تكملة الحديث عن نماذج من كتاب (المعجم الكبير) للطبراني
تكلمنا عن مسند الصديق في (المعجم الكبير) للطبراني، ثم أتبعها بأحاديث عمرَ بن الخطاب، فبدأ بنسبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم بعد ذلك صفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
عن الأسود بن سَريع قال: “كنت أنشده -يعني: النبي صلى الله عليه وسلم ولا أعرف أصحابه، حتى جاء رجل بعيد ما بين المناكب أصلع، فقيل لي: اسكت اسكت، فقلت: واثكلاه! مَن هذا الذي أسكت له عند النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقيل لي: عمر بن الخطاب”.
حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدُّبري، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن عاصم بن أبي النجود، عن زِر بن حبيش قال: “خرج أهل المدينة في مشهد لهم، فإذا أنا برجل أصلع أعسر أيسر -يعني: يكتب بكلتا يديه، ويعمل باليمين وباليسرى- قد أشرف فوق الناس بذراع عليه إزار غليظ، وبرد قطر، وهو يقول: يا أيها الناس هاجروا ولا تهجروا، ولا يحذفن أحدكم الأرنب بعصاه أو بحجر فيأكلها، وليذك لكم الأسل -الرماح- والنبل. فقلت: من هذا؟ قالوا: عمر بن الخطاب”.
وحدثنا يحيى بن أيوب العلاف المصري، ثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب قال: “كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصلع شديد الصلع”.
هذا في وصفه.
أما سن عمر ووفاته وسنة خلافته رضي الله عنه فروى الطبراني بسنده عن سعيد بن المسيب، عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال لي جبريل عليه السلام: لِيَبك الإسلام على موت عمر رضي الله عنه)).
وبسنده عن المسور بن مخرمة قال: “ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه عشر سنين ثم توفي”. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مات وهو ابن ست وستين سنةً. وعن الشعبي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مات وهو ابن ثلاث وستين. وعن الشعبي عن جرير عن معاوية رضي الله عنه قال: “قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة، وقبض أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين سنة، وقبض عمر وهو ابن ثلاث وستين سنة”.
حدثنا يحيى بن بُكير قال: “استخلف عمر رضي الله عنه في رجب سنة ثلاث عشرة، وقُتل في عقب ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، فأقام ثلاثة أيام بعد الطعنة، ثم مات في آخر ذي الحجة، وصلى عليه صهيب، وولي غسله ابنه عبد الله بن عمر، وكفنه في خمسة أثواب، ودفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وطُعن في يوم الأربعاء لتسع بقين من ذي الحجة. وقيل: لست.
وقال بعض الناس: مات من يومه، وكان سنه يوم توفي؛ مالك بن أنس يذكر أنه بلغ سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين. وبعض الناس يقولون: لتسع وخمسين. وبعضهم يقول: ثلاث وخمسين وخمس وخمسين. وقال بعضهم: أربع وخمسين، وكانت خلافته عشر سنين وأربعةَ أشهر وأيامًا”.
أما ما أسند إليه من الأحاديث؛ فمنها:
الحديث الأول: يقول الإمام الطبراني: “حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا معلى بن أسد العَمِي، ثنا وهيب، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر رضي الله عنهما أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: ((نعم، ويتوضأ وضوءه للصلاة))”.
الحديث الثاني: روى الإمام الطبراني بسنده عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما قال: “سمعني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: وأبي، فقال: ((إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم))”.
الحديث الثالث: يقول الطبراني: “حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا يونس بن عبيد الله العميري، حدثنا مبارك بن فضالة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر رضي الله عنهما أنه قال: “يا أيها الناس، اتهموا الرأي على الدين؛ فلقد رأيتني أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيي اجتهادًا، فوالله ما ألوي عن الحق، وذلك يوم أبي جندل، والكتاب بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل مكة، فقال: ((اكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم)) فقالوا: ترانا قد صدقناك بما تقول، ولكن تكتب: باسمك اللهم، فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيتُ، حتى قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تراني أرضى وتأبَى أنت!!)) قال: فرضيت”.
ومن الأحاديث التي رواها يقول الطبراني: “حدثنا محمد بن الفضل السقطي، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأُويسي، حدثنا يزيد بن عبد الملك النوفلي، عن يزيد بن خُصَيفة، عن السائب بن يزيد، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثمن القَيْنة سُحت، وغناؤها حرام، والنظر إليها حرام، وثمنها مثل ثمن الكلب، وثمن الكلب سحت، ومن نبت لحمه على السحت فالنار أولى به))”.
وحدثنا محمد بن الفضل السقطي، أنبأ عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا يزيد بن عبد الملك، عن يزيد بن خصيفة، عن السائب بن يزيد، عن عمر رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يزوج امرأةً من نسائه يأتيها من وراء الحجاب، فيقول لها: يا بنية، إن فلانًا قد خطبك، فإن كرهته فقولي: لا، فإنه لا يستحيي أحد أن يقول: لا، وإن أحببت فإن سكوتك إقرار)).
وحدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا سفيان بن عيينة، حدثنا الصعب بن حكيم بن شريك بن نملة، عن أبيه عن جده: “ضفت -أي: كنت ضيفًا- عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة فأطعمني كسورًا من رأس بعير بارد وأطعمنا زيتًا، وقال: هذا الزيت المبارك الذي قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم”.
وبعدما انتهى معجم عمر؟ يبدأ الإمام الطبراني بمعجم عثمان بن عفان، ويبدأ بنسبة سيدنا عثمان بن عفان، فيبين أنه قرشي أموي.
ثم بعد ذلك يحكي أحاديثَ في صفة عثمان بن عفان رضي الله عنه فيقول في الحديث الأول في صفته:
“حدثنا أبو يزيد يوسف بن يزيد القراطيسي، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا أبو الأسود، عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه يوم الجمعة على المنبر عليه إزار عدلي غليظ، ثمنه أربعة دراهم أو خمسة، ورِيطة كوفية مُمَشقة، ضَرِب اللحم -مليئ باللحم- طويل اللحية، حسن الوجه”.
وحدثنا المقدام بن داود، حدثنا خالد بن نزار، حدثنا إسحاق بن يحيى، عن عمه موسى بن طلحة قال: “كان عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة يتوكأ على عصا، وكان أجمل الناس وعليه ثوبان أصفران إزار ورداء، حتى يأتي المنبر فيجلس عليه”.
وبسنده عن عبد الله بن حزم المازني قال: “رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه فما رأيت قط ذكرًا ولا أنثى أحسنَ وجهًا منه”. وبسنده عن عبد الله بن عوف القاري قال: “رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه أبيضَ اللحية”.
ثم أتى بحديث آخر فقال بسنده عن أسامة بن زيد قال: ((بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى عثمان رضي الله عنه بصحفة فيها لحم، فدخلت عليه وَرُقَيةُ جالسة بنت النبي صلى الله عليه وسلم وكانت زوجةَ عثمان، فما رأيت اثنين أحسن منهما رضي الله عنهما فجعلت مرة أنظر إلى رقية ومرةً أنظر إلى عثمان، فلما رجعت قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: أدخلتَ عليهما؟ قلت: نعم. قال: هل رأيت زوجًا أحسن منهما؟ قلت: لا يا رسول الله، لقد جعلت أنظر مرة إلى رقية ومرة إلى عثمان)). قال أبو القاسم -رحمه الله-: “وهذا كان قبل نزول آية الحجاب”.
سِن عثمان بن عفان ووفاته:
قال الطبراني بسنده حتى وصل إلى أبي عثمان النهدي قال: “قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه في أوسط أيام التشريق -يعني: في أيام منى- وقيل: قتل سنة خمس وثلاثين من الهجرة”. وعن قتادة قال: “قتل عثمان وهو ابن تسعين أو ثمان وثمانينرضي الله عنه”.
الأحاديث التي أسندها عثمان بن عفان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتى بها الإمام الطبراني في معجمه:
يقول الطبراني: “حدثنا بشر بن موسى، حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ، حدثنا كهمس بن الحسن، عن مصعب بن ثابت، عن عبد الله بن الزبير قال: قال عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو يخطب على المنبر: إني محدثكم بحديثٍ سمعتُه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يمنعني أن أحدثكم إلا الضَّن بكم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((حَرَس ليلة في سبيل الله أفضلُ من ألف ليلة يُقام ليلها ويصام نهارها))”.
الحديث الثاني: 14:13 روى الطبراني بسنده عن سهل بن سعد قال: “ناشد عثمان رضي الله عنه الناس يومًا فقال: ((أتعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدًا وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما وأنا، فارتج أحد، وعليه محمد النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اثْبت أحد -أي: اثبت يا أحد- ما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان))”.
وبسنده عن حِمران بن أبان، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل شيء فضل عن ظل بيت وجرف الخبز وثوب يواري عورة الرجل -أي: لا يحتاج الرجل إلا إلى بيت يؤويه وثوب يستره ولقمة يأكلها- أو قال: عورة ابن آدم، وكل شيء فضل عن ذا لم يكن لابن آدم فيه حق)).
قال: “وحدثنا الحسين بن إسحاق التستري، حدثنا علي بن بحر، حدثنا قتادة الرهاوي قال: سمعت عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري يحدث عن أبيه، عن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من صلى العشاء الآخرة في جماعة، فكأنما صلى الليل كله، ومن صلى الغداةَ في جماعة، فكأنما صلى النهار كله))”.
وآخر حديث في (المعجم الكبير) للطبراني من رواية سيدنا عثمان هو ما يرويه الإمام الطبراني بسنده عن عمرو بن ميمون قال: “سمعت عثمان رضي الله عنه وكان قليل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من توضأ كما أُمر وصلى كما أُمر، خرج من ذنوبه كما ولدته أمه))”.
ثم يأتي بعد ذلك الإمام الطبراني بمعجم سيدنا علي بن أبي طالب؛ لأنه الخليفة الرابع، وبدأه بنسبة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وذكر أنه من أهل بدر فقال:
أ. نسبة علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
شهد بدرًا، وعلي بن أبي طالب هاشمي قرشي، ثم ذكر بعد ذلك صفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه فروى بسنده عن أبي إسحاق قال: “رأيت عليًا رضي الله عنه قال: قال لي أبي: يا عمرو فانظر إلى أمير المؤمنين، فلم أره خضب لحيته، ضخم الرأس”. وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أبي إسحاق قال: “رأيت عليًا رضي الله عنه أبيض الرأس واللحية، وعليه إزار ورداء”.
وبسنده عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق قال: “رأيت عليًّا رضي الله عنه على المنبر أبيض الرأس واللحية”.
ب. سن عليٍّ كما ذكره الطبراني:
روى الطبراني بسنده عن عروة بن الزبير قال: “أسلم علي بن أبي طالب وهو ابن ثمان سنين”. وبسنده عن الحسن وغيره قال: “فكان أول من آمن علي بن أبي طالب، وهو ابن خمس عشرة أو ست عشرة”. والراجح أنه أسلم وهو ابن ثمان سنين.
ج. مسند علي بن أبي طالب:
الحديث الأول: قال الطبراني: “حدثنا العباس بن الفضل الإسفاطي، حدثنا أبو الوليد الطيالسي، حدثنا حماد بن سلمة، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن علي رضي الله عنه قال: ((تزوجت فاطمة فقلت: يا رسول الله، ابْنِ لي. قال: عندك شيء تعطيها؟ فقلت: لا. قال: أين درعك الحُطَمِية؟ قلت: عندي. قال: أعطها إياها))”. هذا هو مهر السيدة الزهراء رضي الله عنها الدرع الحطمي، هنا لم ينس صلى الله عليه وسلم حق النساء، فطالب من علي مهرًا، فأعطاها درعه الحطمية.
الحديث الثاني: حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا عمرو بن حماد بن طلحة القتاب قال: حدثنا عمرو بن حماد بن طلحة، حدثنا أسباط بن نصر، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عليًا رضي الله عنه كان يقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله عز وجل يقول: { أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144] والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله، والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت، والله إني لأخوه ووليه وابن عمه ووارثه، فمن أحق به مني”.
الحديث الذي بعد ذلك مباشرة: روى الطبراني بسنده عن أبي موسى رضي الله عنه أن عليًّا رضي الله عنه قال: “ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: بلى. قال: أبو بكر رضي الله عنه ثم قال: ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد أبي بكر؟ قالوا: بلى. قال: عمر، ولو شئت لأخبرتكم بالثالث”.
الحديث الأخير من مسند علي في معجم الطبراني: قال الطبراني: “حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو نعيم، حدثنا الحكم بن عبد الرحمن بن أبي نعيم البجلي قال: حدثتني فاطمة بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قالت: قال أبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أعتق نسمةً مسلمة -أي: نفسًا مسلمة- أو مؤمنة، وقَى الله بكل عضو منه عضوًا من النار)).
ثم بعد ذلك ذكر الإمام الطبراني مسند العشرة المبشرين بالجنة، وبدأ بهم بطلحة بن عبيد الله، ثم بعد العشرة رتب كتابه على حروف المعجم، من أجل ذلك سماه معجمًا.