حكم استئجار الأرحام
استئجار الأرحام عبارة عن قيام أبوين -زوج وزوجة- عقيمين أو امرأة بلا رحم، قيام هؤلاء باستئجار امرأة لتحمل الجنين المخصب خارجيًّا من منيٍّ وبويضة الزوجين، أو غيرهما، إذًا فمن الممكن أن يقوم بهذه العملية أشخاص متزوجون، أو أشخاص غير متزوجين؛ فإذا وضعت المرأة المستأجرة أعطت المولود لهما مقابل أجرة معينة، والأمر بهذا الشكل بهذه الصور غير جائز، ومحرم شرعًا.
وقد أجمعت على ذلك المجامع الفقهية، كما أجمع مجمع البحوث التابع للأزهر الشريف على ذلك، وبيان ذلك أن المولود بهذا الشكل مختلط الأنساب، فهو من بويضةِ امرأة أخرى، ومني رجل غير زوج؛ لهذه المرأة المستأجرة الحامل، وهذه الحامل هي أم لهذا المولود الذي تغذى من دمها، وتكون في رحمها، ومن دمائها، فكيف ينسب للأولى، وهي لم تحمل به، ولم تضعه، وكيف ينسب للثانية، وهو ليس من بويضاتها، ولا من مني زوجها، وكيف لا ينسب لها، وهي التي حملته كرهًا، ووضعته كرهًا، وقد قال الله تعالى: {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ} [المجادلة: 2].
لقد تكون هذا الجنين من مني رجل كائنًا من كان، وبويضة امرأة كائنةً من كانت، وحمل امرأة ثالثة؛ فأصبح خليطًا مجهولًا، وربما سقي من ماء زوج تلك المرأة المستأجرة التي حملته، وأصبح جزءًا منها، وقد قرر المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الثانية ذلك، ومما جاء في قراراته ما يلي:
إن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد نظر في الدراسة التي قدمها عضو المجلس مصطفى أحمد الزرقا حول التلقيح الاصطناعي وأطفال الأنابيب، وقد تبين لمجلس المجمع من تلك الدراسة المقدمة إليه في الموضوع، ومما أظهرته المذاكرة، والمناقشة: أن الأساليب والوسائل التي يجري بها التلقيح الاصطناعي بطريقيه الداخلي والخارجي لأجل الاستيلاد هي سبعة أساليب، ثلاثة حلال، وأربعة حرام، فالثلاثة الحلال هي التي يتم فيها تخصيب مني الزوج مع بويضة زوجته في الأنابيب، ثم يحقن التخصيب في رحم الزوجة أو ضرتها فقط، أما الأساليب الأربعة المحرمة فهي:
- تخصيب نطفة الرجل مع بويضة زوجة رجل آخر.
- تخصيب نطفة زوج مع بويضة امرأة ليست زوجته، ثم زرع اللقيحة في رحم زوجته.
- تخصيب نطفة رجل وبويضة من امرأة ليست زوجة له يسمونهما متبرعين ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة أخرى متزوجة.
- أن يتم التخصيب بين بذرتي الزوجين، ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة تتطوع بحملها أو تستأجر لذلك.
هذه الأساليب الأربعة حرام، وأقربها إلى ما نحن بصدده في استئجار الأرحام هو الصورة التي تتبرع فيها امرأة بالحمل للقيحة المخصبة من بذرتي زوجين، فإذا كان التبرع حرامًا، والمفروض أنه تعاون وحسنة، فكيف بأخذ الأجرة، واستئجار ذلك الرحم؛ إنه يكون أشد تحريمًا -لما سبق أن بيناه- من اختلاط عدة أمشاج في هذا الجنين فهو من نطفة رجل وبويضة امرأة وحمل امرأة وما يتبع ذلك من دمائها، وماء زوجها؛ فلمن يكون هذا المولود المختلط؟ وكيف تكون علاقاته بهؤلاء الناس الذين أسهموا في تكوينه؟ لقد وقع مثل ذلك في أمريكا وعند الميلاد، تم النزاع والخصومة في الحصول على هذا الولد، فالتي حملته ووضعته لا تستطيع التفريط فيه، أو التنازل عنه؛ لأنه فلذة كبدها وقطعة منها، حملته كرهًا ووضعته كرهًا، وطالبت به صاحبة البويضة لأنه من بذرتها، وطلب به الرجل صاحب المني، والرجل زوج الوالدة وهكذا.
والأصل في مشروعية الإجارة الانتفاع بالأعيان غير المملوكة؛ لرفع الحرج والمشقة عمن لا يملكون الأعيان بالحصول على منفعتها بالأجرة وليست الأبضاع، ولا الأرحام مما يملك، أو تباع منفعتها؛ لأن الإجارة في معناها بيع منفعة، والأبضاع والأرحام لا تباع فلا تستأجر، ولا تملك المنفعة، ولا تحاز فلا تجوز.
ثم إن شروط الإجارة لا تتحقق في استئجار الأرحام؛ ذلك أن من شروط انعقاد الإجارة على المنفعة أن تقع الإجارة عليها لا على استهلاك العين، وأن تكون المنفعة متقومة، لها قيمة مالية مقصودة الاستيفاء بالعقد، والأرحام ليست متقومة، وأن تكون المنفعة مباحة الاستيفاء، والقدرة على استيفائها حقيقةً وشرعًا، وهذه غير مقدور على استيفائها، فلا الحمل مضمون، ولا الولادة مضمونة، ولا هي شرعية بهذا الشكل.
كما يشترط في المنفعة المعقود عليها أن تكون معلومة علمًا ينفي الجهالة المفضية للنزاع، وهي هنا مجهولة، ومفضية إلى نزاع، بل قد وقع فعلًا إلى غير ذلك من تفاصيل وجميعها يبين، ويؤكد عدم مشروعية استئجار الأرحام؛ لأن ما لا يجوز بيعه لا تجوز إجارته، والأرحام لا يجوز بيعها، فلا تجوز إجارتها.