حكم إجهاض الجنين الناشئ عن الاغتصاب
وهنا يرد السؤال: هل يجوز للأنثى المُغتصبة أو لأهلها أن يجهضوا هذا الجنين؟ وقد ورد سؤال بنفس المعنى ولكن على الطبيب الذي يمارس ذلك الإجهاض، يقول صاحب السؤال: إنه سمع أن بعض الأطباء في بعض البلدان لا يجد حرجًا في إجهاض الأجنة غير الشرعية؛ بحجة أن الفعل محرم أصلًا في جميع الديانات، وأن من الأفضل لهذه الأجنة ألا تعيش لما في وجودها من ضرر لها، وللأمة التي توجد فيها وللأسرة أيضًا، ونحو ذلك من الحجج والعلل التي أشار السؤال إليها.
والجواب: أن الأصل في التشريع الإسلامي سلامة النفس البشرية، ووجوب المحافظة عليها، وتحريم الاعتداء عليها بأي فعل ليس له سبب شرعي لقوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] وتوعد الله عز وجل المعتدين على الأنفس بالقتل توعدهم بالقصاص في الدنيا، والعذاب في الآخرة، ويستوي في ذلك، أي: في هذه الحرمة الكبير والصغير، والذكر والأنثى، والصحيح والعليل.
كما يستوي في هذه الحرمة الجنين من وطءٍ صحيحٍ، والجنينُ من وطء مُحرم، أي: الاغتصاب، ما دام قد بلغ نفخ الروح مائة وعشرين يومًا، إذًا الأصل المحافظة على هذه الروح، وعدم إجهاضها مهما كانت المآخذ والخزي والعار، وتشدد البعض فقال: إنه يحرم الإجهاض منذ التخصيب؛ أي: في الأيام الأولى، وليس بعد المائة والعشرين فقط، وقد أجمع الفقهاء على تحريم قتل الجنين بعد مائة وعشرين يومًا، وعدوا ذلك جناية وجريمة.
والأدلة على ذلك عموم الآيات، والأحاديث التي تحض على حفظ الأنفس: ((فقد جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته أنها حامل من زنا، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنتظر حتى تضع))؛ فلم يُقم عليها الحد وهي حامل، مع أنها قد زنت باختيارها، ومن ثم عليها كذلك أن تقوم بعد الولادة بإرضاع وليدها، ثم استيداعه، أي: وضعه عند من يحفظه كالوديعة، وليس تركه في الشارع أو هملًا، هذه رواية.
فكون النبي صلى الله عليه وسلم يأمر المرأة أن تعود حتى تضع، وأن تبقى لإرضاعه، ثم تأتي لإقامة الحد هذا دليل على أن الإجهاض ليس جائزًا.
وروي أن عمر رضي الله عنه همَّ بإقامة الحد على امرأة حامل من الزنا، فقال له علي رضي الله عنه: إن كان لك عليها سبيل -فأنت ولي الأمر، ولك عليها سبيل إقامة الحد- فلا سبيل لك إلى ما في بطنها، فخلى عنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى تضع وليدها.
وقيل: إن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال ذلك أيضًا، فقال له عمر: “عجز النساء أن يلدن مثلك” وإنما ذلك من شدة إعجاب عمر بن الخطاب من هذا الرأي، وروي أنه قال أيضًا لعلي بن أبي طالب: “لا أبقاني الله بأرض لست بها يا أبا الحسن”؛ لأن فيه رؤية فقهية واضحة.
قال الموفق: لا يُقام الحد على حامل حتى تضع سواء كان حملها من زنا أو غيره، لا نعلم فيها خلافًا، بل إن الحامل من إكراه على الزنا أولى بذلك الانتظار ممن زنت باختيارها، وينبني على هذا التحريم أن الأطباء الذين يقومون بالإجهاض آثمون، ويترتب على فعلهم من العقاب ما يترتب على غيرهم من المعتدين على هذه الأنفس المعصومة بالإيمان.
أما العلل التي يتعلل بها الفاعِلُ لإباحة الإجهاض لهذه الأجنة، فهي من باب الاستباحة لحرمات الله عز وجل ومن العلل الفاسدة التي تحل ما حرم الله؛ فمن فعل ذلك من الأطباء، أو من غيرهم؛ فعليه الغرّة. والغرّة: عُشْر دية الإنسان الكامل.