Top
Image Alt

حديث أبي الدرداء في: الوضوء من القيء، وحديث الوضوء بالنبيذ

  /  حديث أبي الدرداء في: الوضوء من القيء، وحديث الوضوء بالنبيذ

حديث أبي الدرداء في: الوضوء من القيء، وحديث الوضوء بالنبيذ

1. حديث أبي الدرداء في الوضوء من القيء:

حديث أبي الدرداء: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر)):

وهذا الحديث رواه الترمذي وغيره، ولفظ الترمذي قال: حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر، وإسحاق بن منصور، قال أبو عبيدة: حدثنا، وقال إسحاق: أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثني أبي، عن حسين المعلم، عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثني عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن يعيش بن الوليد المخزومي، عن أبيه، عن معدان بن أبي طلحة، عن أبي الدرداء: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ)) فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت ذلك له فقال: صدق، أنا صببت له وضوءه.

ورواه الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- فقال: حدثنا عبد الصمد، حدثنا أبي قال: حدثنا الحسين -وهو المعلم- عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثني عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن يعيش بن الوليد المخزومي: أن أباه حدّثه قال: حدّثني معدان بن أبي طلحة: أن أبا الدرداء أخبره: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ)) فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت ذلك له فقال: صدق، أنا صببت له وضوءه.

ويُلاحظ أن كلًّا من الترمذي وأحمد بن حنبل رواه بالإسناد نفسه: عبد الصمد، عن أبيه -يعني: عبد الوارث- عن حسين المعلم، عن يحيى بن أبي كثير، عن الأوزاعي، عن يعيش بن وليد، عن أبيه، عن معدان بن أبي طلحة، ولكن هناك فرقًا يتمثل في قوله: ((قاء فأفطر)) أو ((قاء فتوضأ)) فعند أحمد -رحمه الله تعالى-: ((قاء فأفطر))، وعند الترمذي -رحمه الله تعالى-: ((قاء فتوضأ)) وهناك -بطبيعة الحال- فرق بين الاثنين في الاستنباط، فـ((قاء فتوضأ)) معناه: أن القيء ينقض الوضوء؛ فهو توضأ من القيء، أما عند الترمذي: ((قاء فأفطر)) يعني: كان صائمًا فأفطر، يفهم منه أن القيء ليس السبب في الإفطار، وإنما ربما أفطر لضعف فيه.

على كل حال، إسناد الحديث صحيح عند أحمد، رجاله ثقات رجال الصحيح، وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث العنبري، والحسين هو ابن ذكوان المعلم كما هو عند الترمذي حسين المعلم.

وأخرجه الدارمي والترمذي -كما سبق أن قرأنا عنده- قال: قد رأى غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم من التابعين: الوضوء من القيء والرعاف، وهو قول سفيان الثوري، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق. وقال بعض أهل العلم: ليس في القيء والرعاف وضوء، وهو قول مالك، والشافعي، وقد جوّد حسين المعلم هذا الحديث، وحديث حسين أصحّ شيء في هذا الباب.

وروى معمر هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير فأخطأ فيه فقال: عن يعيش بن الوليد، عن خالد بن معدان، عن أبي الدّرداء، ولم يذكر فيه الأوزاعي وقال: عن خالد بن معدان، طبعًا في إسناد أحمد وإسناد الترمذي بين الوليد المخزومي، وأبي الدرداء: معدان بن أبي طلحة، لكن هنا: خالد بن معدان، بيّن الترمذي الخطأ فقال: وإنما هو معدان بن أبي طلحة.

هذا الحديث -كما سبق- رواه كذلك أبو داود، والنسائي في (الكبرى) وابن الجارود، وابن خزيمة، والطحاوي، وابن حبان، والطبراني في (الأوسط) والدارقطني، والبيهقي، وغيرهم، وأخرجه عبد الرزاق، وأحمد، والنسائي من طريق خالد بن معدان، عن أبي الدرداء بنحوه ولم يذكر فيه ثوبان.

في رواية أخرى عند أحمد غير هذه الرواية، وعلى الرغم من أننا قلنا: إن إسناد أحمد صحيح، فقال فيه بعض الأئمة: ورواه الحاكم في (المستدرك) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. قال الزيلعي: أعلّه الخصم باضطراب وقع فيه؛ فإن معمرًا رواه عن يحيى بن أبي كثير، عن يعيش، عن خالد بن معدان، عن أبي الدرداء، ولم يذكر فيه الأوزاعي، وقد عرفنا أن الترمذي اعتبر رواية معمر خطأ، وعلى ذلك فهذا الخطأ لا يؤثّر على الأسانيد الأخرى؛ ولذلك أجيب -كما قال الزيلعي- بأن اضطراب بعض الرواة لا يؤثّر في ضبط غيره، قال ابن الجوزي: قال الأثرم: قلتُ لأحمد: قد اضطربوا في هذا الحديث، فقال: قد جوَّده حسين المعلم. يعني: قدَّم إسنادًا جيدًا فيه؛ فهو الذي عليه المعتمد، ولا يعتبر هذا اضطرابًا، لم يُوافق على هذا الاضطراب. وقد قال الحاكم على شرطهما.

هذا، ونقل البيهقي عن الشافعي: أنه حمل الوضوء فيه على غسل الدم، قال: وهو معروف من كلام العرب، ثم أسند إلى مطرف بن مازن قال: حدّثني إسحاق بن عبد الله بن أبي المجالد، عن أبي الحكم الدمشقي: أن عبادة بن نُسي حدّثه عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري، عن معاذ بن جبل قال: كنّا نُسمّي غسل الفم واليد وضوءًا، وليس بواجب، قال البيهقي: ومطرف بن مازن تكلّموا فيه. وقد روي عن ابن مسعود: أنه غسل يديه من طعام، ثم مسح وجهه وقال: هذا وضوء من لم يُحدث.

هذا، وقد دافع عن هذا الحديث بعض العلماء فقال: الحديث مركب من حديثين: حديث أبي الدرداء، وحديث ثوبان، وفي كلٍّ منهما المطلوب، أما حديث أبي الدرداء ففي طريق للترمذي فقط: ((فإنه قاء فتوضأ)) كقولهم: سافر فأفطر، أو شرب فحُد، وأما حديث ثوبان ففي طرقه كلها: “أنا صببت له وضوءه”؛ ولهذا أورده البيهقي، وابن الجارود، والدارقطني في الطهارة، مع أن في طريقهما لا متعلّق له في حديث أبي الدرداء.

والحديث أخرجه أبو داود، والدارمي، والدارقطني، والطحاوي، والحاكم وصححه على شرطهما، والبيقهي، والترمذي، وابن الجارود، كلهم في الصيام إلا الثلاثة الأخيرة فإنهم أخرجوه في الطهارة، وبلفظ: ((قاء فأفطر)) إلا الترمذي فإن فيه: ((قاء فتوضأ)) ومن طريق عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه بإسناده، إلا أبا داود والدارقطني؛ فإنهما أخرجاه من طريق عبد الله بن عمرو، عن عبد الوارث، وإلا أحمد في روايته فإن فيه: عن هشام الدستوائي، وإلا في روايتين من (المستدرك) فإن فيهما: عن الدستوائي وحرب بن شداد، عن يحيى، يعني: ابن أبي كثير.

هذا، وإن من ظن أن الاستدلال في حديث أبي الدرداء فقط وراء أن كثيرًا من أرباب الأصول لم يُورده إلا بلفظ: ((قاء فأفطر)) فقط، وقال: من استدلّ بحديث الباب لا بد له أن يثبت أن لفظ ((فتوضأ)) بعد ((قاء)) محفوظ، تفوّه هذا القائل بهذا، وحيث لم يقل أحدٌ من أئمة الحديث بأن لفظ ((فتوضأ)) غير محفوظ كان ينبغي له أن يسكت كما سكت عنه الترمذي، بل يكتفي بقول الترمذي: حديث حسين أصحّ شيء في هذا الباب، ومن أين له أن يُطالب بهذا وسكت عنه الحفاظ، وصححه الترمذي والحاكم؟! وأيّ تعارض بين ((قاء فتوضأ)) وبين ((قاء فأفطر))؛ لنحتاج إلى تخطئة الثقات من أصحاب عبد الصمد، وأبي عبيدة بن أبي السفر، وإسحاق بن منصور؟! وقد روى معمر هذا الحديث عن يحيى بإسناده كما في (مسند أحمد)، وفيه: ((قاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفطر، فأُتي بماء فتوضأ)) فإن قيل: قال الترمذي: روى معمر هذا الحديث فأخطأ، قال: عن يعيش، عن خالد بن معدان، عن أبي الدّرداء، ولم يذكر الأوزاعي وقال: عن خالد بن معدان، قلت: إذا أخطأ الثقة الثبت في لفظ السند وتبيّن ذلك بالحجة الواضحة يُقتصر على تبيين فيه فقط، فخطأ معمر في معدان وترك الأوزاعي لا يدل على خطأ المتن أيضًا؛ لا سيما ولم يُخالف فيه أحدًا من الثقات؛ فإن أصحاب عبد الصمد رَوَوْا عنه الوضوء والإفطار كليهما، فهما في الحديث، فحديث معمر وحديث عبد الصمد متوافقان لا يختلفان، ولو كان الاختلاف لما ضرّ أيضًا؛ ألا ترى أنهم زعموا أن كلمة ((فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ظهر…)) إلى آخره في حديث مالك وغيره حكموا عليه بالإدراج لحديث الأوزاعي، وأن حديث الأوزاعي الذي استدلّوا به في خطأ بيّن؛ حيث قال: عن الزهري، عن ابن المسيب، وإنما هو عن الزهري عن ابن أكيمة الليثي، كما في كتاب (القراء)، فمن هذا نخلص إلى أن إسناد الحديث صحيح ما عدا ما أخطأ فيه معمر، ومن ناحية أخرى أنه لا تعارض بين ((قاء فتوضأ)) و((قاء فأفطر))، وأن كلاهما ينبغي أن نطلق عليه أنه محفوظ.

أما اختلاف الفقهاء في حكم من قاء: هل يتوضأ أو لا يتوضأ، أو يفطر أو لا يفطر؟ فهذا، قد تكون له اعتبارات إما من الحديث وإما من غيره، وهذا لا شأن به، إنما نريد أن ندرس الحديث إسنادًا وفقهًا، وقد تبيّن لنا -بحمد الله تعالى- أن الحديث صحيح بلفظيه، وأن إسناده صحيح، بصرف النظر عن أن بعض الرواة قد أخطأ فيه.

وإذا كنا نقول: إن الحديث صحيح فهذا ما قاله بعض الأئمة، ومنهم: ابن خزيمة الذي رواه في (صحيحه) وابن الجارود، والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين، وتمام، وابن حبان، كل هؤلاء قد صحّحوه، وقال البخاري -كما في (العلل الكبير) للترمذي: جود حسين المعلم هذا الحديث. وقال الترمذي في (السنن): حديث حسين أصح شيء في هذا الباب -كما ذكرنا- وقال الحاكم مبينًا أن الشيخين لم يُخرّجاه قال: الخلاف بين أصحاب عبد الصمد فيه، قال بعضهم: يعيش بن الوليد، عن أبيه، عن معدان، وهذا وهمٌ من قائله؛ فقد رواه حرب بن شداد وهشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير على الاستقامة.

وعلى كل حال، فرواية حرب بن شداد فيها الوجهان: عن أبيه، ودونها. وخالف البغوي كلًّا من ابن خزيمة والحاكم، فقال في (شرح السنة): هذا حديثٌ حسنٌ، والصحيح عن يعيش بن الوليد، عن أبيه، عن معدان بن أبي طلحة، وعلى هذا فإن زيادة قوله: عن أبيه لا تضر في صحة الإسناد، فهو من المزيد في متصل الأسانيد.

وتعقّب البيهقي ابن التركماني في (الجوهر النقي) في قوله: وإسناد هذا مضطرب، قال ابن التركماني: أخرجه الترمذي، ثم قال: جوده حسين بن المعلم، عن يحيى بن أبي كثير، وحديث حسين أصح شيء في هذا الباب، وقال ابن منده: هذا إسناد متصل صحيح. ثم قال ابن التركماني: وإذا أقام ثقة إسنادًا اعتمد، ولم يبالِ بالاختلاف، وكثير من أحاديث الصحيحين لم تسلم من مثل هذا الاختلاف.

2. حديث الوضوء بالنبيذ:

حديث الوضوء بالنبيذ الذي روي عن ابن مسعود رضي الله عنه ، وقد استعرض ابن الجوزي في كتابه (تحقيق التعليق)، وابن عبد الهادي في كتابه (تنقيح تحقيق أحاديث التعليق) طرق هذا الحديث وما فيها، قال ابن الجوزي: فأما حديث ابن مسعود فله ستة طرق:

الطريق الأول: قال أحمد: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا سفيان، عن أبي فزارة العبسي قال: حدثنا أبو زيد مولى عمرو بن حريث، عن ابن مسعود قال: ((لما كان ليلة الجن قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : أمعك ماء؟ قلت: ليس معي ماء، ولكن معي إداوة فيها نبيذ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : تمرة طيبة، وماء طهور)) قال أحمد أيضًا: وحدثنا يحيى بن زكريا، عن إسرائيل، عن أبي فزارة، عن أبي زيد، عن ابن مسعود قال: ((كنتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن فقال: أمعك ماء؟ قلت: لا. قال: ما هذا في الإداوة؟ قلت: نبيذ. قال: أرنيها، ثمرة طيبة وماء طهور، فتوضأ منها، ثم صلى بنا)) قال ابن عبد الهادي: ورواه أبو داود، وابن ماجه، والترمذي، يعني: روى هذه الطريق.

الطريق الثاني: قال أحمد: وحدثنا يحيى بن إسحاق قال: أنبأنا ابن لهيعة، عن قيس بن الحجاج، عن حنش الصنعاني، عن ابن عباس، عن عبد الله بن مسعود: ((أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : يا عبد الله، أمعك ماء؟ قال: معي نبيذ في إداوة. قال: اصبب عليّ، فتوضأ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا عبد الله بن مسعود، شراب وطهور)).

الطريق الثالث: قال الدارقطني: حدثنا البغوي -عبد الله بن محمد البغوي أبو القاسم- قال: حدثنا محمد بن عباد المكي قال: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي رافع، عن ابن مسعود: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ليلة الجن: أمعك ماء؟ قال: لا. قال: معك نبيذ؟ قال: نعم. فتوضأ به)).

الطريق الرابع: قال الدارقطني: حدثنا محمد بن الحسن قال: حدثنا الفضل بن صالح الهاشمي قال: حدثنا الحسين بن عبيد الله العجلي قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي وائل قال: سمعتُ ابنَ مسعود يقول: ((كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن فأتاهم فقرأ عليهم القرآن، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الليل: أمعك ماء يا ابن مسعود؟ قلت: لا، والله يا رسول الله، إلا إداوة فيها نبيذ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تمرة طيبة وماء طهور، فتوضأ به النبي صلى الله عليه وسلم )).

الطريق الخامس: قال الدارقطني: حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق قال: حدثنا محمد بن عيسى بن حبان قال: حدثنا الحسن بن قتيبة قال: حدثنا يونس بن إسحاق، عن أبي إسحاق، عن عبيدة وأبي الأحوص، عن ابن مسعود قال: ((مر بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: خُذْ معك إداوة من ماء، ثم انطلق وأنا معه، فلما فرغتُ عليه من الإداوة إذا هو نبيذ، فقلت: يا رسول الله، أخطأت بالنبيذ. فقال: تمرة حلوة وماء عذب)).

الطريق السادس: من طُرق حديث الوضوء بالنبيذ: قال الدارقطني: حدثني محمد بن أحمد بن الحسن قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسان قال: حدثنا هشام بن خالد الأزرق قال: حدثنا الوليد قال: حدثنا معاوية بن سلام، عن أخيه، عن جده أبي سلام، عن فلان ابن غيلان الثقفي: أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول: ((دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن بوضوء، فجئته بإداوة، فإذا فيها نبيذ، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم )) هذا حديث ابن مسعود.

وأما حديث ابن عباس فله طريقان:

الطريق الأول: قال الدّارقطني: حدّثنا عثمان بن أحمد الدقاق قال: حدّثنا يحيى بن عبد الباقي قال: حدثنا المسيب بن واضح قال: حدثنا مبشر بن إسماعيل، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((النبيذ وضوء من لم يجدْ الماء)).

الطريق الثاني: قال الدارقطني: حدّثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدّثنا السري بن سهل الجنديسابوري قال: حدثنا عبد الله بن رشيد قال: حدثنا أَبُو عُبَيْدَةَ مُجَّاعَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبَانَ، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إذا لم يجد أحدكم ماء ووجد النبيذ؛ فليتوضأ به)) وقد سبق أن في بعض الطرق رواه ابن عباس عن عبد الله بن مسعود.

هكذا، أورد هذه الطرق ابن الجوزي في كتاب (تحقيق التعليق) له، ثم بدأ يتكلّم عن هذه الطّرق قال: ليس في هذه الأحاديث شيء يصحّ، أما حديث ابن مسعود فطرقه كتالي:

طرق حديث ابن مسعود:

الطريق الأول: أبو زيد، وأبو فزارة، وهما مجهولان، قال أحمد بن حنبل: أبو فزارة في حديث ابن مسعود رجل مجهول. قال الترمذي: بعدما روى الحديث: وأبو زيد مجهول عند أهل الحديث، لا يُعرف له رواية غير هذا الحديث. قال أبو مسعود: قال أبو زرعة: وهذا الحديث ليس بصحيح. فإن قيل: أبو فزارة اسمه راشد بن كيسان أخرج له مسلم، وكذلك الدارقطني قال: أبو فزارة في حديث النبيذ اسمه راشد بن كيسان فجوابه من وجهين:

إحداهما: أنهما اثنان فالمجهول هو الذي في هذا الحديث، ودليل هذا قول أحمد: أبو فزارة في حديث ابن مسعود مجهول، فاعلم أنه غير المعروف.

الثاني: أن معرفة اسمه لا تُخرجه عن الجهالة، هكذا قال ابن الجوزي، وسيتعقّبه ابن عبد الهادي إن شاء الله.

الطريق الثاني: فتفرّد به ابن لهيعة، قال الدارقطني: لا يُحتجّ بحديثه، وفيه حنش، قال ابن حبان: لا يُحتجّ به.

الطريق الثالث: ففيه علي بن زيد، قال أحمد ويحيى: ليس بشيء، وقال يحيى بن سعيد: هو متروك الحديث، قال الدارقطني: وأبو رافع لم يثبت سماعه من ابن مسعود.

الطريق الرابع: ففيه الحسين العجلي، قال الدارقطني: كان يضع الحديث، وقد كذب في هذا على أبي معاوية، وعلى الأعمش.

الطريق الخامس: فقال الدارقطني: محمد بن عيسى ضعيف، والحسن بن قتيبة متروك الحديث.

الطريق السادس: فيه ابن غيلان، قال الدارقطني: هو مجهول.

كما ترى هذه النقود إنما كانت متجهة إلى أسانيد هذه الطرق، وأما الذي يتجه إلى متن الحديث من نقود فهو: أنهم قالوا: إن ابن مسعود لم يكن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؛ فكيف يوضئه بالنبيذ في ليلتها؟ قال ابن الجوزي: ويرد أصل الحديث أن في الصحيح عن ابن مسعود: أنه سئل: أكنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ فقال: لا. هذا بالنسبة لحديث ابن مسعود في طرقه وفي متنه.

وأما حديث ابن عباس: قال ابن الجوزي: تفرد بالطريق الأول المسيب بن واضح، قال الدارقطني: هو ضعيف، وقد وهم فيه في موضعين: في ذكر ابن عباس، وفي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم والمحفوظ أنه من قول عكرمة غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا إلى ابن عباس، وقد رواه المسيب بن واضح هذا الضعيف مرة موقوفًا غير مرفوع، يعني: اضطرب فيه.

وأما الطريق الثاني: ففيه أبان بن أبي عياش، وهو متروك، قال شعبة: لأن أزني أحبّ إليّ من أن أحدث عن أبان، قال: وقال يحيى: ليس حديثه بشيء، ويحيى هو ابن معين، وقال الدارقطني: أبان بن أبي عياش متروك، قال: ومجاعة ضعيف، والمحفوظ: أنه عكرمة غير مرفوع.

وقد تعقب ابن عبد الهادي، أو علّق على ما قاله ابن الجوزي فقال: أبو فزارة في الحديث الأول هو راشد بن كيسان بلا خلاف، يعني: خالف ابن الجوزي في قوله: إن راشد بن كيسان ليس هو الذي احتجّ به مسلم، قال: أبو فزارة في الحديث الأول هو راشد بن كيسان بلا خلاف، وقد احتجّ به مسلم في (صحيحه)، وروى له البخاري في (الأدب) وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه.

قال ابن عبد الهادي بعد أن قطع بأن راشد بن كيسان في الحديث هو الذي احتج به مسلم قال: وقد روى عن أنس بن مالك، ويزيد بن الأصم، وجماعة، وروى عنه جرير بن حازم، والثوري، وشريك، وغيرهم، ووثقه يحيى بن معين، وقال أبو حاتم صالح: وقال الدارقطني: ثقة كيّس، ولم أَرَ له في كتب أهل النقل ذكرًا بسوء في دينه أو خرمة. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم في ترجمته: سمعت أبا زرعة يقول: حديث أبي فزارة ليس بصحيح، وقال ابن عدي بعد أن روى هذا الحديث: وأبو فزارة مشهور الحديث، اسمه راشد بن كيسان، أضاف ابن عبد الهادي قال: ما ذكره المؤلف عن الإمام أحمد: أن أبا فزارة مجهول ليس بثابت عنه، والظاهر: أن الراوي غلط، وإنما قول أحمد إنما هو في أبي زيد، وأما أبو زيد فقال فيه أبو بكر عبد الله بن أبي داود: كان نباذًا بالكوفة، وهذا يُحتمل أن يكون تحسينًا لأمر أبي زيد؛ فيكون قد ضبط الحديث لكونه نباذًا، ويحتمل أن يكون تضعيفًا له.

وقال ابن عدي: سمعت ابن حماد يقول: قال البخاري: أبو زيد الذي روى حديث ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثمرةٌ طيبة، وماءٌ طهور)) رجل مجهول لا يُعرف بصحبة عبد الله -أي: ابن مسعود- وقال ابن عدي: وأبو زيد مولى عمرو مجهول، ولا يصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال الطحاوي: هذا الحديث لا أصل له، وحكى بعضهم الإجماع على ضعفه.

وأما حنش الصنعاني في الإسناد الثاني: لم يضعفه ابن حبان، وإنما ضعف حنش بن المعتمر ويقال: ابن ربيعة الكناني الكوفي، والمحفوظ أنه رأى عكرمة غير مرفوع، وقد احتجّ مسلم بحنش الصنعاني، وروى له أصحاب السنن، ووثّقه أبو زرعة، وأحمد بن عبد الله العجلي، وأما ابن لهيعة فقد قال أحمد: من مثله بمصر في كثرة حديثه وضبطه؟ وقال مسلم: تركه وكيع، ويحيى القطان، وابن مهدي، وقال أبو زرعة: كان لا يضبط وليس بحجة، وقال ابن معين: ليس بذاك القوي، وقال النسائي: ليس بثقة. قال ابن عبد الهادي: وقد تكلّم المؤلف على الباقي بما فيه الكفاية، يعني: أنه وافق ابن الجوزي في الباقي من الكلام على طرق الحديث، ولم يَرَ تعقيبًا عليه.

قال -أي: ابن الجوزي-: وقد احتج الخصم بآثار منها: أن عليًّا رضي الله عنه أجاز الوضوء بالنبيذ، وهذا من رواية الحارث الأعور، وقال علي بن المديني: الحارث كذاب، ومن رواية مزيدة بن جابر، قال أبو زرعة: ليس بشيء، أي: أنه ضعف هذه الرواية عن علي، ومنها قول ابن عباس في ذلك: وهو من رواية عبد الله بن محرّر، قال الدارقطني: هو متروك الحديث، ومنها قول أبي العالية: ولا يثبت عنه، قال أبو خلدة: سألت أبا العالية عن رجل ليس عنده ماء، وعنده نبيذ أيغتسل به من جنابته؟ قال: لا، فذكرت له ليلة الجن، قال: أنبذتكم هذه الخبيثة؟ إنما كان ذلك زبيبًا وماءً، يعني: أن الزبيب لا يُؤثر في الماء، ولا يحوله إلى شيء آخر؛ ولذلك أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ منه. قال هبة الله الطبري: أحاديث الوضوء بالنبيذ وُضعت على أصحاب ابن مسعود عند ظهور العصبية.

وبصرف النظر عن هذه المقالة الأخيرة فالحديث بطرقه عن ابن مسعود وعن ابن عباس ضعيف، ولكن لا نستطيع أن نقول: إنه موضوع؛ فالفقهاء عندما أجاز بعضهم الوضوء بالنبيذ إنما كان ينظر إلى أنه كان الماء فيه إلى درجة لم يتحوّل إلى شيء آخر، وقد أشار أبو العالية إلى ذلك عندما قال: إنما كان زبيبًا وماءً، ونحن نعلم أن الزبيب لا تكون منه أجزاء بالماء الذي ينبذ به إلا بعد فترة طويلة، وبعد تقليب فيه، أما إذا تُرك شيئًا قليلًا فإن الماء يكون على حاله، وإن كان يتغير طعمه إلى الحلاوة، لكن الطرق الكثيرة هذه قد تؤدّي إلى أن يكون للحديث أصل، وهذا الأصل يمنع من أن يكون الحديث موضوعًا -كما قال هبة الله الطبري- لا سيما وقد رواه الإمام أحمد في أكثر من موضع، وبأكثر من طريق، هذا من ناحية، كما رواه أصحاب السنن: أبو داود، وابن ماجه، والترمذي -رحمهم الله تعالى جميعًا- فيكفي أن نحكم على الحديث بالضعف؛ لجهالة أبي فزارة، ولأن الطرق الأخرى ليس فيها طريق صحيح، وبعضها معلول علة تقدح فيه.

error: النص محمي !!