قلنا: إن التخريج عند المتقدمين كان يكتفي المخرج بأن يذكر اسم الكتاب الذي به الحديث، سواء ذكر الراوي الأعلى أو لم يذكره، وضربنا مثالًا بذلك بتخريج الإمام العراقي لأحاديث (مختصر المنهاج) في أصول الفقه:

والذي ينظر في كتابه (المغني عن حمل الأسفار في الأسفار بتخريج ما في الأحياء من الأخبار) يجد نفس المنهج.

وذكرنا ستة أحاديث كمثال لهذا التخريج المتقدم أو عند المتقدمين من تخريج العراقي هذا.

ونكمل ببعض الأحاديث من نفس الكتاب الذي خرجه العراقي، قال: الحديث الثامن: ((لا تُنكح المرأة المرأة)) قال: أخرجه ابن ماجه من حديث أبي هريرة بسند حسن بلفظ: ((لا تزوِّج)).

الحديث التاسع: إنه عليه السلام احتج بذم أبي سعيد الخدري على ترك استجابته وهو يصلي بقوله: {اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ} [الأنفال:24]، كذا قال الخدري، وهو وهم تبع فيه الإمام فخر الدين والغزالي، والصواب أبي سعيد المعلى كما رواه البخاري، يعني: أعطى فوائد أخرى، وبين خطأ من قال: أن صاحب القصة أبو سعيد الخدري، وبين أنه أبو سعيد بن المعلى.

ولنضرب مثالًا بكتاب آخر يتبع نفس المنهج ويكتفي بذكر اسم الكتاب الذي به الحديث -وهذه عادة المتقدمين- فالتخريج عند المتقدمين يكتفى فيه بذكر اسم الكتاب الذي فيه الحديث، وقد يذكر أحيانًا الراوي الأعلى، وقد تكون هناك بعض الفوائد إلا أن الأصل أنه يذكر الكتاب الذي به الحديث فقط.

من هذه الكتب غير الكتاب الذي سبق للعراقي كتاب (الأحاديث الموافقات العوالي) للحافظة زينب بنت كمال الدين أحمد بن عبد الرحيم المقدسية -المتوفاة سنة 740 هجرية- تخريج الحافظ أبي محمد علم الدين القاسم بن محمد البرذالي -المتوفى سنة 739 هجريًّة-.

نذكر بعض التخاريج التي خرجها البرذالي؛ حتى نعلم أنهم كانوا يقتصرون على اسم الكتاب فقط ولا يذكرون الكتاب الفقهي ولا الباب ولا رقم الجزء ولا رقم الصفحة ولا الراوي الأعلى للحديث إلا نادرًا:

جاء الحديث الأول من هذا الكتاب الذي خرجه البرذالي:

تقول راوية الكتاب: أخبرنا أبو العباس أحمد بن عبد الدائم بن نعمة قال: أخبرنا عبد المنعم بن كليب قال: أخبرنا علي بن أحمد بن بيان قال: أخبرنا أبو الحسن بن مخلد قال: أخبرنا إسماعيل الصفار قال: حدثنا الحسن بن عرفة قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني، عن راشد بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله  عنه عن النبي صلى الله عليه  وسلم في هذه الآية: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65]؛ فقال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: ((أما إنها كائنة ولم يأتِ تأويلها بعد)) قال البرذالي في تخريجه: رواه الترمذي عن ابن عرفة؛ فاكتفى بقوله: “رواه الترمذي”، ولم يحدد في أي كتاب من كتب سنن الترمذي ولا في أي باب ولا في أي جزء ولا في أي صفحة.

الحديث الثاني: وبه -أي:بنفس الإسناد السابق- إلى ابن عرفة قال: حدثنا إسماعيل بن عياش الحمصي عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله  عنهما عن رسول الله صلى الله عليه  وسلم قال: ((لا تَقرأ الحائض ولا الجنبُ شيئًا من القرآن))، رواه الترمذي.

الحديث الثالث: وبه -أي: بنفس السند- إلى ابن عرفة قال: حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن زياد الألهاني، عن أبي راشد الحبراني، فقلت له: حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه  وسلم قال: أتيت عبد الله بنَ عمرو بن العاص فقلتُ له: حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه  وسلم فألقى إليَّ صحيفة، فقال: “هذا ما كتب لي رسول الله صلى الله عليه  وسلم قال: فنظرت فإذا فيها: إن أبا بكر الصديق رضي الله  عنه قال: يا رسول الله، علمني ما أقولُ إذا أصبحت وإذا أمسيتُ، فقال: ((يا أبا بكر قل: اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة لا إله إلا أنت رب كل شيء ومليكه، أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءًا أو أجره إلى مسلم))”. قال في تخريجه: رواه الترمذي عن ابن عرفة، وهكذا إلى آخر الكتاب لا يذكر إلا اسم الكتاب الذي به الحديث، دون تفصيل وبيان للكتاب الذي بداخل الكتاب أو الجزء أو الصفحة أو الباب.

وآخر حديث في هذا الكتاب: الحديث الثاني والثلاثون وعلى نفس الطريقة لم يذكر إلا اسم الكتاب الذي خرج الحديث: قال: أخبرنا الشيخ أبو القاسم عبد الرحمن بن مكي بن عبد الرحمن بن الحاسب إجازةً قال: أخبرنا جدي لأمي الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد السلفي الأصبهاني قراءةً عليه قال: أخبرنا أبو الخطاب ناصر بن أحمد بن عبد الله بن البطر القارئ قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبيد الله بن يحيى بن زكريا بين البيع قال: أخبرنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل بن محمد المحاملي إملاءً في المجلس الثاني من الجزء الثامن من “أماليه” قال: حدثنا محمد بن خداج قال: حدثنا عباد بن العوام قال: أخبرنا حجاج قال: أخبرنا مكحول عن أبي الشمال بن ضباب عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله  عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: ((أربع من سنن المرسلين: الختان، والسواك والتعطر، والنكاح))، أخرجه الترمذي عن محمود بن خداج، ويكتفي بهذا.