Top
Image Alt

تكملة الحديث عن الكتب التي تناولت “طريقة الأبواب الفقهية”

  /  تكملة الحديث عن الكتب التي تناولت “طريقة الأبواب الفقهية”

تكملة الحديث عن الكتب التي تناولت “طريقة الأبواب الفقهية”

تحدثنا عن (صحيح البخاري ومسلم)، وعن (سنن أبي داود)، وعن (سنن النسائي) وكلامنا الآن عن (سنن الترمذي):

هو كتاب في السنن مبوّب ومرتب ترتيبًا فقهيًّا، فعلى الباحث أن ينظر في الحديث ليقف على موضوع الحديث الفقهي، فيرجع إلى (سنن الترمذي) يجد الحديث إن كان فيه -إن شاء الله-.

اسم الترمذي:

محمد بن سورة، كنيته: أبو عيسى الترمذي، ولد في عام 209 هجرية بترمُذ، أخذ الحديث عن جمع غفير، منهم: قتيبة بن سعيد، وإسحاق بن موسى، وسفيان بن وكيع، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وغيرهم، ورحل إلى خراسان والعراق والحجاز، يطلب الحديث والعلم، حتى غدا إمامًا حافظًا ثقةً، وله مؤلفات كثيرة غير كتاب (السنن) منها: كتاب (العلل)، وكتاب (الشمائل النبوية)، و(أسماء الصحابة) و(الأسماء والكنى) و(الآثار الموقوفة)، وغير ذلك.

منزلته العلمية:

قال فيه أبو ليلى الخليلي: “هو ثقة متّفَق عليه، ويكفي في توثيقه أنّ إمام المحدثين محمد بن إسماعيل البخاري كان يعتمده، ويأخذ عنه، وصحّح أحاديث في سننه -رحمه الله تعالى.

كتابه الذي يعرف بـ(الجامع الصحيح)، ألّف الترمذي جامعه هذا على أبواب الفقه، وجمع فيه الحديث الصحيح والحسن والضعيفَ، لكن الضعيف قليل، وبيّن درجة كلّ حديث في موضعه، وإذا كان ضعيفًا بيّن وجه الضعف فيه، كذلك بيّن مذاهب الصحابة، وعلماء الأمصار في كل المسائل، التي أودعها جامعه هذا وجعل لها أبوابًا، ومن مميزات هذا الجامع -أي: (سنن الترمذي)- أنه أفرد في مؤخرته فصلًا ذكر فيه قواعد هامة للعمل وفوائد للفقه والحديث، كما كان يختصر طرق الحديث إذا تعددت، يذكر منها واحدًا ثم يشير إلى غيره.

درجة (سنن الترمذي):

يعتبر العلماء (سنن الترمذي) في المنزلة التي تلي (سنن أبي داود).

عناية العلماء بكتاب (السنن) للإمام الترمذي أو بـ(الجامع الصحيح):

اختصّه العلماء بمزيد من العناية، فتناوله جمع غفير بالشرح، وهم: أبو بكر بن العربي، وسراج الدين البلقيني، وزين الدين الحنبلي، وجلال الدين السيوطي. يقول صاحب (تهذيب الأسماء واللغات): “توفي -رحمه الله- بترمذ سنة 279 هجرية، أسكنه الله فسيح جناته”.

الكتاب السادس من الكتب الستة هو كتاب (سنن ابن ماجه) للإمام ابن ماجه:

وهو أبو عبد الله بن يزيد بن ماجه الحافظ، وُلِد عام 207 هجرية، ورحل في طلب العلم، وارتحل إلى بلاد الري والبصرة والكوفة والشام والحجاز ومصر وبغداد، وأخذ الحديث من علماء عصره، أخذ من أبي بكر بن أبي شيبة، وأصحاب مالك بن أنس، كما أخذ من الليث بن سعد -رحمه الله تعالى.

قال عنه أبو ليلى الخليلي: “كان عالمًا بهذا الشأن، يعني: شأن الحديث، صاحب تصانيف، منها: التاريخ والسنن، وارتحل إلى العراق ومصر والشام”، وقال ابن كثير: “هو صاحب السنن المشهورة، وهي دالة على علمه وعمله وتبحره واطلاعه واتباعه للسنة في الأصول والفروع”، أما كتاب (السنن) فجمع الشيخ أبو عبد الله بن ماجه كتابه هذا، وهو كتاب جليل، جمع فيه أربعة آلاف حديث، قال فيها ابن كثير في كتاب (البداية والنهاية): “أربعة آلاف حديث كلها جياد سوى اليسير، يعني: ما فيها من ضعف قليل”.

درجة (سنن ابن ماجه):

كانت التقاليد العلمية عند المتقدمين والمتأخرين تجعل كتب السنن خمسة، أو كتب الحديث خمسة، فيقولون: الخمسة، ويريدون بذلك: (صحيح البخاري) و(صحيح مسلم) و(سنن النسائي) و(سنن أبي داود) و(سنن الترمذي)، فلمّا كان الشيخ الحافظ أبو الفضل طاهر المقدسي، أضاف سنن ابن ماجه إلى كتب الحديث الخمسة، فصارت تعرَف بالكتب الستة؛ لأنه وجد (سنن ابن ماجه) فيه فائدة عظيمة، خاصّة في الفقه، وأنه ينطبق عليه ما ينطبق من الشروط على الكتب الخمسة السابقة عليه، فضمها إليها، وصارت تعرف بالكتب الستة.

والعلة التي تمسك بها القدامى من جَعْل الكتب خمسة فقط، أن قواعد نقد الحديث قد وضَّحت أن ابن ماجه أخرج الحديث لرجال متهمين بالكذب وسرقة الحديث. قال السيوطي في (شرح المجتبى): “تفرّد فيه -أي: ابن ماجه في سننه- بإخراج أحاديث عن رجال متهمين بالكذب وسرقة الحديث”.

ولهذا يرى بعض العلماء أنّ الكتاب السادس هو كتاب الدارمي، وبعضهم يجعله (الموطأ)؛ لصحته وجلالته.

عناية العلماء بـ(سنن ابن ماجه):

ولقد نال كتاب (سنن ابن ماجه) قسطًا كبيرًا من عناية العلماء به، فشرحه جماعة، منهم السيوطي، المتوفّى 911 هجرية في كتابه (مِصباح الزجاجة على سنن ابن ماجه)، والشيخ محمد بن موسى الدميري، المتوفّى 808 هجرية، وإبراهيم بن موسى الحلبي، المتوفى 851 هجرية، وبعد حياة حافلة بالعلم لاقى الإمام ابن ماجه ربه في سنة 373 هجرية.

أجزل الله له العطاء، وأسكنه واسع الجنات، وجمعه مع الأبرار الذين رضي الله  عنهم ورضوا عنه.

ما يتعلق بكتاب (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية) للحافظ ابن حجر أحمد بن علي العسقلاني، المتوفّى 852 هجرية، هذا الكتاب كنموذج للكتب المبوبة تبويبًا فقهيًّا، وتعتبر مفتاحًا من مفاتيح طريقة التبويب الفقهية.

كتاب (المطالب العالية):

كتاب عظيم حافل، ألّفه الإمام ابن حجر، ووضع فيه كثيرًا من الزوائد من كتب السنة التي لم تأتِ في الكتب الستة، والكتاب مهم جدًّا، أغنى ما ألّف من كتب السنة ثروة، وأغزرها فائدة؛ لاحتوائه على زوائد تلك المسانيد الثمانية تمامًا، وعلى شيء كثير من زوائد مسندين آخرين، ولجمعه في مكان واحد على الترتيب الفقهي، ما كان مبدّدًا في ثمانية أماكن بل عشرة من غير مراعاة لهذا الترتيب، ولاشتماله في كثير من المواضيع على بيان درجة الحديث من صحة وضعف واتصال وانقطاع. وقد ازدادت قيمة الكتاب العلمية في عصرنا؛ لأن أكثر الكتب الأصول التي انتُقِيت فيه زوائدها، قد دخل في خبر كان وغير موجودة.

وللتعريف أكثر بهذا الكتاب نقرأ مقدمة الإمام ابن حجر بنفسه لهذا الكتاب، يقول: “بسم الله الرحمن  الرحيم، الحمد لله جامع الشتات من الأحياء والأموات، وسامع الأصوات باختلاف اللغات، وأشهد أن لا إله، إلا الله وحده لا شريك له، رب الأرض والسماوات، ذو الأسماء الحسنى والصفات، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، المبعوث بالآيات البينات، والخوارق النيرات، صلى الله عليه  وسلم، كل العلوم الزاهرات، وعلى أزواجه الطيبات الطاهرات، صلاةً وسلامًا على الآباد متواليات، أمّا بعد:

فإنّ الاشتغال بالعلم خصوصًا بالحديث النبوي من أفضل القربات، وقد جمع أئمتنا منه الشتات على المسانيد والأبواب المرتّبات، فرأيتُ جمع جميع ما وقفت عليه من ذلك، في كتاب واحد؛ ليسهل الكشف منه على أولي الرغبات، ثم عدَلَت إلى جمع الأحاديث الزائدة على الكتب المشهورات، في الكتب المستندات، وعنيت بالمشهورات الأصول الستة، أي: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه و(مسند أحمد)، وبالمسندات ما ركب على مسانيد الصحابة، وقد وقع منها ثمانية كاملات، وهي: لأبي داود الطيالسي، والحميدي، وابن أبي عمر، ومسدد، وأحمد بن منيع، وأبي بكر بن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والحارث بن أبي أسامة، ووقع لي منها أشياء كاملة؛ كمسند البزار، وأبي يعلى والطبراني، لكن رأيت شيخنا أبا الحسن الهيثمي، قد جمع ما فيها وفي (مسند أحمد)، في كتاب مفرد محذوف الأسانيد، فلم أر أن أزاحمه عليه، إلّا أنني تتبعت ما فاته من مسند أبي يعلى؛ لكونه اقتصر في كتابه على الرواية المختصرة، ووقع لي عدة من المسانيد غير مكتملة؛ كمسند إسحاق بن راهويه، ووقفت منه على قدر النصف، فتتبعت ما فيه، فسار ما تتبعت من ذلك من عشرة دواوين.

ووقفت على قطع من عدة مسانيد؛ كمسند الحسن بن سفيان، ومحمد بن هشام السدوسي، ومحمد بن هارون الروياني، والهيثم بن قليب، وغير ذلك، فلم أكتب منها شيئًا؛ لعلّي إذا بيضت هذا التصنيف أن أرجع فأتتبع ما فيها من الزوائد، وأضيف إلى ذلك الأحاديث المتفرقة من الكتب التي على فوائد الشيوخ، ورتبته على أبواب الأحكام الفقهية، ثم ذكرت بدءَ الخلق والإيمان والعلم والسنة والتفسير، وأخبار الأنبياء، والمناقب، والسيرة النبوية، والمغازي، والخلفاء، والآداب، والأدعية والزهد، والرقائق، والفتن، والتعبير والبعث والحشر، وسميته (المطالب العالية لزوائد المسانيد الثمانية)، وشرطي فيه ذِكْر كل حديث ورد عن صحابي لم تخرجه الأصول السبعة من حديثه، ولو أخرجوه أو بعضهم من حديث غيره مع التنبيه عليه أحيانًا، والله أستعين في جميع الأمور، لا إله إلا هو.

ثم بدأ الكتاب بعد ذلك مبوبًا تبويبًا فقهيًّا، وبدأ بكتاب الطهارة، وأتى بأحاديث وذكر مصادرَها، وكثيرًا ما يحكم على الرجال.

وإليكم بعض الأمثلة من هذا الكتاب العظيم:

بدأ الكتاب بكتاب الطهارة، وبدأ فيه بأول باب، فقال: باب المياه، ثم خَتَم الكتاب بباب هو باب: آخِرُ مَن يدخل الجنة، والكتاب طُبِع في أربع مجلدات كبار، وبه أحاديث كثيرة، تتناول أغلب الأبواب الفقهية.

ولنذكر بعض النماذج، ولنبدأ بالحديث الأول، يقول: كتاب الطهارة، باب المياه:

1. عائشة رضي الله  عنها رفعته قالت: قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: ((الماء لا ينجسه شيء))، قال البزار: “لا نعلمه مرفوعًا إلّا عن شريك”، قلت: إسناده حسن، والراوي أبو يعلى، القائل قلت: الإمام ابن حجر، البزار قال: “لا نعرفه مرفوعًا إلّا عن رجل واحد، وهو شريك”، لكن الإمام ابن حجر حسَّن الحديثَ، فقال: إسناده حسن، ثم أشار إلى المرجع الذي فيه ذلك الحديث فقال: لأبي يعلى، إذًا هنا يعتبر دلّ على المكان الذي فيه، فهذا الكتاب مفتاح من مفاتيح الطريقة الفقهية.

الحديث الثاني: ابن عباس في الوضوء من ماء البحر:

قال: ((هما البحران لا يضرك بأيهما بدأت)) لمسدد هذا موقوف رجاله ثقات.

نرى هنا أنه يأتي بالصحابي في بدء الكلام دون عنعنةٍ، ثم يذكر الحديث الذي يُروى له، ثم يذكر حكمه مرفوعًا أو موقوفًا، ويذكر رجاله ثقات أو غير ثقات.

ثم يأتي الباب الذي بعد ذلك: قَدْر ما يكفي من الماء للوضوء والغُسل، يبدأ بالراوي فيقول: يزيد الرقاشي، عن امرأة من قومه: “أنها كانت إذا حجّت مرّت على أم سلمة، فقلت لها: أرنِيَ الإناء الذي كان يتوضأ فيه رسول الله صلى الله عليه  وسلم قالت: فأخرجته، فقلت: هذا مكوك المفتي، فقلت: أرنِي الإناء الذي يغتسل فيه، فأخرجته، فقلت: هذا هو القفيز”. أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة، لم يعقّب هنا بكونه صحيحًا أو حسنًا أو ضعيفًا، أو رجالًا ثقات أو غيرَ ثقاتٍ، إذًا هناك أحاديث لا يعقّب عليها الإمام ابن حجر في هذا الكتاب.

الحديث الذي بعد ذلك:

يزيد الرقاشي عن امرأة من قومه قالت: “دخلت على أم سلمة رضي الله  عنها فقلت: أرني، فذكره، وفيه أنها قالت في إناء الغسل: هذا مختوم -يعني: الصاع- وقالت في إناء الوضوء: هذا ربع المفتي”. أشار إلى المكان الذي يوجد فيه، فهذا يوجد في مسند الحارث.

عن عائشة: “أن رسول الله صلى الله عليه  وسلم توضأ بتور”. لأبي بكر، أي: رواه أبو بكر بن أبي شيبة، ثم حكم عليه ابن حجر قال: وفيه ضعف.

أبو أمامة رفعه: “عن النبي صلى الله عليه  وسلم توضأ بنصف مدّ” (لأبي يعلى) إشارة من ابن حجر إلى أنّ هذا الحديث موجود في مسند أبي يعلى، لكن ابن حجر لم يذكر الحكم لهذا الحديث، وهكذا.

ثم يأتي باب آخر بعنوان: الغدير يقع فيه الجيفة، وحكم الماء الراكد:

أتى بالراوي فقال: عوف، عن شيخ كان يقص علينا في مسجد الأشياخ قبل وقعة ابن الأشعث، قال: “بلغني أنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه  وسلم كانوا في مسير، فانتهوا إلى غدير في ناحية منه جيفة -غدير مكان به ماء- فأمسكوا عنه حتى جاءهم رسول الله صلى الله عليه  وسلم وقالوا: يا رسول الله، هذا الغدير في ناحية منه جيفة، فقال: اسقوا واستقوا، فإن الماء يحل ولا يحرم”. وضع ابن حجر بين قوسين لمسدد -أي: رواه مسدد- ثم حكم عليه فقال: فيه ضعف.

جابر قال: “كنا نستحب أن نأخذ من ماء الغدير نغتسل به في ناحية للنهي عن البول في الماء الراكد”. لابن أبي شيبة، هنا أشار ابن حجر إلى مصدره، فعلى الباحث أن يعود إلى ابن أبي شيبة، ويذكر اسم الكتاب، وعنوان الباب، ورقم الجزء، ورقم الصفحة.

مسور عن أمه قالت: “كنا نسافر مع ميمونة، فتنزل على الغدران فيها الجعلان والبقر، فنستقي لها منه، لا ترى بذلك بأسًا”. هو لإسحاق، أشار إلى أنه لإسحاق.

بعد ذلك يأتي باب: الماء المستعمل، ثم باب: إزالة النجاسة، ثم باب: سؤر الهرة وغيرها من الحيوانات الطاهرة، ثم باب: طهارة المسك -يعني جلد الميتة أو جلد الذبيحة- طهارة النخامة والدموع، باب: الآنية، باب: الأمر بتغطية الإناء بالليل، باب: الاستطابة.

ولنقرأ الأحاديث التي جاءت في باب الأمر بتغطية الإناء بالليل:

قال: أبو هريرة -أي: الراوي الأعلى لهذا الحديث-: ((أنّ رجلًا يقال له: أبو حميد، أتى النبي صلى الله عليه  وسلم بإناءٍ فيه لبن من النقيع نهارًا، فقال النبي صلى الله عليه  وسلم: ألا خمّرته ولو أن تعرض عليه بعود… )) الحديث. يقول ابن حجر: لأبي يعلى، ونذهب إلى مسند أبي يعلى، ثم حكم السيوطي بصحته فقال: صحيح، ثم قال: والمحفوظ حديث جابر.

قال: عكرمة بن خالد، عن رجل من آل أبي وداعة، قال: ((استسقى رسول الله صلى الله عليه  وسلم وهو يطوفُ بالبيت، فقال رجل منهم: ألا آتيك بشراب نصنعه؟ قال: بلى، قال: فأتى بإناءٍ فيه نبيذٌ، قال: فهلّا أكببتَ عليه إناء؟ أو عرضتَ عليه عودًا؟ قال: فشرِبَ، فقطّب، فدعا بماء فصبّه عليه، ثم شرب وسقاه)) ابن حجر وضع الحارث بين قوسين (للحارث)، أي: هذا رواه الحارث بن أبي أسامة، فيرجع إليه في مسنده فيوجد الحديث.

ولنأتي إلى المجلد الأخير، وهو المجلد الرابع، لنذكر بعض الأحاديث منه؛ في أول هذا المجلد كتاب المناقب، باب: علامات النبوة، يقول عروة: قال: أوّل ردة في العرب مسيلمة بن حبيب الكذاب صاحب اليمامة، والأسود بن كعب العنسي باليمن، في عهد رسول الله صلى الله عليه  وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: “إني رأيت في ذراعي سوارين من ذهب، فنفخت فيهما فطارَا، فأولتهما كذاب اليمامة وكذاب صنعاء”. قال ابن حجر: فيه انقطاع، ولم يذكر المصدر الذي فيه هذا الحديث.

ثم قال: عبد المهيمن هو ابن عباس بن سهل بن سعد يقول: حدثني أَبي عن جدي قال: “كان رسول الله صلى الله عليه  وسلم قبل أن يبنى المسجد يصلي إلى خشبة، فلما بُني المسجد، بني له محراب، فتقدّم إليه، فحنّت تلك الخشبة حنينَ البعير، فوضع رسول الله صلى الله عليه  وسلم يده عليه، فسكنت”. هما لإسحاق -أي: الحديث السابق الذي فيه أنه رأى الكذّابين مسيلمة والأسود العنسي- أي: ذكرهما إسحاق في مسنده.

أبو هريرة وابن عباس رفعاه قالَا: خطبنا رسول الله صلى الله عليه  وسلم خطبة قبل وفاته، وذكر الحديث، وفيه فقال: ((يا أيها الناس، إنه كان في هذه الأمة ثلاثون كذابًا، أولهم صاحب اليمامة وصاحب صنعاء)) (للحارث) أي: أخرجه الحارث.

ثم نأتي إلى آخر الكتاب، وأروي لكم آخر حديث في هذا الكتاب، وهو في آخر باب منه، عنوان الباب: باب آخر من يدخل الجنة:

عوف بن مالك رفعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم: “إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولًا فيها، رجل كان يَسأل اللهَ أن يخرجه من النارِ، حتى إذا دخل أهلُ الجنة الجنةَ، وأهل النار النارَ، كان بين ذلك، فقال: يا رب، أدنني من باب الجنة، قال الله: يا ابنَ آدم، ألم تسأل أن تزحزح عن النار؟ فقال: يا رب، ومَن مثلك؟! فأدنني إلى باب الجنة، ثم ينظر إلى شجرةٍ عند باب الجنةِ، فيقول: يا رب، أدنني منها أستظل بظلها، وآكلُ من ثمرها، قال: يا ابن آدم، ألم تقل؟ قال: يا رب، ومن مثلك؟ فأدنني منها، فرأى أفضلَ مِن ذلك، فقال: يا رب أدنني منها، فقال: يا ابن آدم، ألم تقل؟ قال: يا رب، ومَن مثلك؟ فأدنني، فقيل له: اعْدُو، فلك ما بلغتْه قدماك، ورأت عيناك، قال: فيعدو، حتى إذا بلح -أي: أعيا- قال: يا رب، هذا لي وهذا، فيقول: لك مثلُه وأضعافُه، فيقول: قد رضي ربي عني، فلو أُذِنَ لي في كسوة أهل الجنة وإطعامهم لأوسعتُهم”.

لم يذكر ابن حجر تخريجًا لهذا الحديث، ولكنه كما يقول المحقق: تقدّم الحديث في صفة البعث برقم 4615، وقدّمنا هناك أنّ فيه موسى بن عبيد الريدي وهو ضعيف.

وبذلك يكون انتهى كتاب (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية) للحافظ ابن حجر العسقلاني، المتوفّى في سنة 852 هجرية، وهو يعتبر من المفاتيح الهامة التي يستدل من خلالها على الحديث في أصوله في الكتب التي بُوّبت على الطريقة الفقهية.

error: النص محمي !!