توضيح ابن حجر لأقسام الأحاديث في (المستدرك) الأول والثاني والثالث
القسم الأول: قال ابن حجر، معقِّبًا على تعقُّب الذَّهبي للمالينيِّ:
وهو كلامٌ مجملٌ يحتاج إلى إيضاحٍ وتبيين. من الإيضاح: أنَّه ليس جميعُه كما قال.
فنقولُ: ينقسمُ (المستدرك) أقسامًا، كلُّ قسمٍ منها يمكن تقسيمُه:
القسم الأول:
أن يكون إسنادُ الحديث الذي يُخرِّجه مُحتجًَّا برواته في الصَّحيحيْن، أو في أحدهما على صورة الاجتماع، سالمًا من العلل.
واحترزنا بقولنا: على صورة الاجتماع عمَّا احتجَّا برواته على صورة الانفراد، كسفيان بن حسين، عن الزُهري؛ فإنَّهما احتجَّا بكلٍّ منهما على الانفراد. احتجَّا بسفيان بن حسين، واحتجا أيضًا بالزُّهري، ولكنَّهما لم يحتجَّا برواية سفيان بن حسين عن الزُّهريِّ، لأنَّ سماعه من الزُّهريِّ ضعيفٌ دون بقية مشايخه.
وهذا شيءٌ مهمٌّ، هذا الذي نبَّه عليه ابنُ حجر؛ فإنَّه ما ينبغي -إذا كان الرجالُ رجالَ الشيخيْن- أن نقول: إنَّه على شرطهما، لأنه قد يكون الحديثُ من هذا النَّوع: فيه سفيان بن حسين، وفيه الزُّهري، وكلاهما قد احتجَّ به البخاريُّ ومسلم، ولكنَّهما لم يحتجَّا برواية سفيان بن حسين عن الزهرُي. احتجا برواية سفيان بن حسين عن غير الزهري، واحتجَّا برواية الزُّهري عن غير ما رواه عنه سفيان بن حسين.
قال ابنُ حجر: فإذا وجد حديثٌ من روايته عن الزُّهري، لا يُقال: على شرط الشَّيخيْن -كما وضَّحنا-، لأنَّهما احتجَّا بكلٍّ منهما؛ بل لا يكونُ على شرطهما إلا إذا احتجَّا بكلٍّ منهما على صورة الاجتماع.
وكذا إذا كان الإسناد قد احتجَّ كلٌّ منهما برجلٍ منه، ولم يَحتجَّ بآخر منه، كالحديث الذي يُروى عن طريقِ شعبة مثلًا، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ, فإنَّ مسلمًا احتجَّ بحديث سِماك إذا كان من رواية الثِّقات عنه، ولم يحتجَّ بعكرمة. واحتجَّ البخاريُّ بعكرمة دون سماك؛ فلا يكون الإسنادُ -والحالة هذه- على شرطهما، حتى يجتمع فيه صورةُ الاجتماع. أمَّا هنا فقد احتجَّ كلٌّ منهما برجلٍ منه ولم يحتجَّ بآخرَ منه: أحدُهما: احتجَّ بسماك بن حرب ولم يحتجَّ بعكرمة، والآخرُ: احتجَّ بعكرمة ولم يحتجَّ بسماك بن حرب.
قال ابن حجر: واحترزتُ بقولي: أن يكون سالمًا من العلل بما إذا احتجَّا بجميع رواته على صورة الاجتماع، إلا أنَّ فيهم مَن وُصف بالتَّدليس، أو اختلط في آخر عمره، فإنَّا نعلم في الجملة أنَّ الشيخيْن لم يُخرِّجا من رواية المدلِّسين بالعنعنة إلا ما تحقَّقا أنَّه مسموعٌ لهم من جهةٍ أُخرى. وكذا لم يُخرجا من حديث المختلطين عمَّن سمع منهم بعد الاختلاط، إلا ما تحقَّقا أنَّه من صحيح حديثهم قبل الاختلاط.
ومعنى كلام ابن حجر هذا: أنه لا يُكتفى مثلًا بأنَّ الرُّواة احتجَّ َّبهم البخاري، أو احتجَّ بهم مسلم، حتى نقول: على شرط البخاري، أو على شرط مسلم؛ فقد يكون أحد هؤلاء الرواة يحتج البخاري أو مسلم ببعض حديثهم دون البعض الآخَر؛ كأن يكون قد اختلط الراوي في آخِر عمره مثلًا، كسعيد بن أبي عروبة أو غيره، ففي هذه الحالة: ما هو من شرط الشَّيخيْن، هو ما روي عنهم قبل الاختلاط، أو بالنسبة للمدلِّسين ما لم يُدلِّسوا فيه، وتبيَّن لهم أنَّ الحديث الذي رُوي عنهم ثبت سماعُهم ولم يُدلَّسوا فيه.
قال ابن حجر: فإذا كان كذلك، لم يجز الحكم للحديث الَّذي فيه مدلسٌ قد عنعنه، أو شيخٌ سمع ممن اختلط بعد اختلاطه، لم يَجز الحكم -والحالة هذه- بأنَّه على شرطهما، وإن كانا قد أخرجا ذلك الإسناد بعينه، إلا إذا صرَّح المدلس من جهة أخرى بالسَّماع، وصحَّ أنّ الرَّاويَ سمع من شيخه قبل الاختلاط؛ فهذا القسم يُوصف بكونه على شرطهما أو على شرط أحدهما. ولا يوجد في (المستدرك) حديثٌ بهذه الشُّروط لم يُخرجا له نظيرًا أو أصلًا، إلا القليلَ كما قدَّمناه.
نعم، وفيه جملة مستكثرة بهذه الشروط، لكنها ممّا أخرجها الشيخان أو أحدهما، استدركها الحاكم واهمًا في ذلك، ظانًَّا أنَّهما لم يُخرجاها.
القسم الثاني:
أن يكون إسنادُ الحديث، قد أخرجا لجميع رواته، لا على سبيل الاحتجاج، بل في الشَّواهد والمتابعات والتَّعاليق، أو مقرونًا بغيره: كأن يقول: حدثنا فلان وفلان. ويلتحق بذلك ما إذا أخرجا لرجلٍ وتجنَّبا ما تفرَّد به أو ما خالف فيه، كما أخرج مسلمٌ من نسخة العلاء بن عبد الرَّحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة ما لم يتفرَّد به؛ فلا يحسن أن يقالَ: إن باقي النسخة على شرط مسلم؛ لأنه تركها حيث تفرَّد بأحاديثها العلاءُ بن عبد الرَّحمن عن أبيه.
قال ابن حجر: لأنَّه ما خرَّج بعضها إلا بعد أن تبيَّن أنَّ ذلك ممَّا لم ينفرد به، فما كان بهذه المثابة لا يلتحق أفراده بشرطهما. يعني: لا نقول: العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه من شرط مسلم فيما تفرَّد به،
وقد عقد الحاكم في كتاب المدخل بابًا مستقلًا، ذكَر فيه مَن أخرج له الشَّيخان في المتابعات، وعدَد ما أخرجا من ذلك. ثم إنَّه -مع هذا الاطِّلاع- يخرج أحاديث هؤلاء في (المستدرك) زاعمًا أنَّها على شرطهما، وهي ليست على شرطهما، لأنَّ الذي هو على الشَّرط: أن يُخرج في الصَّحيحيْن أو في أحدهما في الأصل، وليس في المتابعات والشواهد.
قال ابن حجر: ولا شكَّ في نزول أحاديثهم -يعني أحاديث المتابعات والشواهد- عن درجة الصَّحيح، بل ربَّما كان فيها الشَّاذُّ والضَّعيف، لكنَّ أكثرها لا ينزلُ عن درجة الحسن.
والحاكم، وإن كان ممَّن لا يُفرِّق بين الصَّحيح والحَسن، بل يجعل الجميعَ صحيحًا تبعًا لمشايخه: ابن خزيمة وابن حبان، فإنَّما يُناقَش في دعواه أنَّ أحاديثَ هؤلاء على شرط الشَّيخيْن أو أحدهما؛ وهذا القسم هو عمدة الكتاب.
القسم الثالث:
أن يكون الإسنادُ لم يُخَرِّجا له، لا في الاحتجاج -يعني في الأصول- ولا في المتابعات.
وهذا قد أكثر منه الحاكم. فيُخرِّج أحاديث عن خلْق ليسوا في الكتابيْن، ويصحِّحُها، ولكن لا يدَّعي أنَّها على شرط واحدٍ منهما، وربما ادَّعى ذلك على سبيل الوهم.
وكثيرٌ منها -يعني: هذه الَّتي يكون إسنادها لم يُخرجا له- كثير منها يعلِّقُ القول بصحَّتها على سلامتها من بعض رواتها، كالحديث الذي أخرجه من طريق الليث، عن إسحاق بن بُزُرْج، عن الحسن بن عليٍّ في التَّزيُّن للعيد، وهو عن زيد بن الحسن، عن أبيه قال: ((أمَرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في العيديْن: أن نلبسَ أجودَ ما نجدُ، وأن نتطيَّب بأجودِ ما نجدُ…)) الحديث.
قال الحاكم في إثره: لولا جهالة إسحاق لحكمت بصحَّته. وهذا الحديث في (ج4 ص230) من (المستدرك).
وكثيرٌ منها لا يتعرَّض للكلام عليه أصلًا؛ ومن هنا دخلت الآفةُ كثيرًا فيما صحَّحه. وقلَّ أن تجدَ في هذا القسم حديثًا يلتحقُ بدرجة الصَّحيح، فضلًا عن أن يرتفع إلى درجة الشَّيخيْن. والله أعلم.
قال ابن حجر: ومن عجيب ما وقع للحاكم: أنه أخرج لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقال -بعد روايته-: هذا صحيح الإسناد، وهو أوَّلُ حديثٍ ذكرتُه لعبد الرحمن، مع أنَّه قال في كتابه الذي جمعه في الضُّعفاء: عبدُ الرَّحمن بن زيد بن أسلم، روى عن أبيه أحاديثَ موضوعة، لا يخفى على من تأمَّلها من أهل الصَّنعة أنَّ الحملَ فيها عليه. وقال في آخِر هذا الكتاب: فهؤلاء الذين ذكرتُهم قد ذُكِر عندي جَرْحهم، لأنَّ الجرح لا أستحلُّه تقليدًا. انتهى.
والحديث في (المستدرك) في (ج2 ص615) بإسناد الحاكم إلى عبد الله بن مسلم الفِهري، قال: حدثنا إسماعيل بن مسلمة، قال: أنبأنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب قال:”قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: لمَّا اقترف آدمُ الخطيئةَ قال: يا ربِّ أسألُك بحقِّ محمَّد لَمَا غفرتَ لي. فقال الله عز وجل: يا آدم، وكيف عرفتَ محمدًا ولم أخلُقْه؟ قال: يا ربِّ، لأنك لمّا خلقتني بيدك ونفخت فيَّ من روحك، رفعتُ رأسي فرأيتُ على قوائم العرش مكتوبًا: لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله، فعلمتُ أنَّك لم تُضف إلى اسمِك إلا أحبَّّ الخَلْقِ إليك. فقال: صدقت يا آدم. إنه لأحبُّ الخلق إليَّ. ادعُني بحقِّه، فقد غفرتُ لك، ولولا محمَّدٌ ما خلقتُك”. وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وهو أوَّل حديث ذكرتُه لعبد الرحمن.
قال الذَّهبيُّ: بل موضوعٌ. وعبد الرحمن واهٍ. رواه عبد الله بن مسلم الفهري، ولا أدري مَن ذا؟ يعني: أنه مجهولٌ عند الذَّهبي.
قال ابن حجر: فكان هذا -أي: الحديث وكلام الحاكم- من عجائب ما وقع له من التَّساهل والغفلة؛ ومن هنا يتبيّن صحةُ قول ابن الأخرم -التي قدَّمناها- وأنَّ قول المؤلِّف -أي: ابن الصلاح- إنَّه يصفو له -أي: الحاكم- منه صحيح كثيرٌ: غيرُ جيِّد؛ بل هو قليلٌ بالنِّسبة إلى أحاديث الكتابيْن. والذي يسلم من (المستدرك)على شرطهما أو شرط أحدهما، مع الاعتبار الذي حرَّرناه: دون الألْف؛ فهو قليلٌ بالنسبة إلى ما في الكتابيْن. والله تعالى أعلم.
قال ابن حجر: وقد بالغ ابنُ عبد البر، فقال ما معناه: إنَّ البخاري ومسلمًا إذا اجتمعا على ترك إخراج أصل من الأصول، فإنَّه لا يكون له طريقٌ صحيحة، وإن وُجدت فهي معلولة. وقال في موضع آخر: وهذا الأصل لم يخرج البخاري ومسلم شيئًا منه، وحسبك بذلك ضعفًا. هذا وإن كان لا يُقبل منه، فهو يُعضد قول ابن الأخرم.
ثم انتقل ابن حجر إلى كلامٍ آخر عن الحاكم، في كون ابن الصلاح وابن دقيق العيد والذهبي، يعترضون على تصحيحه على شرط الشيخيْن أو أحدهما: بأنَّ البخاريَّ مثلًا ما أخرج لفلان، وكلام الحاكم ظاهرٌ أنه لا يتقيَّد بذلك حتى يُتعقب به عليه.
قال ابن حجر: لكنَّ تصرُّف الحاكم يُقوِّي أحد الاحتماليْن اللّذيْن ذكرهما شيخنا -أي: العراقيَّ -رحمه الله تعالى-؛ فإنه إذا كان عنده الحديث قد أخرجا أو أحدُهما لرواته، قال: صحيحٌ على شرط الشَّيخيْن أو أحدِهما، وإذا كان بعض رواته لم يخرجا له، قال: صحيح الإسناد فحسب.
قال العراقيُّ -في ردِّه على ابن الصَّلاح-: إنَّ قوله ممَّا رآه على شرط الشَّيخيْن: قد أخرجا عن رواته في كتابيْهما فيه بيانُ: أنَّ ما هو على شرطهما هو ما أخرجا عن رواته في كتابيْهما، ولم يرد الحاكم ذلك؛ فقد قال في خطبة كتابه (المستدرك): وأنا أستعينُ بالله تعالى في إخراج أحاديثَ رواتُها ثقات، قد احتجَّ بمثلها الشَّيخان أو أحدهما.
فقول الحاكم: بمثلها، أي: بمثل رواتها، لا بهم أنفسهم. ويحتمل أن يراد بمثل تلك الأحاديث، وفيه نظر.
فالاحتمالان اللّذان أشار إليهما الحافظ هما:
الأول: قوله: أي بمثل رواتها، لا بهم أنفسهم.
والثاني: قوله: ويحتمل أن يُراد بمثل تلك الأحاديث، لا بمثل الرواة؛ وتصرُّف الحاكم يُقوِّي الثاني، كما بيَّنه الحافظ.
قال الحافظ ابن حجر: ويوضح ذلك: قولُه في باب: التوبة، لما أورد حديث أبي عثمان، عن أبي هريرة مرفوعًا: ((لا تُنزع الرَّحمة من شقيٍّ)) قال: هذا حديثٌ صحيح الإسناد، وأبو عثمان هذا ليس هو النَّهديَّ، ولو كان النَّهديُّ لحكمت بالحديث على شرط الشَّيخيْن، فدلَّ هذا على: أنَّه إذا لم يُخرجا لأحد رواة الحديث، لا يُحكم به على شرطهما؛ وهو عينُ ما ادَّعى ابنُ دقيق العيد وغيره. وإن كان الحاكم قد يغفل عن هذا في بعض الأحيان، فيُصحِّح على شرطهما بعضَ ما لم يُخرجا لبعض رواته؛ فيُحمل ذلك على السَّهو والنَّسيان، ويتوجَّه به حينئذ عليه الاعتراضُ.
لكنَّنا نقول: إنَّ ما ذكره الحافظ العراقيُّ، من أن الحاكم يُحتمل أن يريد بقوله: على شرط الشَّيخيْن أو أحدهما، أي: بمثل رواتها لا بهم أنفسهم.
نقول: إنه إذا كان هذا الاحتمال موجودًا، فلا يُعترضُ عليه في ذلك. والله تعالى أعلم.
قال شيخ الإسلام -أي: ابن حجر- فيما نقل عنه السُّيوطي: وإنَّما وقع للحاكم التَّساهل، وكثرة الاعتراضات عليه، لأنَّه سوَّد الكتاب ليُنقِّحه فأعجلتْه المنيَّة. قال: وقد وجدت في قريب نصف الجزء الثاني من تجزئة ستة من المستدرك: إلى هنا انتهى إملاء الحاكم -يعني: هذه العبارة- قال: وما عدا ذلك من الكتاب لا يُوجد عنه إلا بطريق الإجازة. فمِن أكبر أصحابه وأكثرِ الناس له ملازمةً: البيهقيُّ؛ وهو إذا ساق عنه من غير المُملى شيئًا لا يذكرُه إلا بالإجازة. قال: والتَّساهل في القدْر المُمْلَى قليلٌ جدًا، بالنِّسبة إلى ما بعده.
قال النَّووي: فما صحَّحه، ولم نجد فيه لغيره من المعتمَدين تصحيحًا ولا تضعيفًا، حكمنا بأنَّه حَسَن، إلا أن يظهر فيه علةٌ توجب ضعفه.
قال البدر بن جماعة: والصَّواب: أنَّه يُتَتبَّع، ويُحكم عليه بما يليق بحاله من الحَسَن أو الصحة أو الضعف؛ وهذا ما فعله الذَّهبيُّ، وإن كان لا ينص على الحَسن، باعتبار أنَّ الحاكم يُدخل الحسن كشيوخه و-كما قلنا- في الصحيح؛ لكنَّ الذهبي يذكر ما هو ضعيف.
وقد سبق عند ابن الصلاح -فيما لخص عنه النووي-: أنه قال: إذا لم نجد فيه لغيره -أي: لغير الحاكم- من المعتمدين تصحيحًا ولا تضعيفًا، حكَمنا بأنه حسَن.
قال العراقيُّ: إنَّ حكمه عليه بالحَسن فقط تَحَكُّم، قال: إلا أنَّ ابن الصَّلاح قال ذلك بناءً على رأيه: أنَّه قد انقطع التَّصحيح في هذه الأعصار؛ فليس لأحدٍ أن يُصحِّحه، فلهذا قطع النَّظر عن الكشف عليه.
وسنقف وقفةً طويلة عند رأي ابن الصلاح، وما اعترضوا عليه في قوله: قد انقطع التَّصحيح في هذه الأعصار ومعنى كلامه: أنَّه قد انقطع الاجتهاد في تصحيح الأحاديث في هذه الأعصار، وعارضه كثيرٌ من العلماء في ذلك.
قال السُّيوطي: والعَجبُ من المصنِّف -أي: النَّووي- كيف وافقه هنا، مع مخالفته له في المسألة المبنيِّ عليها -كما سيأتي- يعني في مخالفته رأي ابن الصلاح في قوله: إنه قد انقطع التَّصحيح في الأعصر المتأخِّرة، وما ينبغي لنا أن نحكم على حديثٍ لم نجد فيه حكمًا من أحد العلماء، أن نحكم بتصحيحه بناء على ما يظهرُ لنا من علامات التَّصحيح، النَّوويُّ خالفه في ذلك. لكنه هنا -كما يقول السيوطي- وافقه على أنَّا ما لم نجد تعقيبًا على الحاكم من المعتمدين، فإننا نحكم عليه بالحسن. وقوله: فما صححه: احتراز ممَّا خرَّجه في الكتاب، ولم يصرِّح بتصحيحه، فلا يعتمد عليه في ذلك.