حكم الشرك
لا ريبَ أن الشرك أعظمُ ذنبٍ عُصِيَ الله به وأكبر شيء نهَى الله عنه، قال الله تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا}، وهو أول المحرمات، كما يدل عليه قول الله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} [الأنعام:151].
فمن أشرك بالله تعالى بأن جعل لله ندًّا يدعوه كما يدعو الله، أو يخافه، أو يرجوه، أو يحبه كحب الله، أو يصرف له نوعًا من أنواع العبادة، فحكمه حكم الكافر الذي يُستباح دمه وماله وعرضه. وهذا الشرك ناقض للعبادة، ومفسد لها، ومحبط لأي عمل، وظلم عظيم، وهو أقبح مسبة لله تعالى؛ ولهذا رتب الله عليه من عقوبات الدنيا والآخرة ما لم يرتبه على ذنب سواه من إباحة دماء أهله وأموالهم وسبي نسائهم وأولادهم، وعدم مغفرته من بين الذنوب إلا بالتوبة منه. قال الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء:48]، وقال تعالى عن الخليل عليه السلام أنه قال يدعو ربه: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَام} [إبراهيم:35].
فمن لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئًا دخل النار ولو كان في الدنيا من أعبد الناس. فالشرك خطير، وحكمه ظاهر فإنه ينافي التوحيد، ويوجب دخول النار والخلود في دار البوار، والحرمان من الجنة إذا كان أكبر، ولا تتحقق وتكمل السعادة إلا بالسلامة منه. فكان حقًّا على العبد أن يخاف منه أعظم خوف، وأن يسعى في الفرار منه كما يسعى في الفرار من الأسد وأشد، ويحذر من طرقه ووسائله، وأسبابه، ويسأل الله تعالى العفوَ والعافية منه، كما فعل ذلك الأنبياء والأصفياء، وخيار الخلق، وعقلاء البشر؛ لأن صَرْفَ شيء من العبادة لغير الله كصرف مجموعها؛ لأن الله سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك، ولا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا لوجه الكريم، قال تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّين * أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّار} [الزُّمَر:2، 3]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين} [الزُّمَر:65]، وقال تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [النساء:116]، وقال تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَار} [المائدة:72], إلى غير ذلك من الآيات التي توضح حكم الشرك، وأنه أقبح ذنب عصي الله به، وأنه أظلم الظلم: {يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم} [لقمان:13]، وأنه إذا خالط عملًا أو قولًا أو اعتقادًا، أحبط ذلك كلَّه وأصبح هباءً منثورًا.
كما أن الله تعالى لا يغفره لمن مات عليه ولم يتب منه، وصاحبه في الدنيا حلال الدم والمال، وهو معرض لسبي نسائه وأولاده. وأما حكمه في الآخرة؛ فالخلود في النار -والعياذ بالله تعالى- فوضح بذلك قبحه، واتضح حكمُه.