولى أمر القوم بالتدبير والأمر والنهي، هذه كلها معانٍ لغوية.
أما الولاية اصطلاحًا -كما استعملها جُلّ الفقهاء- فهي كلمة بمعنى: تنفيذ القول على الغير شاء أو أبى؛ فولي اليتيم، وولي المرأة له ولاية إجبار في تنفيذ الأمر عليهما، فهي بمعنى السلطة والسلطنة، وتنفيذ القول على الغير شاء أو أبى.
وبهذا المعنى الاصطلاحي تشمل الولاية: الإمامة العظمى والخطة كالقضاء والحِسْبة والمظالم والشرطة ونحو ذلك، كما تشمل قيام شخص كبير راشد على شخص قاصر في تدبير شئونه الشخصية والمالية؛ أي: سواء كان هذا الشخص القاصر بالغًا ويُسمى سفيهًا ويحجر عليه حجر السفه، أو صغيرًا لم يبلغ فتكون الولاية لصغره، هذا الذي يتولى القيام بأمور هذا الشخص غير الراشد أو الشخص الصغير يقوم بتنفيذ القول عليهما، شاء كل منهما أو أبى؛ لأن في تنفيذ هذا الأمر أو هذه السلطة مصلحة لهذا القاصر في الشئون الشخصية والمالية.
قال النووي: “ويُقال للمحجور فيها: مولٍ عليه ومولًى عليه كذلك”، وقد وردت أيضًا على ألسنة الفقهاء بمعنى: إقامة الغير مقام النفس -يقال: فلان ولي عن فلان أي: مثل وكيل عنه- في تصرف جائز معلوم، وبهذا المعنى تناولت الوكالة ونظارة الوقف؛ أي: إدارته ونحو ذلك.
وأيضًا بمعنى: أحقية المطالبة بدم القتيل في الجناية على النفس كما بين الله تبارك وتعالى، حيث قال: { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء: 33].
وسموا صاحب هذه الولاية -أي: ولاية المطالبة بدم القتيل- ولي الدم، كما عبروا عن سلطة الزوج في تأديب زوجته الناشز، والوالد في تأديب ولده الصغير، والمعلم في تأديب تلاميذه بالولاية على ذلك أيضًا، فولاية الزوج في تأديب زوجته نوع من الولاية، وولاية الوالد في تأديب ولده الصغير أيضًا ولاية، وولاية المعلم في تأديب تلاميذه ولاية كذلك.
واستعملها فقهاء المالكية بمعنى الآصرة؛ أي: العلاقة الموجبة للإرث، أي: علاقة القرابة، وقال ابن جزيّ: الولاية خمسة أنواع: ولاية الإسلام وهذه معناها المناصرة، ((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه))، ولاية الإسلام، ولا يورث بها إلا مع عدم غيرها؛ فلو مات مسلم ولا يوجد ولا يُعرف من أقاربه أحد، يرثه المسلم كما كان في صدر الإسلام في أول الهجرة، وولاية الحلف، ولاء الموالاة وهي سبب من أسباب المواريث عند بعض الفقهاء، وولاية الهجرة، المهاجر في صدر الإسلام كان يرث المهاجر الآخر، وكانت ولاية الهجرة أقرب من ولاية الدم التي فيها كفر؛ ولذلك قال ابن جزيّ: وكان يتوارث بهما؛ أي: ولاية الهجرة وولاية الحلف كان يتوارث بهما أول الإسلام، ثم نسخا بقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] وأولو الأرحام؛ أي: القرابة الرحمية أولى من ولاية الهجرة وولاية الحلف.
ثم ذكر ابن جزي بعد ذلك ولاية القرابة، ثم ولاية العتق؛ فمن كان عنده عبد وأعتقه أو جارية وأعتقها فله على كل منهما ولاء؛ بمعنى: أن ذلك المعتوق إذا لم يكن له أقارب ورثه وليه، الذي كان سيده قبل العتق، والميراث بهما ثابت؛ أي: بالقرابة وولاية العتق. هذا عن تعريف الولاية، وبيان معناها لغة واصطلاحًا.
تعريف القضاء:
القضاء، ومن معانيه في اللغة: الحكم، قال أهل الحجاز: القاضي معناه في اللغة: القاطع للأمور المحكم لها، وأصله القطع والفصل، يُقال: قضى يقضي قضاءً فهو قاضٍ؛ إذا حكم وفصل، ويأتي لفظ القضاء في اللغة على وجوه مرجعها إلى انقضاء الشيء وتمامه، فمن ذلك يُطلق على الخلق { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ} [فصلت: 12]، والصنع كقوله تعالى: { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 12] أي: خلقهن وصنعهن، وتُطلق أيضًا كلمة القضاء على العمل كقوله تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه: 72]، معناه: فاعمل ما أنت عامل.
تُطلق أيضًا على الحتم والأمر كقوله تعالى: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23]؛ أي: أمر ربك وحكم، كما تطلق أيضًا على الأداء يقال: قضيت ديني؛ أي: أدَّيتُهُ، ومنه قوله تعالى: { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} [النساء: 103]؛ أي: أديتموها، وتطلق أيضًا على الإبلاغ كقوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ} [الحجر: 66]؛ أي: أبلغناه ذلك، وتطلق على العهد والوصية كقوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} [الإسراء: 4]؛ أي: عهدنا وأوصينا، وعلى الإتمام كقوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ} [سبأ: 14]؛ أي: أتممنا عليه الموت.
وتطلق أيضًا على بلوغ الشيء ونواله، يقال: قضيت وَطَري؛ أي: بلغته ونلته، والوطر هو الحاجة والهدف، وقضيت حاجتي كذلك، والقضاء المقترن بالقَدَر هو عبارة عن الحكم الكلي الإلهي في أعيان الموجودات، على ما هي عليه من الأحوال الجارية، في الأزل إلى الأبد. تلك جملة معاني القضاء في اللغة.
أما عن القضاء في الاصطلاح، فقد عرّفه الحنفية بأنه: فصل الخصومات وقطع المنازعات؛ كما هو معروف ومشاهد في المحاكم أو في المجالس العرفية بين المتخاصمين، فصل الخصومات وإعطاء كل ذي حق حقه، وقطع المنازعات بين الناس.
وزاد ابن عابدين أيضًا على تعريف الحنفية -وهو حنفي من المتأخرين- على وجه خاص؛ أي: فصل الخصومات وقطع المنازعات على وجه خاص، حتى لا يدخل فيه نحو: الصلح بين الخصمين؛ لأنه خارج القضاء، فإذا تحدثنا عن القضاء أضفنا على وجه مخصوص؛ لأن القضاء ملزم، أما الصلح في المجالس العرفية فقد لا يكون ملزمًا.
وعرفه المالكية بأنه: الإخبار عن حكم شرعي على سبيل الإلزام، وهذا هو الفرق بين القضاء والصلح المعتاد في المجالس العرفية، ففي القضاء إلزام وتنفيذ.
وعرفه الشافعية بأنه: إلزام من له إلزام بحكم الشرع، فليس أي إنسان، ولكن القاضي المعين من قِبَلِ وليّ الأمر هو الذي له حق الإلزام بالأحكام الشرعية.
وعرفه الحنابلة بأنه: تبيين الحكم الشرعي والإلزام به وفصل الخصومات؛ وبهذا يجمع الحنابلة بين التعريفات السابقة، فقد أخذوا تبيين الحكم الشرعي والإلزام به من تعريف المالكية وتعريف الشافعية، وأخذوا فصل الخصومات من تعريف الحنفية.
وقد استعمل الفقهاء لفظ القضاء في غير ما تقدم، مثلًا: في العبادات؛ للدلالة على فعلها خارج وقتها، فلو فات أو نام إنسان عن صلاة الظهر حتى جاء وقت العصر، فإن عليه صلاة الظهر، وهذه تُسمى قضاءً؛ لأنه فعلها خارج وقتها المحدود شرعًا، كما قال تعالى: { إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } [النساء: 103]، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أحب الأعمال إلى الله: الصلاة لوقتها))، إلى غير ذلك من استعمالات الفقهاء.
والقضاء مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، كما هو معروف في قوله تعالى في سورة النساء: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ } [النساء: 58].
ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((القضاة ثلاثة؛ اثنان في النار وواحد في الجنة)) الحديث، وقد أجمع المسلمون على مشروعيته.
تعريف التفريق بين الزوجين:
التفريق بين الزوجين، والتفريق مصدر فرّق؛ أي: فصَل وباعَد، والفرقة اسم من المفارقة، فالفرقة بين الزوجين هي مفارقة بينهما، ومعناها في اللغة: المباينة، وأصلها من الفرق بمعنى الفصل، يُقال: فرق بين الشيئين فرقًا وفرقانًا؛ أي: فصل بينهما، وافترق القوم فرقةً؛ أي: تفرقوا، ضد اجتمعوا، والفِرقة -بالكسر- الجماعة المتفردة من الناس. هذا معنى التفريق أو الفرقة في اللغة.
أما في الاصطلاح فيذكر الفقهاء هذه الكلمة -كلمة الفُرْقة أو التفريق- ويريدون بها انحلال رابطة الزواج، والفصل والمباينة بين الزوجين؛ سواء أكانت بطلاق أم بغيره كالخلع والإيلاء والظهار والفسخ، وغير ذلك.