ثأر خزاعة، وسياسته صلى الله عليه وسلم في تأمين عتاة المشركين
أذن النبي صلى الله عليه وسلم خزاعة أن تأخذ بثأرها من بني بكر، فأحل لهم ذلك حتى عصر ذلك اليوم، ثم أمر بالكف عن القتل والقتال، ولما بلغه صلى الله عليه وسلم أن خزاعة قتلت رجلًا من بني بكر بمزدلفة في اليوم الثاني غضب لذلك وودى ذلك الرجل، وقال: ((إنه من قتل بعد ذلك قتيلًا فيترك الأمر لأولياء دمه، إن شاءوا قبلوا الدية، وإن شاءوا كان لهم القصاص))، فكفت خذاعة لذلك.
وكان للنبي سياسة في تأمين عتاة المشركين، فها هو فضالة بن عمير بن الملوح وقد هَمَّ بما يمنع الله نبيه صلى الله عليه وسلم منه؛ حيث إنه حاول أن يقتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت، فلما دنا منه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضالة؟)) قال: نعم فضالة يا رسول الله، قال: ((ماذا كنت تحدث به نفسك؟)) قال: لا شيء، كنت أذكر الله، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: ((استغفر الله))، ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه، وكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما خلق الله شيئًا أحب إلي منه صلى الله عليه وسلم.
أمَّا صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، فقد فرا من مكة خوفًا منه صلى الله عليه وسلم لكفرهما، ولوقوفهما مع الذين تصدوا للمسلمين عند الخندمة، فلما فر صفوان استأمن له عمير بن وهب النبي صلى الله عليه وسلم فأمنه صلى الله عليه وسلم فخرج عمير بن وهب حيث لحقه بجدة وهو يريد أن يركب البحر فارًّا منه صلى الله عليه وسلم فرجع به بعد أن قال: اجعلني بالخيار في هذا الأمر شهرين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((له أربعة أشهر صلى الله عليه وسلم)) ، كل ذلك استمالة لأمثال هؤلاء.
كذلك فإن عكرمة بن أبي جهل، لما فر كذلك وأراد أن يلحق باليمن استأمنت له النبي صلى الله عليه وسلم زوجه أم حكيم بنت الحارث، وكانت قد أسلمت فتبعته، وبلغته بأمان رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه، فعاد إلى مكة مسلمًا وحسن إسلامه، وكان من قادة المسلمين بعد ذلك. كذلك أسلم عتبة ومعتب ولدا أبي لهب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عنهما النبي صلى الله عليه وسلم عمه العباس فجاء بهما إليه صلى الله عليه وسلم فأسلما، وبايعا وحسن إسلامهما.
هكذا نرى رحمته صلى الله عليه وسلم بذوي قرباه، وأولئك الذين آذوه أشد الأذى، وكان هذا من فضل الله على هؤلاء الذين دخلوا هذا الدين العظيم في هذا اليوم المبارك يوم الفتح العظيم.
هذا، وقد جاء أبو بكر رضي الله عنه بأبيه أبي قحافة، بعد أن دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد، جاء يقود أباه كأن رأسه ثَغامة من البياض، فقال صلى الله عليه وسلم: ((هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه)) فقال أبو بكر: يا رسول الله، هو أحق أن يمشى إليك من أن تمشي إليه، فأجلسه صلى الله عليه وسلم ثم مسح صدره، فأسلم أبو قحافة، وهنا هنَّأ النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر بإسلام أبيه.