Top
Image Alt

حكم تعليق الوكالة

  /  حكم تعليق الوكالة

حكم تعليق الوكالة

هل يجوز عقد الوكالة معلقًا؟ فقد تكلمنا قبل قليل عن تنجيز الوكالة، وذكرنا ما فيه، فهل يجوز أن تعقد الوكالة معلقة على شرط أو مضافة إلى زمن مستقبل؟

والصيغة المعلقة مثاله أن يقول: إن حضر ابني من سفره، فقد وكلتك في بيع هذا الشيء. هذا هو التعليق.

أما الإضافة إلى الزمن المستقبل فمثل أن يقول: إذا جاء أول الشهر القادم، فقد وكلتك في بيع منزلي.

واختلف الفقهاء في حكم كلٍّ من الحالتين -حالة التعليق، وحالة الإضافة للزمن المستقبل- فالحنفية والحنابلة وبعض الشافعية يقولون: الوكالة المعلقة على شرط، والوكالة المطلقة من باب أولى صحيحة، لكن لا يصح تصرف الوكيل قبل تحقق الشرط، فمثلًا إن قال الموكل: إن حضر ابني من سفره، فقد وكلتك في بيع هذا الشيء؛ فلا يجوز بيع هذا الشيء ولا يصح التصرف فيه قبل تحقق الشرط، وهو حضور ابنه من السفر.

وقالوا أيضًا: تصح مضافة إلى الزمن المستقبل، كما يقول: إذا جاء أول الشهر، فقد وكلتك في بيع منزلي؛ فلا يصح أن يبيع المنزل إلا إذا جاء أول الشهر.

فالحنفية والحنابلة وبعض الشافعية يجيزون صحة الوكالة مطلقة, أو معلقة على شرط, أو مضافة إلى زمن مستقبل.

واستدلوا على الجواز بقولهم: إن التوكيل يبيح عقد التصرف مطلقًا؛ فالوكالة عقد من العقود، وأي عقد من عقود الإطلاقات يصح تعليقه؛ أي: لا بالشرط أو يضاف إلى المستقبل.

واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الموقعة: ((أميركم زيد)) زيد بن حارثة؛ أي: أمير القوم أو أمير الجيش زيد ((فإن قُتل فجعفر، فإن قُتل فعبد الله بن رواحة)) فكلمة النبي صلى الله عليه وسلم هذه تعتبر من الأمور المطلقة أو الإطلاقات, والوكالة أيضًا في معنى هذا الإطلاق، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أميركم زيد, فإن قُتل)) أي: استُشهد, يليه بعده فيرفع الراية فلان، ثم بعده فلان.

والوكالة تعتبر إذنًا في التصرف، والإذن في التصرف قالوا عنه: إنه يشبه الوصية؛ لصحة تعليقها على الشرط، وإضافتها إلى المستقبل أو إلى الوقت، هذا ما استدلوا به.

لكن الشافعية في الأصح عندهم قالوا: لا يصح تعليق الوكالة على الشرط أو إضافتها إلى الوقت أو إلى المستقبل، واستدلوا بأن الوكالة تؤثر الجهالة في إبطالها؛ فكأنها عقد إذا حصل فيه أي نوع من الجهالة يؤثر عليها أو على الوكالة بالإبطال، فلا يصح تعليقها على الشرط مثل كل العقود، كالبيع والإجارة.

وردُّوا على الذين قالوا: إنها مثل الوصية, بأن قالوا: إنها تختلف عن الوصية؛ لأن الوصية لا يؤثر فيها غرر الجهالة, أي: إن الوصية المجهولة قالوا بصحتها، وما دام لا يؤثر فيها غرر الجهالة، فلا يؤثر فيها غرر الشرط فتقبل التعليق، لكن الوكالة لا تقبل التعليق لأنها تتأثر بالجهالة.

أما لو نجز أو عجل عقد الوكالة وشرط للتصرف شرطًا جازت، بمعنى أنه لو قال: إذا شاءت زوجتي فلانة الطلاق، فقد وكلتك في طلاقها، فهذه وكالة باطلة لتعليقها على الشرط وهو مشيئة الزوجة؛ فهذا مثال يُضرب للذين قالوا بصحة التعليق, قالوا: إن الوكالة هذه باطلة؛ لأنه علقها على الشرط، وهي مشيئة الزوجة، لكن لو قال: وكلتك في طلاق زوجتي فلانة إذا شاءت، فالوكالة هنا صحيحة لما قلنا، وهو تعجيل التوكيل، فصح التوكيل وانعقد.

وهذا المثال راجع لبعض الشافعية؛ لأنهم قالوا: لا يصح تعليق الوكالة على الشرط, أو إضافتها إلى الوقت إلا إذا كانت بالصيغة التي نقولها الآن، فمثلًا إذا قال: إذا أرادت زوجتي فلانة الطلاق، فقد وكلتك يا فلان في طلاقها, فالوكالة تكون باطلة لتعليقها على الشرط، وهو مشيئة الزوجة، لكن لو قدّم الكلام فقال: وكلتك في طلاق زوجتي فلانة إذا أرادت؛ كانت الوكالة صحيحة؛ لأن الذي عجل هو التوكيل، فصح التوكيل وانعقد، ولكن إذا ربطه بمشيئة الزوجة؛ لأنه قال: وكلتك في طلاقها إذا شاءت، فربطه بالمشيئة إنما هو شرط للتصرف؛ أي: إيقاع الطلاق، وهذا لا يؤثر في صحة التوكيل بالطلاق.

حكم توقيت الوكالة بزمن:

اتفق الفقهاء على جواز توقيت الوكالة بزمن معين, فمع أنهم خالفوا في التعليق والإضافة إلى المستقبل, إلا أنهم اتفقوا في هذه الجزئية، وهي ناحية التوقيت بزمن، بمعنى أنه إذا قال شخص لآخر: أنت وكيلي لمدة شهر أو سنة، هذه بحسب الحاجة, فكون ربط الوكالة بزمن أو توقيتها بزمن هذا لا شيء فيه، وإنما اختلفوا في بقاء الوكالة بعد الوقت؛ أي: ربطها بوقت جائز، لكن بقاؤها بعد الوقت كان محل خلاف.

فالحنفية قالوا: لا تبقى الوكالة بعد الوقت، فلو قال شخص لآخر: وكلتك في بيع داري اليوم، أو اشترِ لي السلعة الفلانية اليوم، ففعل ذلك في اليوم التالي؛ ففيه روايتان عند الحنفية:

فبعضهم قال: الصحيح أن الوكالة لا تبقى بعد هذا التاريخ الذي حدده؛ لأن الموكل له مصلحة في البيع في هذا اليوم، أو الشراء فيه، وهذا رأي الشافعية أيضًا مع بعض الحنفية.

والبعض الآخر من الحنفية قال: الوكالة تبقى بعد اليوم الذي حدده، وربما كان ذكر التعجيل؛ أي: قال له: وكلتك في بيع داري اليوم أو شراء السلعة اليوم، ربما كان قصده من ذكر اليوم هو حثّه على التعجيل لا التوقيت, فكأنه قال له: أنا متعجّل وأريد البيع اليوم، ولا يقصد التوكيل إلا إذا دل دليل على هذا التوقيت؛ فكأنه لو قال له: ولا أقبل منك أن تبيعها غدًا, هذا توقيت، فنصوا أيضًا في بعض كتبهم أن الوكيل إلى عشرة أيام -وهم الفريق الثاني من الحنفية- حيث قالوا: الوكيل إلى عشرة أيام؛ أي: قال له: أنت وكيلي إلى مدة عشرة أيام. قالوا: هذا التحديد بعشرة أيام، ثم بانتهاء العشرة لا تنتهي وكالة هذا الوكيل في الأصح عندهم.

error: النص محمي !!