حصار الوطيح والسُلالم وتسليم اليهود بعد الامتناع، وشهداء المسلمين وقتلى اليهود، وتقسيم الغنائم
أ. حصار “الوطيح” و”السلالم”، وتحقُّق وعْد الله عز وجل للمسلمين:
سقطت حصون خيبر الواحد تلو الآخر، وحاز النبي صلى الله عليه وسلم هذه المناطق المنيعة بحصونها منطقة بعد أخرى، وما بقي بعد ذلك إلا حصني “الوطيح” و”السُلالم”، فلما انتهى المسلمون إلى هذين الحصنين امتنع اليهود فيهما، حتى هَمَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن ينصب عليهم المنجنيق لما رأى من امتناعهم وإبائهم الخروجَ للمبارزة، وطال حصار اليهود حتى بلغت مدته أربعة عشر يومًا، ثم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح، فأرسل كنانةُ بن أبي الحقيق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا ليعرض عليه صلى الله عليه وسلم الصلح؛ فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقن دمائهم، وترك الذرية لهم، على أن يخرجوا من خيبر وأرضها بذراريهم ونسائهم، ثم يخلون بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ما كان لهم من مال وأرض وكراع وحلقة -أي خيل وسلاح- وعلى كل شيء من أموالهم.
وانتهى بذلك أمر الحصار والقتال في خيبر على النحو الذي وعد الله عز وجل به رسوله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، وكان شهداء المسلمين في هذه الغزوة عشرين رجلًا فيما ذكر ابن إسحاق، وخمس عشرة فيما ذكر الواقدي، أما اليهود فقد قتل منهم ثلاثة وتسعون رجلًا.
وقد طلب أهل خيبر من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعهم في أرضهم بعد أن يأخذ المسلمون ما غنموه، وأن يترك الأرض والزرع والسكنى لهم، فيعملون فيها على نصف ما يخرج منها، وللمسلمين النصف الآخر؛ فوافق صلى الله عليه وسلم.
ج. اليهود يقدِّمون شاة مسمومة للنبي صلى الله عليه وسلم:
جاءت امرأة من يهود خيبر هي زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم، جاءت بشاة مشوية مسمومة، ولما تناول النبي صلى الله عليه وسلم منها مضغةً لم يسغها، وكان معه بشر بن البراء بن معرور، وكان قد أكل مع النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه أساغها، أما النبي صلى الله عليه وسلم فلفظها، ثم قال: إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم، وجيء بالمرأة فاعترفت فقيل لها: وما حملك على هذا؟، قالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت: إن كان ملكًا استرحنا منه، وإن كان نبيًا فسيخبر، فتجاوز النبي صلى الله عليه وسلم عنها، ومات بشر من أكلته تلك، وقيل إنها قتلت بقتلها بشرًا.
د. تقسيم الغنائم:
جاء النبيَّ صلى الله عليه وسلم جماعةٌ من دوس فيهم أبو هريرة رضي الله عنه فقسم لهم وأعطاهم من هذه الغنائم التي كانت وقفًا على أهل الحديبية وحدهم. وكذلك أعطى النبي صلى الله عليه وسلم لمن لم يحضر هذه الغزوة، وهو جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
أما من عدا المقاتلة من رجال المسلمين فإن النبي صلى الله عليه وسلم أرضاهم بما أعطى، وكان ذلك متمثلًا في العبيد والصبيان والنسوة اللائي حضرن هذه الغزوة ليشاركن فيها، فجعل صلى الله عليه وسلم للنساء اللائي خرجن معه عطاءً لا يبلغ مبلغ السهام -سهام الرجال، وكان صلى الله عليه وسلم يعطي الراجل سهمًا والفارس ثلاثة أسهم؛ سهمًا له وسهمين للفرس، كما أنه صلى الله عليه وسلم أعطى أبا هريرة من غنائم خيبر.