Top
Image Alt

حكم تنجيز الوكالة، وشروط صحتها

  /  حكم تنجيز الوكالة، وشروط صحتها

حكم تنجيز الوكالة، وشروط صحتها

أولًا: حكم تنجيز الوكالة:

معنى التنجيز أو صيغة الوكالة باعتبار الوقت الذي تترتب فيه أحكامها عليها, تنقسم هذه الصيغة إلى صيغة منجزة, وصيغة غير منجزة, والصيغة غير المنجزة بمعنى: أنها تكون صيغة معلقة أو مضافة إلى المستقبل أو مؤقتة بزمن؛ أي: ليست مطلقة؛ أي: منجزة؛ كأن تنفيذها في الحال.

عن الصيغة المنجزة نقول: إن التنجيز خلاف التعليق، والتعليق -كما قال العلماء- هو ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون أخرى؛ فهذا مرتبط بهذا، تعليق شيء على شيء؛ ربط حصول هذا الشيء بحصول الشيء الآخر.

المراد بالصيغة المنجزة للوكالة: لا تكون معلقة على شيء، ولا مضافة إلى وقت، فالصيغة أن يقول الموكل للوكيل مثلًا: وكلتك في بيع الشيء الفلاني. فهذه صيغة منجزة، يفهم منها أن الوكيل يجب عليه أن يفهم بالشيء الفلاني هذا ويبيعه.

فصيغة الوكالة هنا منجزة؛ لأنها لم تعلق على شرط، كذلك لم تضف إلى وقت؛ أي: لم يقل له مثلًا: بعها إذا حصل كذا، أو بعها في الوقت الفلاني. فلا هي معلقة، ولا هي مضافة إلى وقت.

وهذا النوع من الصيغة أو الصيغة المنجزة اتفق الفقهاء على صحة الوكالة, إذا كانت صيغتها منجزة، وتترتب أحكامها عليها. هذا بالنسبة لحكم تنجيز الوكالة.

ثانيًا: شروط صحة الوكالة:

الوكالة يشترط لصحتها عدة شروط، منها ما يتصل بعقدها أو يشترط في العقد، ومنها ما يتصل بالعاقدين؛ أي: يشترط في العاقدين أي الموكل والوكيل، ومنها -أي من هذه الشروط- ما يشترط في الأمر الموكل فيه.

فيشترط في عقد الوكالة لصحته ثلاثة شروط، شرطان لصحة عقدها يرجعان إلى جهة الموكل، وهما: اللفظ الذي تنعقد به الوكالة، وذكر الأمر الذي وكل فيه الموكل الوكيل.

والشرط الثالث لصحة عقدها يرجع إلى الوكيل، وهو قبول الوكيل، فلا بد إذًا في عقد الوكالة؛ لأنه يشرط لصحة عقدها ثلاثة شروط، فلا بد في عقدها من لفظ تنعقد به، وأن يكون مقارنًا لذكر ما وقعت به الوكالة في الحال, مثل: وكلتك في كذا أو ما فيه التوكيل، ثم بعد ذلك يقبل الوكيل.

أما الكلام في ذلك كله من ناحية التفصيل فنقول:

الشرط الأول الذي يكون من جهة الموكل، وهو في لفظ العقد، ويكون في الإيجاب الصادر من الموكل، فينقسم هذا اللفظ إلى ثلاثة أقسام: قسم لفظه صريح في الدلالة على العقد, وقسم لفظه غير صريح في الدلالة على العقد، ولكنه يدل على مقصود العقد, وقسم لا يكون لفظه صريحًا، ولا مقصودًا.

فاللفظ الصحيح في الدلالة على العقد أن يقول: وكلتك, فهذا لفظ واضح الدلالة، أو أنت وكيلي، أو غير ذلك، فهذا لفظ صريح في فهم المراد منه.

أما اللفظ الذي ليس صريحا، ويدل على مقصود العقد، فهو الذي لا يكون بصيغة: وكلتك، وليس صريحًا في هذا المعنى ولكنه يدل؛ أي: مضمونه ومفهومه يدل على مقصود العقد، مثل أن يقول: أقمتك مقامي، أو جعلتك نائبًا عني, فيصح عقد الوكالة بهذا اللفظ أيضًا؛ لأنه هو المقصود باللفظ، ونحن نقول: العبرة في العقود للقصد والمعنى. لا للفظ والمبنى. هذا بالنسبة للفظ الذي ليس صريحًا، ولكنه يدل على مقصود العقد.

والذي ليس صريحًا، ولا مقصودًا مثل أن يقول: قد عولت عليك أو اعتمدت عليك، إلى غير ذلك من الألفاظ التي لا تدل صراحة على الوكالة؛ لأن لفظ عولت عليك أو اعتمدت عليك؛ أي: على رأيك أو على معونتك أو مشورتك، فهذه الألفاظ لا يصح أن تنعقد بها الوكالة إلا إذا انضم إليها أحد الألفاظ, التي هي من القسمين السابقين.

فلو قال له: عولت عليك في أن تشتري لي شيئًا من السوق؛ فهذه وكالة؛ أي: ينضم لفظ إلى هذا.

وكذلك لا يصح اللفظ الذي ليس صريحًا، ولا مقصودًا, إذا قال له: سأوكلك؛ لأنه لفظ يحتمل, أو قال: أوكلك، هذا وإن كان لفظًا مشتقًّا من الوكالة لأنه يعتبر وعدًا، فليس صيغة صريحة في الدلالة على الانعقاد.

الشرط الثاني من جهة الموكل أيضًا: ذكر الأمر الموكل فيه.

وقد قسم الفقهاء الأمر الموكل فيه إلى ثلاثة أقسام، بحسب العموم والخصوص؛ أي: على سبيل الإجمال: قسم عام في كل الأحوال، وقسم خاص في حال معينة، وقسم عام في وجه وخاص في وجه.

فالقسم الأول الذي يكون عامًّا في كل الأحوال, مثل أن يقول: وكلتك في كل شيء، والذي نقوله في العصر الحاضر، فالوكالة هنا تلك التي يذهب الإنسان فيها إلى مكاتب الوكالات، ونسميها الوكالة العامة؛ أي: في البيع والشراء وإلى آخره، هذا لفظها. أو يقول: وكلتك في كل كثير وقليل, أو في كل تصرف يجوز لي, أو في فعل ما تراه صالحًا.

وهذه الوكالة التي تكون عامة وفي كل شيء غير جائزة، فهذه الوكالة باطلة عند الجمهور؛ للجهل بنوع التصرف الموكل فيه أو للجهل بمحلها؛ لأنه إذا وكله بصيغة من هذه الصيغ، ثم طبقنا ذلك على الوكالة بالبيع؛ أي: يقول له: وكلتك في كل شيء، فماذا يبيع؟

تحتمل الصيغة أن يبيع القليل والكثير ونحو ذلك، وهذا يشكل تضادًّا؛ أي: الشيء وضده؛ لذلك قال جمهور الفقهاء: إن هذه الوكالة تعتبر باطلة، ولأن فيها غررًا وخطرًا كبيرًا، فإنه يدخل في هذه الصيغة أو هذا القسم الذي يكون عامًّا في كل الأحوال أخطارٌ عظيمة، قد يهب جميع ماله، وقد يطلّق نساءه، وقد يوقعه في التزامات خطيرة يعظم الضرر بها عليه -أي: على الموكل.

أما القسم الثاني من الموكل فيه فخاص في حالة معينة، وهو التوكيل الخاص مثل: أن يقول: وكلتك في بيع هذه الدار أو في شراء هذه السيارة التي من نوع كذا، هذه الوكالة صحيحة، ولكن في النوع الموكل فيه دون غيره.

القسم الثالث من الموكل فيه: هو الذي يكون عامًّا من وجه، وخاصًّا من وجه.

وهذا القسم يتنوع إلى نوعين:

النوع الأول: الذي يكون ذكر الخصوص فيه يجعل العموم مفهومًا أو معلومًا، وهذا النوع تصح فيه الوكالة، مثاله: أن يقول له: وكلتك في بيع كل قليل وكثير من مالي، والأمر أو الوجه الخاص هنا كلمة البيع، فذكر خصوص البيع دون أي تصرف غيره؛ لأنه لم يقل له: وكلتك في كل شيء، كما في الصورة السابقة، وإنما قال له: وكلتك في بيع كل قليل وكبير.

وتخصيص البيع دون أي تصرف آخر يجعل المراد من عموم المال معلومًا، فتكون الوكالة هنا واقعة على بيع أي مال له, قليل أو كثير، فلا تقع الوكالة على طليق نسائه، ولا على الهبة، ولا على غيرها, فهذا عام من وجه وهو كلمة قليل وكثير، وخاص من وجه وهو التحديد بالبيع، فالوكالة هنا جائزة؛ لأنها هنا ذكر الخصوص الذي يجعل العموم معلومًا.

النوع الثاني من هذا القسم: ما لا يكون العموم فيه معلومًا حتى مع ذكر التخصيص, نقول: هذا النوع من الوكالة باطل, ومثاله: أن يقول: وكلتك في شراء ما تراه بكل قليل وكثير من مالي.

والعموم هنا واقع على جنس ما يشتريه بماله “وكلتك في شراء ما تراه”؛ أي: جعل ما يشترى عامًّا، فهذا غير معلوم بخلاف النوع السابق؛ لأن فيه الوكالة ببيع، وهو نوع مخصوص، وإن قال له بكل ما يملك، ولكن هنا إذا قال له: وكلتك في شراء ما تراه, فالذي وكله في شرائه ويراه الوكيل غير منحصر؛ فكل ما على وجه الأرض ممكن شراؤه, فعندما يقول: وكلتك في شراء كل ما تراه، هذا أمر غير منحصر، وإن كان التخصيص فيه بكل ماله؛ أي: جعل الشراء بكل ماله، ولكن العموم فيه يجعله غير منحصر، فتبطل الوكالة فيه.

الشرط الثالث راجع إلى جهة الوكيل, فالوكيل يشترط أن يقبل، وقد تكلمنا فيه في ركن الصيغة، وهي الإيجاب والقبول.

error: النص محمي !!