تعريف بالنسائي و(سُننه الصغرى) – (المجتبى) – لا (الكبرى)
أما (سنن النسائي)، فالمراد بها: (المجتبى)، أو ما يقال عنه: السُّنن الصّغرى، فقد حصل إجماع الأمَّة على تقديم الكتب الستة، وموطأ الإمام مالك على ما سواها من كتب. ومن هذه الكتب: (سنن النَّسائيِّ)أي:(المجتبى من السُّنُن).
قال أبو يعلى الخليلي في كتابه (الإرشاد) عن النَّسائي:
حافظٌ متقن، أقام بمصر، وعُمِّر. ورضيه الحفَّاظ، وكتابه يضاف إلى كتاب البخاري, ومسلم, وأبي داود. وبطبيعة الحال لا يُمكن أن يقال هذا عن (السُّنن الكبرى) التي فيها الكثير من الأحاديث المُعلَّة، والأحاديث التي تُعُقِّبَ عليها وضعّفها النَّسائي.
وقال الإمام الذَّهبيُّ في (السِّيَر):
لم يكن في رأس الثلاثمائة أحفظُ من النَّسائي. وهو أحذقُ بالحديث, وعلَله ورجاله من مسلم وأبي داود، ومن أبي عيسى. وهو جارٍ في مضمار البخاري وأبي زُرعة.
ونقل ابن خير الإشبيليّ في (الفهرست) بسنده:
عن ابن الأحمر راوي السنن، عن المصنِّف النسائي، قال: سمعت عبد الرحيم المكي -وكان شيخًا من مشايخ مكة- يقول: مصنَّف النَّسائيِّ أشرف المصنَّفات كلِّها، وما وُضع في الإسلام مثلُه.
وقال الحافظ ابن حجر في (النُّكت على كتاب ابن الصلاح):
قد أَطلقَ اسمَ الصِّحة على (كتاب النَّسائي): أبو عليٍّ النَّيسابوريُّ، وأبو أحمد بن عديٍّ، وأبو الحسن الدارقطني، وأبو عبد الله الحاكم، وابن منده، وعبد الغني بن سعيد، وأبو يعلى الخليلي، وأبو علي بن السكن، وأبو بكر الخطيب، وغيرهم… كذا قال.
قال ابن حجر: وفي هذه المقولة نَظَرٌ، حتَّى وإن أرادوا (المجتبى) أي: (السُّنن الصُّغرى) لأنَّه -رحمه الله- تكلم على كثير من الأحاديث في كتابه. فغالبًا كان لا يسكت عن الحديث الضعيف، فكان يتكلم عليه ويُبيِّن ما فيه، لا يمنعه من ذلك اعتقادٌ أو هوى.
وقد ذكر العلماء من تشدُّده في الرجال، حتى إنَّه تجنَّب الرِّواية عن ابن لهيعة، علمًا بأن حديث ابن لهيعة كان عنده؛ بل إنَّه تجنَّب في بعض الأحيان الرِّوايةَ عن بعض رجال الشَّيخيْن، مثل: إسماعيلَ بن أبي أويس. فقد روى له الشَّيخان وأصحاب السُّنن، ولم يُخرج له النَّسائيُّ. وانظر أيضًا: أحمد بن صالح المصري من رجال البخاري لم يخرج له. وانظر أيضًا: سويد بن سعيد الحدَثاني من رجال مسلم لم يخرج له، وغيرهم…
وقد قال الإمام الذَّهبي في (السِّير):
قال الحافظ ابن طاهر المقدسي: سألت سعد بن عليٍّ الزّنجاني عن رجل، فوثَّقه. فقلت: قد ضعَّفه النَّسائي. فقال: يا بُنيَّ، إنَّ لأبي عبد الرحمن شرطًا في الرِّجال أشدَّ من شرط البخاريِّ ومسلم.
قال الذَّهبيُّ: صدق، فإنَّه ليَّنَ جماعة من رجال صحيحَيِ البخاري ومسلم.
فكلُّ هذا يدلُّ على أنَّ الذي يتكلَّمون عليه، ويوثِّقونه هذا التَّوثيق، ويرفعونه إلى هذه الدرجة من الصحة ومن الثقة، إنَّما يتوجَّه إلى (السُّنن الصُّغرى)للنَّسائي، وليس إلى (السُّنن الكبرى) التي فيها -كما قلنا- من الأحاديث المُعلَّة ما ليس في (المجتبى) من السُّنن.
وهناك رأيٌ:
أنَّ الذي انتخب (المجتبى) هو ابن السُّنِّي، ولكن هذا الرأي مرجوح؛ لأنه هناك بعض الكتب التي هي في الصُّغرى وليست في الكبرى.
وإذا سلَّمنا بهذا الرأي، فهو من (سنن النَّسائي) لأنَّ ابن السُّنِّي لم يُدخل فيه شيئًا من رواياته، وكأنه رواه من أحاديث شيخه النسائي.