تقسيم “الواجب” باعتبار تعيّن المطلوب وعدم تعيّنه
تقسيم الواجب:
ينقسم الواجب إلى عدّة تقسيمات بعدّة اعتبارات:
- واجب معيَّن.
- واجب مخيَّر (مُبهم).
فالواجب المعيَّن: هو الذي طلَبه الشّارع بعَيْنه، مِن غير تخيير بيْنه وبيْن غيْره، مثل: الصّوم والصّلاة.
والواجب المخيَّر (المُبهم ضِمن أمور محصورة):
هو الذي طلَب الشّارع فِعْله لا بِعَيْنه، ضمن أمور محصورة، مثل: التّخيير بين فِعلِ واحدة مِن خصال كفّارة اليمين، وكذلك في جزاء قتْل الصَّيد، وكذلك في فِدْية الأذى.
تحرير محَلّ النّزاع:
اتّفق العلماء على أنّ المُكلَّف لا يجب عليه الإتيان بجميع خِصال الكفّارة، كما أنّه لا يجوز له أن يتْرك الجميع. كما اتّفقوا على أنّ ذمّة المكلَّف تبرأ بأيّ واحدٍ مِن هذه الأِشياء إذا فَعَلها.
محلّ النّزاع هو: تعلّق الوجوب في الواجب المخيَّر: هل هو متعلِّق بجميع أفراده، أو أنّه متعلّق بواحد مِن تلك الأفراد؟
وقد اختلف العلماء في ذلك على أقوال:
الأول: أنّ الوجوب متعلِّق بواحد غيْر معيََّن –مُبهَم- من الأشياء المحصورة، وأنّ أيَّ واحد فَعَله المُكلَّف سقط به الواجب. وهو قول جمهور العلماء.
الثاني: الوجوب يتعلّق بجميع الأفراد. وهذا قول المعتزلة، ومحمد بن خويز منداد مِن المالكيّة.
الثالث: أنّ الوجوب متعلِّق بواحد معيَّن عند الله تعالى، غير معيَّن عندنا؛ لكن الله عَلِم أنّ المُكلَّف لا يختار إلاّ ذلك الذي هو واجب عليه. وهذا القول يُسمَّى: قول “التّراجم”، وهو قول ساقط باطل.
أدلّة الجمهور:
استدلّ الجمهور لمذهبهم بعدّة أدلّة، منها:
الدليل الأول: الوقوع الشّرعيّ، وهو دليل الجواز.
ومن الأمثلة على ذلك:
- التّخيير بيْن خصال كفّارة اليمين.
- تزويج البِكر الطّالبة للنّكاح مِن أحد الكفئيْن أو الأكفاء الذين خطبوها، واجب؛ والوليّ مخيَّر بين واحد منهم، ولا يجوز له أن يزوّجها مِن جميعهم.
- عقْد الإمامة العظمى لأحد الصّالِحيْن لها، واجب؛ والأمّة مخيَّرة بيْن أحدهما.
الدليل الثاني: العُرف العامّ.
أدلّة المعتزلة:
استدلّ المعتزلة لمذهبهم بعدّة أدلّة، منها:
أولًا: قياس الواجب المخيَّر على الواجب الكِفائيّ بجامع وجوب على الجميع، وسقوطه بفِعْل البعْض.
وأجاب الجمهور عنه بأنه قياس فاسد، وكذلك هو قياس مع الفارق.
ثانيًا: التّخيير يدل ّعلى التّساوي؛ فلو كان بعض تلك الخصال واجبًا وبعضها غير واجب، للزم من ذلك إباحة الإخلال بالواجب.
وأجاب الجمهور عنه بعدَم تسليم ذلك, وأنّ استواء الجميع في التّخيير لا يوجب الاستواء في الوجوب.
ثالثًا: خصال الواجب المخيَّر إمّا أنْ تستوي في تحصيل مصلحة المكلَّف، وحينئذٍ يلزم أن يكون الجميع واجبًا، أو يختص بتحصيل تلك المصلحة البعضُ، فيكون هو الواجب دون غيره.
وأجاب الجمهور عنه بعدّة أجوبة، منها: أن هذا الدليل مبنيّ على أصليْن فاسديْن مِن أصول المعتزلة، هما:
- وجوب رعاية الأصلح للعباد على الله.
- التّحسين والتّقبيح العقليّ مِن حيث قولهم: إنّ للأفعال صفاتِ حسْن في ذاتها لأجلها يوجبها الله، أو صفات قُبْح في ذاتها لأجلها يَنهى عنها. والعقل يُدرك ذلك، ويُثاب على الحسن ويُعاقَب على القبح، ولو لم يَرِدْ شرْع.
الرّاجح: هو مذهب الجمهور.
نوع الخلاف: يَنبني على تفسير مُراد المعتزلة مِن قولهم: “إنّ الخطاب في الواجب المخيَّر متعلِّق بكلّ فَرْد مِن أفراده”.
الواجب المخيَّر قسمان:
الأول: قسم يجوز فيه الجمْع بيْن الخصال المُخيَّر بينها، مثل: خصال كفّارة اليمين.
الثاني: قسم لا يجوز فيه الجمْع بين تلك الخصال المخيَّر بينها، مثل: عقد الإمامة لأحد الكفئيْن.
والواجب المخيَّر قد يصير معيَّنًا، وذلك إذا لم يبقَ المُكلَّف قادرًا إلاّ على خصلة واحدة مِن الخصال المخيَّر بينها، فيتعيّن.