حد الزاني المحصن، وغير المحصن
ما هو المحصن حتى يستوجب عقوبة غير عقوبة غير المحصن؟
المحصن: مأخوذ من الحصن، وهو الموضع المنيع، وأحصن الشيء: منعه وصانه، ومنه قول الله تعالى: { وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [الأنبياء: 91]، وتحصَّن، أي: اتخذ له حصنًا، وعلى هذا فالمحصن: هو المتزوج الذي تحصن بالزواج، فاستعصم من الغواية والفتنة؛ ليظل في منجاة من السقوط في الرذيلة.
أما عن عقوبة الحر المحصن إذا زنا، أو الحرة المحصنة إذا زنت، فالحد في حقهما الرجم بالحجارة حتى الموت، ولقد ثبت الرجم بالدليل القاطع، الذي لا يحتمل شيئًا من شك أو تردد، ومما لا شك فيه أن الرجم، قد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم بالقول، والفعل في أخبار صحيحة متضافرة، وهو ما أجمع عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمن السنة: ما ورد عن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلًا، الثيب بالثيب جلد مائة ورمي بالحجارة، والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة)).
وقد ورد أيضًا عن عمران بن حصين: ((أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنها زنت وهي حبلى، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وليًّا لها، فقال له رسول اللهصلى الله عليه وسلم: أحسن إليها فإن وضعت، فجئ بها، فلما أن وضعت جاء بها، فأمر بها النبيصلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت، ثم أمرهم فصلوا عليها، فقال عمر: يا رسول الله تصلي عليها وقد زنت؟ قال: والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدتَ أفضلَ من أن جادت بنفسها)).
هذا هو الحد بالنسبة للمحصن، ولكن هل هذا الحد أيضًا يقع لو أن شخصًا زنى بإحدى محارمه، كما لو وقع الرجل على أخته من النسب، ومن الرضاعة، أو زنى بابنة أخيه، أو ابنة أخته، لا جرم أن ذلك ضرب من الزنا، لا ينحدر إليه إلا فاسد الفطرة، ضرب مستقبح لا يحتمل غير القتل من غير تفريق بين محصن وغير محصن.
وفي هذا المعنى يقول صلى الله عليه وسلم: ((من وقع على ذات محرم فاقتلوه))، ونسأل سؤالًا: هل يجتمع الرجم مع الجلد؟ إذا كنّا قد أوردنا أن عقوبة المحصن الرجم بالحجارة حتى الموت، فهل يجتمع الرجم مع الجلد؟ جمهور أهل العلم على أن الجلد لا ينبغي اجتماعه مع الرجم، وقد استند هؤلاء جميعًا إلى ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزًا، ولم يجلده، كذلك رجم الغامدية فقط، ومع ذلك فقد ذهب من العلماء من يرى اجتماع الجلد مع الرجم، كالحسن البصري، وداود الظاهري، وبعض في المذهب الحنبلي.
واستدل أصحاب هذا القول، بقول الله تعالى: { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] فقالوا: إن هذا النص بمدلوله يفيد العموم، لكن السنة جاءت بالرجم في حق الثيب، والجلد والتغريب في حق البكر، فوجب الجمع بينهما، وهو ما أشار إليه علي رضي الله عنه بقوله: “جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم”، وهو ما نعتبره مرجوحًا، وإن ما ذهب إليه الجمهور أصوب وأرجح.
هل هناك صفة للرجم ينبغي أن تعتبر؟
الفقهاء يقولون: إذا كان الزنا بعد إحصان، جيء بالزاني قائمًا دون تصفيد، ولا ربط، ودون أن تحفر له حفرة؛ ليوضع فيها، ثم تقوم طائفة من المسلمين برميه بالحجارة، حتى يموت، ويستوي في ذلك ما لو ثبت الزنا بالإقرار أو البينة.
ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجم ماعزًا لم يحفر له؛ بل رُجم وهو قائم، هذا رأي الجمهور من الفقهاء، وإذا قلنا: أن هذا هو حد الزاني المحصن، فحري بنا أن نذكر الشروط، التي يتحقق بها الإحصان، وهذه الشروط يطلق عليها شروط الإحصان، وتتحقق بالعقل، والبلوغ، والحرية، والدخول في نكاح صحيح، وإذا انتفى واحد من هذه الشروط، فإن الآدمي في تلك الحالة يعتبر غير محصن بلا خلاف.
أما عن الشرط الأول: وهو العقل: فنعلم أن العقل هو مناط المسئولية للإنسان، ومن ثم إذا لم يكن الإنسان ذا عقل، لم يترتب على جنايته عقاب، لا في الدنيا ولا الآخرة، وفي هذا المعنى يقول صلى الله عليه وسلم: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم)).
الشرط الثاني: البلوغ، فإن الصبي -بناءً على هذا الشرط- إذا وطأ لا حد عليه؛ لأنه ليس من أهل الحدود، ودليل ذلك: الحديث المتقدم: ((رفع القلم عن ثلاثة)) منهم ((الصبي حتى يحتلم)) فهو بذلك غير محصن، ولكن هل يعفى من العقوبة؟ قالوا: لا مانع من أن يعاقب عقوبة تعزيرية دون الحد.
الشرط الثالث: الحرية، وهي شرط عند أكثر العلماء، ومن ثم فإنه لا حد على الزاني غير الحر، ودليل ذلك: قوله تعالى: { فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25].
ومعلوم أن الرجم لا يتنصف، فعلم من ذلك بالضرورة أن حد غير الحر الجلد، وليس الرجم؛ لعدم الإحصان، وننبه أيضًا؛ لأنه يشترط في الحرية المحققة لصفة الإحصان، أن تكون من الطرفين، وذلك أن يكون الزاني والزانية حرين، فلو كان أحدهما حرًّا، والآخر عبدًا، أو أمة، فلا يتحقق الإحصان بالوطء.
الشرط الرابع: الدخول في نكاح صحيح، وهذا الشرط يتضمن أمرين: أحدهما: حصول الدخول، والمقصود به الوطء، وهو حصول ما يوجب الغسل للجنابة، ولو لم يكن إنزال.
الأمر الثاني: أن يكون النكاح صحيحًا، ومعلوم أن النكاح يعتبر إحصانًا، بدليل قول الله تعالى: { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24]، المحصنات من النساء، يعني بهن: ذوات الأزواج، والإحصان معناه: الزواج في نكاح صحيح، أما إن حصل الوطء في نكاح باطل أو فاسد، فلا يكون ثمةَ تحصيل.
أما عن حد الجلد:
فهو حد الزاني غير المحصن، وهو أن يجلد الزاني الحر البكر مائة جلدة، ثم يغرب سنة خارج بلده، على الخلاف بين الفقهاء في ذلك.
وقد ثبت حد الجلد على الزاني غير المحصن، بصريح الكتاب، والسنة، والإجماع، أما الكتاب، فقول الله تعالى: { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2]، أما السنة، فما ورد عن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خذوا عني خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلًا، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)).
وفيما يتعلق بالتغريب، هل يجب التغريب مع الجلد؛ ليكتمل الحد على غير المحصن؟ الفقهاء في ذلك على رأيين:
الرأي الأول: قال به الشافعية، والمالكية، والحنابلة، والظاهرية، حيث ذهبوا جميعًا إلى القول: بوجوب التغريب على الزاني غير المحصن مدة سنة من غير ترتيب بينه وبين الجلد، مع أن الأولى تأخير النفي عن الجلد؛ ليكون عقب ذلك.
والأدلة على وجوب النفي كثيرة، منها: حديث عبادة المشهور: ((خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلًا، الثيب بالثيب جلد مائة ورمي بالحجارة، والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة)).
الرأي الثاني: ويتمثل في رأي الحنفية، حيث ذهبوا إلى القول: بأنه لا تغريب في حد الجلد البتة، ومن ثم فلا ينبغي أن يغرب الزاني غير المحصن ذكرًا كان أو أنثى؛ بل إن كفايته في الحد تتحقق في الجلد فقط، وقد استدلوا لذلك بظاهر قول الله تعالى: { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ}.