Top
Image Alt

تعريف بالشعراء المخضرمين، والسمات التي ميزت شعرهم

  /  تعريف بالشعراء المخضرمين، والسمات التي ميزت شعرهم

تعريف بالشعراء المخضرمين، والسمات التي ميزت شعرهم

المخضرمون من الشعراء العباسيين هم: الذين عاشوا في الدولة الأموية شطرًا من أعمارهم، ثم أدركوا الدولة العباسية، وعاشوا في ظلالها الشطر الآخر من أعمارهم.

ولا بد لتوضيح ذلك أن نذكر أن الشعر في العصر العباسي -والأدب عمومًا- مرّ بأطوار عدة:

الطور الأول من أطوار الشعر العباسي:

هذا الطور تمثله عدة مراحل:

المرحلة الأولى: هي مرحلة المحافظين:

وهؤلاء المحافظون هم الشعراء الذين تمسكوا بخصائص الشعر، كما كان في عصر بني أمية، إذ امتازت أشعارهم بنقاء الأسلوب وجزالة القول، ومن هؤلاء الشعراء الأحيمر السعدي، الذي عاش أكثر حياته في الصحراء وفي البادية؛ فهو يمثل حياته إذ يقول:

عَوى الذِئبُ فَاِستَأنَستُ بِالذِئبِ إِذ عَوى

*وَصَوَّتَ إِنسانٌ فَكِدتُ أَطيرُ

فالشاعر عاشقٌ لحياة البادية والصحراء، يألف وحوشها إذا سمع عواء الذئب يأنس به ويهش له، لكنه يفزع إذا سمع صوت إنسان.

ومن الشعراء المحافظين أيضًا: أبو العباس الأعمى، وكان معروفًا بولائه للأمويين، وهو بعيد في شعره عن أسلوب الحضر. ومنهم ابن ميادة، وقد حافظ على منهجه في الشعر الذي نشأ عليه في العصر الأموي.

وسمات هذه المرحلة هي في الغالب سمات الشعر الأموي، قبل أن تأتي الحضارة في موكب الدولة العباسية بألوانها وأشكالها، وخيرها وشرها، وقبل أن يمتزج العرب بغيرهم من الأجناس.

المرحلة الثانية: يمثلها الشعراء الذين توسطوا وتجاذبتهم التقاليد الفنية الأموية تارة، والتقاليد العباسية الجديدة تارة أخرى.

ومن شعراء هذه المرحلة: ساديف، وأبو نُخيلة الراجز، ومروان بن أبي حفصة، وقد حاول هؤلاء محاولات أن يتفاعلوا مع العصر الجديد، وأن يتخلصوا من عوالق العصر الماضي؛ لكن هذه الأمور بالتأكيد لا تحدث جملة ولا تأتي طفرة، فالتغير في الشعر وفي الإبداع تابعٌ لتغير النفس، والأفكار، والعواطف، وهذه الأشياء تغيرها يتم ببطء ولا يتم طفرة ولا فجأة.

المرحلة الثالثة: مرحلة التطور والتجديد في حدود المحافظة:

ويمثل هذه المرحلة: آدم بن عبد العزيز، وكان منطلقًا في تجديده بنظمه الشعر الصوفي بالإضافة إلى نظمه الشعر الفكه الساخر، ويشاركه في هذه المرحلة: أبو دلامة، والحسين بن مطير الأسدي الذي عرف بموسيقيته، وتوليده للمعاني، وتجديده في الغزل العذري، ومن شعراء هذه المرحلة أيضًا: إبراهيم بن هرمه، وبشار بن برد، وهما يعتبران صلة الوصل بين العصرين الأموي والعباسي. ولذلك قال الجاحظ: “لم يكن في المولدين أصوب بديعًا من بشار، وابن هرمة”، لقد بدأ كل منهما يبتكر المعاني، وبذلك مهدا الطريق أمام الشعراء المجددين فيما بعد، وقد نهجا منهجًا وسطًا بين البداوة والحضارة.

وهؤلاء الشعراء الذين يمثلون هذا الطور الأول بمراحله المختلفة، هم الشعراء المخضرمون، وقد كانوا متفاوتين فيما بينهم في التعلق بتقاليد العصر الأموي، والأخذ بتقاليد العصر العباسي الفنية.

الطور الثاني من أطوار الشعر العباسي:

يمثل هذا الطور الرعيل الأول من شعراء العصر العباسي الخلّص، الذين انقطعت صلتهم بالعصر الأموي، ومن شعراء هذا الجيل: مسلم بن الوليد؛ فهو أول المجددين، وهو من مواليد الكوفة في منتصف القرن الثاني الهجري، ومنهم أيضًا: أبو نواس المولود سنة مائة وست وأربعين من الهجرة، وقد عرف أبو نواس بمجونه وتطرفه. ومن شعراء هذا الطور كذلك العباس بن الأحنف وهو شاعر من شعراء الغزل.

الطور الثالث من أطوار الشعر العباسي:

يمثله هذا الطور الرعيل الثاني من شعراء هذا العصر، وهم الشعراء الذين نشئوا وعاشوا في لجة المتغيرات التي انتابت الحياة الاجتماعية والثقافية في العصر العباسي، ومن شعراء هذا الطور أشجع السُّلمي، وعلي بن جبلة وغيرهما.

الطور الرابع من أطوار الشعر العباسي:

يتمثل هذا الطور في مرحلة الخصوبة الفكرية والعلمية، التي مهدت لظهور شعراء الفكرة والصنعة، ومن هؤلاء الشعراء العتابي، وأبو يعقوب الخزيمي.

الطور الخامس من أطوار الشعر العباسي:

تمثل هذا الطورَ المرحلةُ التي أرسيت فيها أصول الصنعة الشعرية، وتعددت أساليبها، وقد أحدث شعراء هذا الطور ثورة فنية، تناولت المعاني والأساليب، ومن شعراء هذا الطور: أبو تمام وابن المعتز.

ولا شك أن هذه الأطوار متداخلة، ونحن نجد بين الطور والطور والقرن والقرن شعراء كبارًا، مثل: المتنبي، وأبي العلاء، والبحتري، وغيرهم كثيرون من الشعراء الكبار في العصر العباسي؛ لكننا نركز الحديث عن الطور الأول، وهو طور الشعراء المخضرمين، هؤلاء الشعراء المخضرمون الذين عاشوا -كما قلت- شطرًا من أعمارهم في العصر الأموي، وشطرًا آخر في العصر العباسي- لا بد أنهم كانوا في حالة نفسية متأرجحة، أو هكذا كان أكثرهم، لا بد أن نلاحظ أن بعض هؤلاء الشعراء كانوا من الموالين للأمويين، الذين كانوا يترددون عليهم ويمدحونهم؛ فلما زالت دولة الأمويين وسقطت، وانتقل الحكم إلى العباسيين، أصبح هؤلاء الشعراء في موقف لا يحسدون عليه. وكان عليهم أن يصححوا من أوضاعهم ليتجنبوا بطش العباسيين بهم، منهم من نجح في ذلك واستطاع أن يخلّص نفسه من آثار الماضي، وأن يلتحق بالعباسيين، ومنهم من لم يستطع أن يفعل ذلك فانزوى، وخفَت صوته، ومنهم من حاول، وكان نجاحه نسبيًّا.

وعلى الصعيد الفني: منهم من استطاع أن يتفاعل مع أحداث العصر الجديد، ومنجزاته ومشاهده، وثقافته، وأن يظهر أثر ذلك على شعره، ومنهم من ظل أسيرًا للتقاليد الفنية القديمة المتوارثة، والتي كانت سائدة في العصر الأموي.

وعن هؤلاء الشعراء المخضرمين وأهمية دراسة شعرهم يقول الدكتور حسين عطوان في مقدمته لديوان مروان بن أبي حفصة، يقول عن هؤلاء الشعراء المخضرمين:

هم ثلاث فئات:

الفئة الأولى: كان لها علاقات ومودات وثيقة مع الولاة، والخلفاء الأمويين، ولم تحسن التقرب إلى العباسيين؛ فأبعدوها وجفوها وضيقوا عليها، وخير من يمثل هذه الفئة: إبراهيم بن هرمة القرشي.

الفئة الثانية: اتصلت بالخلفاء الأمويين؛ فلما أدال العباسيون منهم، ورأت ما ساموه غيرها من الشعراء من أنواع التضييق والتعذيب انزوت وانقطعت عن المديح، وانكبَّت على نفسها، وأخذت تتغنى بالغزل، وتتمسك بالعفة والطهر، وتنشد فيه المثالية إلى أبعد حد، وكأنما كانت تتخذ من ذلك وسيلة إلى إعلان رأيها في الحكم الجديد، وما يجب أن يتصف به من صلاح وعدل، ومن أشهر من يُمثل هذه الطائفة الحسين بن مُطير الأسدي.

الفئة الثالثة: كانت أيضًا على اتصال بالخلفاء الأمويين، وكانت أسرهم أخلص من خدمهم، وحظي عندهم؛ غير أنها عرفت كيف تتنصل من ماضيها وتمحوه محوًا، وكيف تتسلل إلى نفوس العباسيين وتتغلغل إلى أعمق أعماقهم، وتصبح الناطق بلسانهم، والمدافع عن حقهم في الخلافة، وأكبر من يمثل هذه الفئة مروان بن أبي حفصة، ولما يكشفه شعرهم من موضوعات جديدة أهمها، وصف أحوال النفس وتقلباتها بين اليسر والعسر، وبين الاطمئنان والذعر، وما كان يستبد بها من الهواجس، وما كان يغشاها من الخوف، وما تظهره كذلك من انفصال الشاعر عن ماضيه السياسي، وسعيه إلى أن يعفى عليه، وينهج نهجًا سياسيًّا آخر، يظفر معه بالدعة والسعة، بسبب هذا كله كانت أهمية هؤلاء الشعراء المخضرمين، وأهمية دراسة شعرهم”.

error: النص محمي !!