تقييم التحصيل ما بين المفاهيم والقضايا العامة
ننتقل الآن بشيء من التفصيل إلى تقييم التحصيل ما بين المفاهيم والقضايا العامة، فإن التقييم في اللغة كما سبق أن أشرنا إلى أنه تقييم قيمة الشيء والحكم على قيمته، وتقييم التحصيل لم يختلف كثيرا عن قرينه في اللغة حيث يجسد تعيين قيمة أو كفاية نتائج التعلم أو حصيلته، أو هو عملية تربوية يتم بواسطتها تكوين الحكم في قيمة أو كفاية ظاهرة سلوكية تحصيلية تخص تعلم التلاميذ بالمقارنة بمعايير كمية نوعية أو كيفية مقترحة.
ومفهوم التحصيل الذي نشير إليه هنا هو الذي يخص نفسه بالحكم على كفاية نتائج التعلم كما ونوعا وكيفا في تحقيق الأهداف التربوية المنشودة من مقارنة مع المواصفات المعيارية المحددة لكل منها، وإذا نظرنا تاريخيا إلى التطور التاريخي؛ لتقييم التحصيل في التربية، فإن تقييم التحصيل بمعناه الواسع هو عملية تربوية ترشيدية نشأت وتطورت مع وجود الإنسان وتطوره فالإنسان الأول الذي اعتمد التجربة، والتقليد والملاحظة في تعلمه، وتحصيله للسلوك والمفاهيم والأشياء اعتاد تقييم قياسه وسلوكه الذي اتصف بالحركة غالبا من خلال نتائجه الواقعية على حياته اليومية، وبهذا نجد أن هذا الإنسان قد تحصل على وسائل عيشه ولوازم حياته اليويمة من مأكل ومشرب ومسكن وملبس، وعادات، وعلاقات اجتماعية ومهارات دفاعية بواسطة أساليب تقييمه، وهذه الأساليب التقييمية التي استخدمها غلبت عليه الذاتية والفطرة والملاحظة العشوائية.
ومع ظهور الكتابة في العصور التاريخية المبكرة، ونشوء الحضارات المتقدمة في الشرق القديم برزت أنواع مختلفة من الممارسات، والأحكام الدينية والاجتماعية، والتشريعية و التي تبناها الملوك وكهانتهم، وقاموا بمسئولية تعليمهم وأفرادها ورعاياهم ولما كان هذا التعليم يتصف في مجمله بالشفوية المباشرة، والشروح العملية فإن تقييم التحصيل المطلوب قد اتخذ، وقتئذ جزء من الملاحظة، والإجابات الشفوية والتطبيقات العملية والحكم الشخصي للكاهن أو المعلم، وقد أصبح وسيلة هامة آنئذ وبقي تقييم التحصيل شخصيا غير منظم في أهدافه وتطبيقاته حتى عام 2200 قبل الميلاد حين سجلت أول حادثة التقييم الرسمي في التربية الصينية، ، واعتاد الرسميون الصينيون آنذاك إجراء اختبارات مقننة في مجالات الخدمة المدنية الذين تقدموا لشغل وظائف الدولة المختلفة للتحقق من استمرار كفاياتهم العملية، وقد مارست هذه الاختبارات ونتائجها دورا واضحا في توجيه الحياة اليومية العامة، ووظائفها وحاجاتها المختلفة في هذه الفترة.
وبعد ذلك فقد اتخذت اختبارات نهائية في التاريخ المصري القديم، وفي التاريخ العربي والتربية العربية أيضًا فنجد في مصر القديمة اتخذت الاختبارات صفتين رئيستين، وهما المادة المهنية والرسمية غالبا ثم الدينية التي كان يسير مقدراتها الكهنة بشكل كامل بحيث اعتادوا عدم إجازة واحد إلا إذا رأوا ذلك من جهة تقويمهم هم.
أما في التربية العربية فعلى الرغم من أن تقييم الأدباء والشعراء والعلماء، والفلاسفة بدأ مبكرا في العصر الجاهلي، وامتد بعد ذلك بصورة متعددة كأسواق عكاظ أو ندوات ومؤتمرات وحوارات شعرية وأدبية وفلسفية، وعلمية في عهود الأموية والعباسية والأندلسية وغيرها إلا أن تقييم التحصيل بقي يعتمد بدرجة رئيسية على الاختبارات والتسميع والأسئلة الشفوية عدا بطبيعة الأمر حالات والخط العربي كذلك في التربية الأوروبية وفي الولايات المتحدة الأمريكية ظهر بوادر الاهتمام بتقييم التحصيل في حوالي عام 1845 عندما قامت لجنة مدرسية بزيارة المدرسة الإنجليزية العليا في “بوبسطن” للتحقق من كفاية معرفة التلاميذ في مواد الجبر والهندسة واللغة الفرنسية، ورفع تقريرا إيجابيا حول ذلك في تلك الأثناء ومع نهاية القرن التاسع عشر قام جمسي كاتل بالتركيز خلال تجارب علمية وتربوية متعددة على مسألة الفروق الفردية، وإجراء اختبارات للقدرات الحركية لاعتقاد بأن هذه القدرات ترتبط إلى حد بعيد للقدرات الذكائية عند الأفراد، وعلى الرغم من ذلك فإن هذه الاعتقادات لم تتأكد فيما بعد إلا أن “كاتل” يعتبر بحق واحدا من رواد حركة قياس التحصيل، وأول من استعمل مصطلح الاختبارات العقلية.
ونتيجة التطور العلمي بعد ذلك، وخلال الحرب العالمية الأولى ظهرت في الولايات المتحدة حاجة كبيرة إلى الاختبارات كاختبارات الذكاء والتحصيل لتوظيفها في اختبار، وتصنيف أفراد الجيش الأمريكي حسب اختصاصاتهم، وقدراتهم واستعداداتهم، فطورت لهذا الغرض اختبارات عرفت بألفا الجيش وبيتا الجيش كما ظهرت أول اختبارات للشخصية والاستعدادات والتحصيل الموضوعة من المعلم، ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية ازداد بشكل ملحوظ توظيف الاختبارات التجارية المقننة في تقويم التحصيل، وهناك أصول علمية لتقويم التحصيل من هذه الأصول أصول مباشرة وأصول غير مباشرة، فالأصول العلمية غير المباشرة هي العلوم الإنسانية والاجتماعية والطبيعية العامة، والأصول العلمية المباشرة أهمها على الإطلاق التربية وعلم النفس التربوي وما يتبعهما من علوم فرعية متخصصة كالمناهج والتدريس، والإدارة والتوجيه، والتحفيز والتعلم والقياس والفروق الفردية والذكاء والاستعداد، والأمور الخاصة بخصائص الشخصية، وهناك أنواع من التقويم سبقت الإشارة إليها هذه الأنواع ذاتها تستخدم في تقويم التحصيل.
بقي أن نذكر جزءًا من أغراض تقييم التحصيل في التربية:
تتلخص أغراض تقييم التحصيل في التربية فيما يلي:
ترشيد تعلم التلاميذ نقل أو ترفيع أفراد التلاميذ من مرحلة دراسية إلى مرحلة أخرى معرفة مستوى التلاميذ ومقدار ما توصلوا إليه من معلومات قبل التدريس حيث يفيد ذلك في ترشيد مكونات التربية الصرفية من أهداف، ومعارف وأنشطة ومواد ووسائل وتوجيه وتنظيم وخطط تحضيرية، ومعرفة درجات فعالية المواد وطرق تدريسية مستخدمة في إحداث التعلم والتحصيل وتعديل، وتنقيح المناهج والوسائل التعليمية، وتحسين التسهيلات المدرسية وأساليب التفاعل مع التلاميذ، ونماذج تنظيمهم وإدارتهم للتعلم والتحصيل حسب ما تمليه نتائجهم التحصيلية، وتوفير البيانات التربوية والدعائية عما تحققه المدرسة من رسائل اجتماعية ما تقوم به من واجبات، ومسئوليات لدحض بعض الانتقادات الموجهة للتربية المدرسية، وللحصول على دعم الجهات المحلية.
وهناك أيضًا عدة مواصفات عامة في تقييم التحصيل كذلك هناك معايير لتقويم التحصيل، وهناك أنواع وسائل تقويم التحصيل، وهناك اختبارات لقياس التحصيل من أهم هذه الاختبارات على الإطلاق الاختبارات التحصيلية، والتي تتخذ أشكالا وصور متعددة تهدف هذه الاختبارات التحصيلية بالضرورة إلى قياس مدى تحقيق تقدم التلاميذ، ومدى اكتسابهم للمعارف، والمعلومات، والخبرات، والمبادئ، والقواعد، والمهارات، وما إلى ذلك.