حكم الإجهاض بسبب مرض الجنين
الحكم الشرعي لإجهاض الجنين بسبب مرضه، اتفق الفقهاء على تحريم إسقاط الجنين إذا بلغ مائة وعشرين يومًا مهما كان مرضه، بعد المائة والعشرين يومًا؛ حيث يتم نفخ الروح لا يجوز إسقاط الجنين مطلقًا، أما دون المائة والعشرين يومًا، فقد أجازت الأكثريةُ إجهاضه للمرض، وتشدد آخرون، ومنعوا ذلك حتى مع المرض، ومنع ذلك آخرون.
وقد عقد مجلس مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي جلسة لمناقشة هذا الموضوع جاء فيها:
“الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أما بعد؛ فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الثانية عشرة، المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من يومِ السبت 15 من رجب 1410 الموافق 10 من فبراير 1990 إلى يوم السبت 22 من رجب 1410 الموافق 17 فبراير 1990 قد نظر في هذا الموضوع -أي: موضوع إسقاط، أو إجهاض الجنين بسبب مرضه وتشوهه- وبعد مناقشته من قبل لجنة، وهيئة المجلس الموقرة، ومن قبل أصحاب السعادة الأطباء المختصين الذين حضروا لهذا الغرض قرروا بالأكثرية؛ لأن فيه معارضين لكنهم قلة، قرروا بالأكثرية ما يلي:
أولا: بلوغ الحمل مائة وعشرين يومًا، إذا كان الحمل بلغ مائة وعشرين يومًا لا يجوز إسقاطه، ولو كان التشخيص الطبي يفيد أن هذا الجنين مشوه الخلقة، إلا إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من الأطباء الثقات المختصين أن بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة الأم، عند ذلك يجوز إسقاطه، سواء كان مشوهًا أم لا؛ دفعًا لأعظم الضررين، بل هناك من يقول: إن الجنين إذا كان خطرًا على الأم؛ فإنه يُجهض سواء كان مشوهًا أو غير مشوه؛ لأن الأم كانت سببًا في وجوده، فلا يكون سببًا في هلاكها.
ثانيًا: عدم بلوغ الحمل مائة وعشرين يومًا، قبل مرور مائة وعشرين يومًا على الحمل هناك تفصيل، إذا ثبت، وتأكد بتقرير لجنة طبية من الأطباء المختصين الثقات، وبناء على الفحوص الفنية بالأجهزة، والوسائل المختبرية أن الجنين مشوهٌ تشويهًا خطيرًا، غير قابل للعلاج، وأنه إذا بقي وولد في موعده سيكون، أو ستكون حياتُهُ سيئةً وستكون حياته آلامًا عليه وعلى أهله؛ فعندئذ يجوز إسقاطه بناءً على طلب الوالدين، والمجلس إذ يقرر ذلك يوصي الأطباء والوالدين بتقوى الله، والتثبت في هذا الأمر، فلا يتساهل الأطباء في التقارير، ولا يتساهل الوالدان في أقل التشوه بالخلاص منه، وإنما يكون هناك تثبت قوي ويقين عام من الأطباء المختصين أنه مشوه تشويهًا كاملًا، وأن حياته ستكون كعدمها، ويتحقق الوالدان من ذلك؛ لأن في هذا الأمر قتل نفس. وقد قال الله تعالى{ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ } [الأنعام: 151]، فلعل التشوه الأكيد، أو خطورته على حياة الأم يكون من الحق الذي استثناه الله تعالى.
وجاء في (الموسوعة الفقهية) ما يلي: الذي يؤخذ من إطلاق الفقهاءِ تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح أنه يشمل ما لو كان في بقائه خطر على حياة الأم، وما لو لم يكن كذلك؛ لأنهم حرموا الإجهاض مطلقًا، هذا الإطلاق سواء كان في بقائه خطر على حياة الأم، أو لم يكن كذلك، وصرح ابن عابدين بذلك، فقال: لو كان الجنين حيًّا، ويُخشى على حياة الأم من بقائه؛ فإنه لا يجوز تقطيعه لأن موت الأم به موهوم؛ فلا يجوز قتل آدمي لأمرٍ موهوم، لكن لو كان أمرا يقينيًّا، والخطر ثابتًا على حياة الأم يجوز هذا.
وفي حكم الإجهاض قبل نفخ الروح، أي: قبل مائة وعشرين يومًا اتجاهات مختلفة وأقوال متعددة، حتى في المذهب الواحد، فمنهم من قال بالإباحة مطلقًا، هذا قبل المائة والعشرين يومًا، ومنهم من قال بالإباحة لعذر التشوه وما يُلحق به.
وقال ابن وهبان: إن إباحة الإسقاط محمولةٌ على حالة الضرورة، أي: قبل المائة والعشرين، ومنهم من قال: بالكراهة مطلقًا، قال الرملي: لا يُقال في الإجهاض قبل نفخ الروح إنه خلاف الأَوْلَى- بل أقوى من ذلك لأن خلاف الأولى هذه كلمة بسيطة؛ حكم بسيط- بل هو محتمل للتنزيه؛ أي: كراهة التنزيه أو التحريم، ويقوى التحريم فيما قَرُبَ من زمن النفخ، أي: مائة يوم، مائة وعشرة؛ لأن الإجهاض في هذه الحالة جريمة، ومنهم من قال بالتحريم، وهو المُعتمد عند المالكية.
يقول الدردير: لا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم، ولو قبل الأربعين يومًا؛ إذًا فهناك من يتشدد في منع الإجهاض بأي شكل من الأشكال، مجرد التخصيب وهذا هو المعتمد، وهو الصحيح، أما عند الضرورة فهناك تفصيل، الإجهاض قبل المائة والعشرين يجوز عند الأكثرية، والإجهاض بعد المائة والعشرين لا يجوز بحال من الأحوال إلا إذَا كان خطرًا على حياة الأم.
وعلَّق الدسوقي على قول الدردير بقوله: هذا هو المعتمد، وقيل: يُكره؛ فالمعتمد هو التحريم، والكراهة قيلت بصيغة التمريض.
كما سُئل الشيخ عبد الله بن بية عن إجهاض جنين قبل بلوغه مائة وعشرين يومًا لمصلحة الأم، فقال فضيلته: لا يحل الإجهاض قبل مائة وعشرين يومًا، ولا بعدها، وهو يتفاوت في الإثم بحسب مراحل الحمل؛ بحيث إذا كان في البداية يكون الإثم أخف، وإذا زاد عن المائة يوم، وأصبح قريبًا من المائة والعشرين يكون الإثم أكبر، وبعد المائة وعشرين يوما يكون الإثم أكبر من السابق؛ فإذا بلغ الحمل مائة وعشرين يومًا أصبح محرمًا قطعًا، وعُد نوعًا من القتل يستوجبُ ديةً، ولا يُستثنى في هذه الحالة -أي: بعد المائة والعشرين يوما- إلا الخوف على حياة الأم.
ولا يجوز الإقدام عليه حينئذ أي الإقدام على الإجهاض حرصًا على حياة الأم إلا بتقرير طبيب مختص -وأنا لا أكتفي بطبيب، المجمع لم يكتفِ بطبيب، وإنما طالب بتقرير لجنة طبية حتى نطمئن إلى اليقين- يقضي بأن استمرار الحمل فيه تعريض للأم للموت، طبعًا تقرير طبيب واحد لا يكفي، وإنما لا بد من لجنة طبية، أما قبل المائة والعشرين يومًا فهو معصية؛ لأنه إثم، هذه المعصية يجب التوبة والاستغفار منها، ولا كفارة عليه، لكن من تصدق بشيء فهو خير له؛ لأن الصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار.