Top
Image Alt

حكم الكفالة تنجيزًا، وتعليقًا، وتوقيتًا

  /  حكم الكفالة تنجيزًا، وتعليقًا، وتوقيتًا

حكم الكفالة تنجيزًا، وتعليقًا، وتوقيتًا

الأحوال أو الأوضاع التي تكون عليها صيغة الكفالة, إما أن تكون مطلقة أو مقيدة، ومطلقة أي: منجزة، والمنجزة هي التي تكون صيغتها خالية من التعليق بشرط، أو الإضافة لأجَل، ويكون معنى تنجيزها: ترتب آثارها في الحال بمجرد وجود الصيغة مستوفية لشروطها، فمثلًا: إذا قال شخص لآخر: آنا كفيل بدينك على فلان، وقبل الدائن الكفالة على رأي من يوجب لتمام الصيغة قبول الدائن، فإن الكفيل يصير مطالبًا بأداء الدين في الحال إذا كان الدين حالًّا، أما إذا كان الدين مؤجلًا فيثبت، أو تثبت المطالبة به عند حلول الأجل. هذا بالنسبة للكفالة إذا كانت مطلقة أو منجزة، أي: صيغتها خالية من التعليق، أو الإضافة لأجل أو لوقت.

أما إذا كانت مقيدة فإنها قد تقيد بشرط الخيار فيها، أو تعلق على شرط، أو تضاف إلى زمن مستقبل، أي: التنجيز يقابله التقييد، والتقييد قد تقيد بشرط الخيار، أو تعلق على شرط, أو تضاف إلى زمن مستقبل.

أما بالنسبة لتقييدها بشرط الخيار, فقد يكون هذا التقييد بشرط الخيار من الكفيل أو من المكفول، فبالنسبة للكفيل قال الشافعية والحنابلة: إلا أنه لا يجوز له أن يشترط الخيار لنفسه، بمعنى أن الكفيل يقول: أكفل الدين الذي على فلان, بشرط أن يكون لي الخيار لمدة ثلاثة أيام، أي: أنا مخير لمدة ثلاثة أيام في الكفالة، هذا بالنسبة للكفيل.

فالشافعية والحنابلة قالوا: لا يجوز له ذلك؛ لأن شرط الخيار إنما جاز ليعرف الذي اشترطه ما فيه من المصلحة؛ كالبائع مثلًا يشترط الخيار ليرى المصلحة أين تكون؟ فيقبل البيع أو لا، لكن هذا الكفيل يعرف مقدمًا ما يترتب على الكفالة من غرم؛ ولذلك كان هذا الشرط -وهو اشتراط الخيار لمدة ثلاثة أيام- منافيًا لمقتضى الكفالة، فتبطل الكفالة إذا شرط فيها هذا الشرط.

أما الحنفية فيقولون: إن الشرط فقط هو الذي يبطل, أما الكفالة فتعتبر صحيحة، هذا بالنسبة لاشتراط الكفيل الخيار، لكن المكفول لو اشترط الخيار فهذا لا يؤثر في الكفالة؛ لأن الأصل أن المكفول ثابت له الخيار في المطالبة بحقه أو إبراء الدين، أي: المكفول الذي كفل هنا شرط الخيار لا يضر بالنسبة له، فإذا اشترط الخيار فهذا لا يتنافى مع ما هو مقرر له أصلًا، وإنما ذلك يكون بمثابة التأكيد له؛ لأن الأصل أنه ثابت له الخيار في المطالبة بحقه أو إبراء المدين، فإذا اشترط الخيار لا يقدم ولا يؤخر. هذا بالنسبة لاشتراط الخيار في الكفالة.

تعليق الكفالة على شرط، أو إضافتها إلى زمن مستقبل:

أولًا: بالنسبة لتعليق الكفالة على الشرط, أجاز الحنفية تعليق الكفالة على الشرط إذا كان هذا الشرط ملائمًا لمقتضى العقل، أي: هو شرط متعارف ولا يتعارض مع حقيقة الكفالة، ومثّلوا له بأن يكون هذا الشرط سببًا لظهور الحق، أو لوجوب الحق، أو وسيلة إلى أدائه في الجملة، ومثلوا لذلك بأمثلة توضح ذلك، فإذا كان الشرط سببًا لظهور الحق كأن يقول الكفيل: إذا استحق المبيع فأنا كفيل، أي: هو بيع حدث بين شخص وآخر، بين بائع ومشترٍ، فيأتي الكفيل فيقول: إن وقع استحقاق على هذا المبيع فأنا كفيل، هذا الشرط سبب لظهور الحق أو وجوب الحق؛ لأنه عندما يجيء شخص فيقول: هذا المبيع ملكي، وهذا البائع له ظالم أو اغتصبه مني، هذا هو معنى الاستحقاق، فلما يأتي الكفيل يقول: أنا لا أكفل إلا إذا استحق، فهذا سبب أو شرط فيه مصلحة، وهي ظهور الحق.

وكذلك إذا كان الشرط وسيلة إلى الأداء، أي: إمكان استيفائه وسهولته، بمعنى: أن الكفيل يسهل للدفع أو لاستيفاء الدين، ومثال ذلك: أن يقول الكفيل: إن قدم فلان وكان هو المكفول؛ فعلي ما عليه من الدين. فهذا شرط فيه نوع من التسهيل، كأنه يقول للدائن: إذا حضر فلان من سفره مثلًا أنا كافل بدينه، إذا لم يدفع لك أنا دافع، هنا فيه تسهيل، إما أن يأخذ الدائن حقه من الكفيل، أو من المدين الأصلي.

ومن نوع التسهيل أيضًا أن يقول الكفيل: إن غاب فلان عن البلد فأنا كفيل بدينه، هذا نوع من التسهيل، كأنه يسهل للشخص الذي يريد أن ينتقل من البلد أن ينتقل بكامل إرادته، ولا يؤثر دينه عليه؛ لأن هناك كفيلًا به.

وقال الشافعية: الأصح عندنا هو عدم جواز تعليق صيغة الكفالة على شرط أو على غيره، ورأي الحنفية هنا هو الراجح؛ لأنهم أجازوا تعليق الكفالة؛ لأن الكفيل متبرع، وهو أدرى بما يرغب في تحمله، وشرطه لا ينافي المقصود من الكفالة؛ فلذلك كان ترجيح رأي الحنفية في حكم تعليق الكفالة على الشرط، وهذا موافق للعرف ما دام العرف يؤيّده فلا مانع منه، وهذا هو الذي يمكن أن يعمل به؛ لأن الكفالة شرعت لتسهيل أو تحقيق مصلحة.

error: النص محمي !!