Top
Image Alt

تقسيم السنة من حيث ذاتها

  /  تقسيم السنة من حيث ذاتها

تقسيم السنة من حيث ذاتها

السنة من حيث ذاتها وماهيتها ثلاثة أقسام:

  1. سنة قولية.
  2. سنة فعلية.
  3. سنة تقريرية.

1. السنة القولية: أحاديث النبي صلى الله عليه  وسلم التي قالها في الأغراض المختلفة، سواء كانت أمرًا أم نهيًا، والسنة القولية تمثل الجانب الأكبر من هذه الأقسام الثلاثة؛ لأنَّ السنة القولية تمثل ذروة البيان البشري والبلاغة الإنسانية مبنى ومعنى، مضمونًا وشكلًا. هذا هو القسم الأول من أقسام السنة النبوية.

أمثلة:

  • قول رسول صلى الله عليه  وسلم: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)).
  • قول رسول صلى الله عليه  وسلم: ((لا ضرر ولا ضرار)) رواه الترمذي والإمام مالك، وابن ماجه، والدارقطني.

2. السنة الفعلية: ما صدر عن النبي صلى الله عليه  وسلم من أفعال ليست جِبلية، يعني: لم يجبل الله -تبارك وتعالى- رسوله عليها، فهي لا علاقة لها بالتشريع.

فالسنة الفعلية هي الجانب الثاني من السنة، التي يتمثل في فعله صلى الله عليه  وسلم أي: ممارسته العملية في حياته الخاصة والعامة، والدينية والدنيوية؛ فكلها قد نقلت عنه صلى الله عليه  وسلم حتى أخص الأمور في حياته البيتية، وعلاقاته الزوجية، وصدق الله العظيم إذ يقول: {لّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللّهَ وَالْيَوْمَ الاَخِرَ وَذَكَرَ اللّهَ كَثِيراً} [الأحزاب: 21].

أمثلة:

  • كأداء الصلاة بهيئاتها المعروفة.
  • وكيفية وضوئه صلى الله عليه  وسلم.
  • قطع يد السارق من الرسغ.
  • قضائه صلى الله عليه  وسلم بشاهد ويمين…

إلى غير ذلك من السنن الفعلية.

  • ما يتعلق بعبادته صلى الله عليه  وسلم من طهارة؛ كقول السيدة عائشة رضي الله  عنها فيما رواه البخاري ومسلم: ((كان صلى الله عليه  وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب؛ غسل فرجه، وتوضأ للصلاة)).
  • ما يتعلق بالصلاة؛ مثل قول أنس رضي الله  عنه فيما رواه البخاري ومسلم: ((كان إذا اشتد البرد بكّر بالصلاة)).
  • ما يتعلق بصيامه صلى الله عليه  وسلم من ذلك ما قول أبي هريرة رضي الله  عنه فيما رواه ابن ماجه: ((كان -يعني النبي صلى الله عليه  وسلم يصوم الاثنين والخميس)).
  • ما يتعلق بحجه صلى الله عليه  وسلم تقول السيدة عائشة -كما رواه الإمام مسلم: ((كان رسول الله صلى الله عليه  وسلم إذا أراد أن يحرم تطيب بأطيب ما يجد)).
  • ما يتعلق بأفعاله البشرية صلى الله عليه  وسلم: ففي صفة أكله وشربه صلى الله عليه  وسلم يروي لنا أنس بن مالك، كما رواه الإمام أحمد ومسلم، يقول: ((كان صلى الله عليه  وسلم إذا أكل طعامًا لعق أصابعه الثلاث)). ويقول أنس: ((إذا شرب تنفس ثلاثًا، ويقول: هو أهنأ، وأمرأ، وأبرأ)) الحديث متفق عليه.

وتقول السيدة حفصة رضي الله  عنها كما رواه أبو داود في صفة نومه صلى الله عليه  وسلم: ((كان إذا أراد صلى الله عليه  وسلم أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خده، ثم يقول: اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك، ثلاث مرات)).

وتقول السيدة عائشة رضي الله  عنها في الحديث المتفق في فعله صلى الله عليه  وسلم مع أزواجه في السفر، أو في العلاقات الخاصة: ((كان صلى الله عليه  وسلم إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه)). وتقول أيضًا: ((كان النبي صلى الله عليه  وسلم إذا التقى الختانان اغتسل)) هذا فعل من أفعال النبي، وسنة فعلية، وفعل خاص ودقيق، ومع ذلك نقل إلينا؛ لأنه صلى الله عليه  وسلم هو المبلِّغ شرع الله إلى الأمة.

  • ما يتعلق بآدابه صلى الله عليه  وسلم في الزيارة، يقول عبد الله بن يسر: ((كان صلى الله عليه  وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه)) هذه سنة النبي صلى الله عليه  وسلم في كيفية الاستئذان، وكيفية طرق الأبواب، وهي سنة فعلية: ((كان إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر. ويقول: السلام عليكم، السلام عليكم)) رواه الإمام أحمد وأبو داود، فهذا نموذج آخر ومثال لسنة النبي صلى الله عليه  وسلم الفعلية.

كيف كان يقسم الرسول صلى الله عليه  وسلم الفيء؟ هذه سنة فعلية، يقول عوف بن مالك، كما رواه أبو داود والحاكم: ((كان إذا أتاه الفيء قسمه في يومه؛ فأعطى الآهل حظين وأعطى العزب حظًّا))، الآهل يعني المتزوج.

فهذه سنن فعلية صدرت من رسول الله صلى الله عليه  وسلم في مختلف شئون الحياة الدينية والدنيوية.

ويدخل في أفعال النبي صلى الله عليه  وسلم أقضية النبي صلى الله عليه  وسلم وأحكامه، يعني: كيف كان يقضي بين الناس، وكيف كان يحكم بين الناس. هذه الأقضية والأحكام التي رويت بغير لفظ، كما في حديث ابن عباس رضي الله  عنهما الذي رواه الإمام مسلم، وأحمد، وأبو داود، قال: ((قضى رسول الله صلى الله عليه  وسلم بيمينٍ وشاهد)) هذه سنة فعلية.

كما يدخل في الأفعال أيضًا أوامره صلى الله عليه  وسلم ونواهيه التي لم ترد بلفظه هو صلى الله عليه  وسلم مثل ما روي عن سمرة بن جندب، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه  وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة مما نعد للبيع)) الحديث رواه أبو داود والدار قطني. فهذا أيضًا أمر من النبي صلى الله عليه  وسلم للصحابة، وهو داخل في باب السنة الفعلية.

وقد يرد القول مطابقًا لما فعله صلى الله عليه  وسلم، فالسنة: قولية وفعلية، ومثال ذلك: ما روي عنهصلى الله عليه  وسلم كما أخرجه البخاري: أنه قال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) .

ومن ذلك أيضًا قوله صلى الله عليه  وسلم كما رواه الإمام أحمد وغيره: ((خذوا عني مناسككم)) .

3. السنة التقريرية: أن يسكت عن إنكار فعلٍٍ أو قولٍٍ فُعل أو قيل في حضرته صلى الله عليه  وسلم أو في عصره، وعلم به، ولم ينكره، فهذا السكوت منه صلى الله عليه  وسلم يدل على جواز القول أو الفعل؛ لأنه صلى الله عليه  وسلم لا يسكت عن باطل.

ومن أمثلة السنة التقريرية ما روي ((أن صحابيين خرجا في سفر، فانعدم الماء منهما، فتيمما وصليا، ثم وجدا الماء قبل خروج الوقت، فتوضأ أحدهما وأعاد الصلاة، ولم يتوضأ الآخر ولم يعد الصلاة، فلما رجعا قصا ما حدث لرسول الله صلى الله عليه  وسلم فقال صلى الله عليه  وسلم للذي توضأ وأعاد: لك الأجر مرتين. وقال للذي لم يتوضأ ولم يعد: أصبت السنة، وأجزأتك صلاتك))، الحديث رواه أبو داود، والنسائي، وغيرهما. وظاهر أن هذا تقرير منه صلى الله عليه  وسلم لما فعله كل واحد من الصحابيين الجليلين رضي الله  عنهما هذا مثال للسنة التقريرية. والأمثلة في هذا كثيرة.

مراتب السنة التقريرية:

مراتب السنة التقريرية من حيث القوة في الدلالة:

المرتبة الأولى: سروره صلى الله عليه  وسلم واستبشاره بفعلٍٍ فُعِل أمامه:

فإذا سُرَّ صلى الله عليه  وسلم واستبشر بقولٍ قيل في حضرته أو بفعل فُعِل أمامه صلى الله عليه  وسلم فهذا في أعلى مراتب السنة التقريرية.

ومثال ذلك: ما ذكرناه من حديث إثبات النسب بالقافة -حديث مجزز المدلجي- لما قال: هذه الأقدام بعضها من بعض.

ومن ذلك أيضًا رضاؤه صلى الله عليه  وسلم عما قاله معاذ بن جبل رضي الله  عنه حينما بعثه إلى اليمن حيث قال له: ((كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بما في كتاب الله. قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه  وسلم. قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو. قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه  وسلم صدري، ثم قال: الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسول الله)) فرضى رسول الله صلى الله عليه  وسلم عما قاله معاذ يدل على أن الإقرار هنا في الدرجة العليا منه.

المرتبة الثانية: عدم الإنكار دون أن يُبدي صلى الله عليه  وسلم سرورًا أو رضى…

من ذلك مثلًا ما روي من إقراره صلى الله عليه  وسلم لاجتهاد الصحابة في أمر صلاة العصر في غزوة بني قريظة – حيث قال لهم: ((لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة)) ففهم بعضهم هذا النهي على حقيقته؛ فأخر صلاة العصر إلى ما بعد المغرب، وفهم بعضهم أن المقصود من هذا النهي هو الحث على الإسراع؛ فصلاها في وقتها في الطريق، وبلغ النبي صلى الله عليه  وسلم ما فعل الفريقان؛ فأقرهما ولم ينكر على أحدهما، فهذا عدم إنكار فقط، دون إظهار رضا أو سرور، هذا يأتي في المرتبة الثانية بعد المرتبة الأولى التي يبدي فيها النبي صلى الله عليه  وسلم الرضا والسرور.

المرتبة الثالثة: الترك:

من ذلك ما روي أنه صلى الله عليه  وسلم لما قدِّم إليه الضب أمسك عنه وترك الأكل منه، فقد روى الجماعة إلى الترمذي، عن ابن عباس، عن خالد بن الوليد أنه: ((لما قُدِّم الضب لرسول الله صلى الله عليه  وسلم وعلم أنه ضب، رفع يده. فقال خالد: أحرام يا رسول الله؟ قال: لا؛ ولكن لم يكن بأرض قومي؛ فأجدني أعافه)) فهذا تركٌ من النبي صلى الله عليه  وسلم ومع ذلك أقر من أكل بحضرته من هذا الضب؛ حتى قال خالد بن الوليد: ((فاحتززته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه  وسلم ينظر؛ فلم ينهني)) فمن صور إقراره صلى الله عليه  وسلم الترك.

error: النص محمي !!