Top
Image Alt

حال الخطابة في العصر العباسي، وبعض الفنون التي تفرعت عن الخطابة، وسمات الخطابة

  /  حال الخطابة في العصر العباسي، وبعض الفنون التي تفرعت عن الخطابة، وسمات الخطابة

حال الخطابة في العصر العباسي، وبعض الفنون التي تفرعت عن الخطابة، وسمات الخطابة

لأن فن الخطابة له خصوصية، له عوامل معينة تساعد على نهضته، وإذا اختفت هذه العوامل أو ضعفت فإن الخطابة تتأثر وتضعف باختفاء هذه العوامل أو بضعفها، ولقد توافرت للخطابة عوامل النهضة والقوة في العصر العباسي خاصةً في العصر العباسي الأول؛ إذ إن قيام الدولة اقترن بانقلابات كان من شأنها أن تستفيدَ من الخطابة في إظهار البراهين والأدلة التي تُقنع الناس بأحقية بني العباس في الخلافة، واستثارة عواطفهم؛ لكراهية الأمويين، وعدم الندم على زوال سلطانهم، فكان لهذا الأمر أثرٌ كبير في نشاط الخطابة وعُلو منزلتها، وقد كان أكثر خلفاء العباسيين من أصحاب البلاغة والبيان القادرين على اعتلاء المنابر والتأثير في جمهور الناس. فكانوا يصفون أنفسهم بالصفات التي تقرب الناس منهم، ويصفون الأمويين بالظلم والاجتراء على الحق، وأنهم اغتصبوا حقًّا ليس لهم، فكانوا بالخطابة يقربون الناسَ منهم، وينفرونهم من بني أمية.

وكان الخطباء الذين يعتلون المنابر أو يخطبون في المحافل، يجادلون خصومًا عندهم القدرة نفسها على البيان، فعندما تكون هناك منافسة في البلاغة والبيان، لا بد أن يكون ذلك مؤديًا إلى نهضة الخطابة وعلو شأنها؛ إذ يتبارَى كلٌّ من المتنافسين في إظهار براعته وقدرته على إقناع الناس واستمالة عواطفهم.

أيضًا، من العوامل التي أدت إلى نهضة الخطابة في ذلك العصر: أن الخطباء من هذه الفرقة أو تلك كانوا يتوجهون بخطبهم إلى أقوام تأخذ الفصاحةُ بزمامهم، ويتملك البيان أفئدتهم، ويستولي القول الفصل على شغاف قلوبهم كما يقول شيخنا الدكتور إبراهيم أبو الخشب -عليه رحمة الله- فالبليغ المطبوع يلهب حماسته ويثير ملكته، ويأخذ بزمامه القول البليغ المؤثر، أما الذين تكون ملكاتهم ضعيفة فإنهم لا يتأثرون بالكلام البليغ، وإذا ما وجد الخطيب البليغ بيئةً يشعر بأثر كلامه فيها، فإن هذا يكون دافعًا له إلى المزيد من التأثير، والمزيد من الاجتهاد في تجويد هذا الفن -ونعني به الخطابة.

ثم هناك عامل آخر يشير إليه المؤلفون في تاريخ الأدب وتاريخ الدولة العباسية؛ أنه كان هناك ما يمكن تسميته بحرية التعبير، فقد كان الخلفاء العباسيون يوسعون في مجالسهم، ويوسعون في صدورهم؛ لاستماع الخطباء واستماع الوعاظ.

وأنقل ما قاله بعض المؤرخين لهذه الفترة؛ إذ يقول: لقد اتخذ ذوو اللسن والخطابة من القول رقًى سحرية يتزلفون بها إلى أولي الأمر والنُّهي، فيغزون منهم القلوب، ويحتلون السويداء بما يرتلون من آيات مدح، وينظمون من عقود ثناء.

error: النص محمي !!